تواصلت يوم الإثنين، 14 نيسان/ أبريل 2025، أعمال الدورة العاشرة لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية، الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، على مدار أربعة أيام، في موضوع "وسائط التواصل الاجتماعي: جدلية تدفق المعلومات وحرية التعبير والمراقبة والسيطرة".
وقد شهد اليوم الثاني من المؤتمر تقديم تسع أوراق موزعة على ثلاث جلسات. واستُهلّت أعماله بالجلسة الرابعة التي ترأسها مهدي مبروك، وافتُتحت بورقة عنوانها "إسكات الفضاء البديل: نشاط فلسطينيّي الداخل عبر وسائط التواصل الاجتماعي أثناء حرب 7 تشرين الأول/ أكتوبر"، بيّنت فيها هامة أبو كشك أنّ نحو 70 في المئة من المشاركين قد غيّروا سلوكهم في استخدام وسائط التواصل الاجتماعي منذ اندلاع الحرب، لا سيّما من خلال الامتناع عن نشر المحتوى أو التعبير عن الرأي، نتيجة الخوف من التعرض لعقوبات مثل الاعتقال أو الملاحقة القانونية. وفي موضوع مقارب، قدّمت حليمة أبو هنية ورقة عنوانها "تأثير مجموعات الواتساب في النساء الفلسطينيّات في منطقة القدس: قوّة الروابط الضعيفة وتعزيز رأس المال الاجتماعي النسائي"، مجادلةً بأنّ هذه المجموعات تساعد النساء في تكوين شبكات اجتماعية افتراضية تساهم في تمكينهنّ اجتماعيًا وتعزيز قدرتهنّ على دعم عائلاتهنّ اقتصاديًا وحمايتها من المخاطر في منطقة هي الأكثر استهدافًا من قوّات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة القدس. واختتمت الجلسة بورقة عنوانها "وسائط التواصل الاجتماعي والرقابة في زمن الأزمات: كيف يتفاعل المستخدمون العرب مع تقييد المحتوى المرتبط بالحرب على غزّة؟ (إجابات من المؤشر العربي 2024-2025)"، قدمتها ليلى عمر، وركّزت فيها على مدى إدراك المستخدمين لممارسات السيطرة على محتوى وسائط التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالحرب على غزة، وتأثير الحرب في كيفية متابعة الأفراد للأحداث السياسية عبر هذه الوسائط، والتغيرات المحتملة في أنماط متابعتهم للمحتوى والمصادر الإخبارية، استنادًا إلى أحدث بيانات المؤشر العربي (2024-2025) الذي ينفذه المركز العربي.
وفي الجلسة الخامسة للمؤتمر، التي ترأسها عبد الرحمن الإبراهيم، عرض أربعة باحثين ثلاث أوراق. قدّم الورقة الأولى فادي زراقط بعنوان "انتخابات البحرين في عام 2018: وسائط التواصل الاجتماعي بوصفها سردية بديلة"، والتي بيّن فيها أهمية وسائط التواصل الاجتماعي لجميع أصحاب المصلحة في السياسة البحرينية، وكذلك الأنماط المختلفة لتدفق المعلومات عبر الشبكات المختلفة. ثم قدّم محمد باسك منار ورقة عنوانها "الحملات الانتخابية الرقمية في المغرب: حالة انتخابات 8 أيلول/ سبتمبر 2021"، أوضح فيها أنّ استعمال الأحزاب السياسية لوسائط التواصل الاجتماعي في حملاتها الانتخابية لم يكن مؤطرًا بقواعد قانونية خاصة، وظل مطبوعًا بسمات سلبية ترتبط بالفاعلين الانتخابيين، وبحملاتهم الانتخابية الرقمية؛ ما جعل تأثيره محدودًا جدًّا في النتائج الانتخابية العامة لأغلب الأحزاب السياسية. وقدّم الورقة الثالثة أيوب عصري وأودية نصيرة بعنوان "ردود الفعل العامة العربية تجاه انضمام مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى منظمة بريكس: تطبيق منهجية التعلم العميق على التغريدات العربية"، والتي أظهرت نتائجها أنّ الرأي العام العربي كان أكثر حيادية تجاه موضوع انضمام ثلاث دول عربية إلى المنظمة (38.91 في المئة) مقارنةً بكونه إيجابيًا (31.72 في المئة) أو سلبيًا (30.09 في المئة).
خُصّصت الجلسة السادسة، التي ترأستها أمل غزال، لموضوع وسائط التواصل الاجتماعي والدين. وقد استهلّتها هندة الغريبي بورقة عنوانها "تأثير وسائط التواصل الاجتماعي في إعادة تشكيل الهويات الدينية في تونس ما بعد الثورة"، أكّدت فيها أن وسائط التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك، أتاحت للجماعات الأصولية، التي كانت مهمشة داخل المجتمع التونسي، مجالًا للتعبير عن معتقداتها الدينية وخلق هوية على الإنترنت تعكس أيديولوجيتها من أجل إعادة أسلمة المجتمع بأسره. وجادلت ليليان إسطفانوس في ورقتها بعنوان "النشاط الرقمي داخل المجتمع القبطي في أميركا الشمالية: فرص جديدة أم تهديدات ناشئة؟" بأن سلبيات النشاط الرقمي باتت تفوق الفوائد الأولية التي وفّرها، وهو أمر يفرض قيودًا جديدة على التأثير السياسي للشتات القبطي الرقمي. واختُتمت أعمال اليوم الثاني بورقة عنوانها "الاستعمال الديني لوسائط التواصل الاجتماعي وإعادة تعريف السلطة الدينية في المغرب" قدّمتها نادية العالية، خلصت فيها إلى أنّ الاستعمالات الدينية للشبكات الاجتماعية تتعدَّد بتعدُّد متطلبات الأفراد الذين يعون مقاصد هذا الاستعمال وغاياته، بوصفهم فاعلين في إمكانهم تطويع التقنية لتلبية احتياجاتهم.
أمّا اليوم الثالث للمؤتمر، فشهد تقديم إحدى عشرة ورقة موزعة على أربع جلسات. قُدمت في الجلسة السابعة التي ترأستها مريم الخاطر ورقتان؛ الأولى لمازن حسن وسارة منصور وزياد الكيلاني وأسماء عبد الخالق ومحمد صبري عامر بعنوان "هل يمكن التلقيح ضد الأخبار الزائفة؟ دراسة تجريبية على عيّنة من المستخدمين العرب على منصة إكس"، جادل فيها الباحثون بأنّه يمكن فعلًا "تلقيح" الأفراد بأجسام مضادة ضد الأخبار الزائفة مثلما يجري تلقيح الأفراد ضد الفيروسات باستخدام اللقاحات، وحاجّوا بإمكانية خلق مناعة استباقية ضد الأخبار الزائفة إذا تلقّى الأفراد تدريبًا على ذلك. أما الورقة الثانية المعنونة بـ "منهجية جمع المحتوى العربي وتنضيده عبر وسائط التواصل الاجتماعي باستخدام الهندسة العكسية" لبراء ديب ومحمد فلحة وفادي زراقط، فعرضت المنهاجية التي اتّبعها الباحثون والمحللون في وحدة دراسات المجال الرقمي والاجتماعي العربي في المركز العربي في جمع محتوى وسائط التواصل الاجتماعي المتعلق بالعالم العربي خلال السنتين الأخيرتين وتنضيده باستخدام الهندسة العكسية، وهي منهاجية تُمكّن من تجاوز قيود المنصات الكامنة لتوجيه المحتوى المنتشر عبر طرائق يدوية.
وفي الجلسة الثامنة التي ترأستها نجلاء مكاوي شارك أربعة باحثين. حاول عبد الكريم أمنكاي في ورقة بعنوان "الثقة المجتمعية وتبعاتها السياسية في العالم العربي: أيّ آثار لاستهلاك وسائط التواصل الاجتماعي؟" فحص مدى تأثير استهلاك وسائط التواصل الاجتماعي في الثقة المجتمعية في العالم العربي، وعواقب ذلك على المستوى السياسي، من خلال تحليل بيانات الدورة الثامنة للمؤشر العربي. وفي السياق نفسه، بيّن يعقوب يوسف الكندري في ورقة بعنوان "الاغتراب الاجتماعي لدى الشباب الكويتي: دراسة في تأثير إدمان وسائط التواصل الاجتماعي عبر الهواتف الذكية" وجود علاقة دالة إحصائيًا بين إدمان الهواتف الذكية وأبعاد الاغتراب الاجتماعي المختلفة، ما يؤكد أنّ استخدام التقنيات الحديثة، لا سيّما الهواتف الذكية، يرتبط بتأثير واضح في السلوك الإنساني لدى شريحة الشباب تحديدًا. وفي الورقة الثالثة بعنوان "خوارزميات يوتيوب واستراتيجيات صياغة العناوين لتعزيز التفاعل مع محتوى المهاجرين غير الشرعيين" لمحمد خميس وشرف الدين بن وارث، أكد الباحثان الضعف النسبي لمعامل الارتباط بين عدد الكلمات في العناوين والمشاعر التي تحملها، وذلك على عكس ما تؤكّده الأدبيات السائدة، بسبب خصوصية محتوى الهجرة غير الشرعية واستثنائيته باعتباره سردية لأقلية مهمّشة تتعرض للإقصاء.
خُصصت الجلسة التاسعة من المؤتمر، التي ترأسها محمد حماس المصري، للعلاقة بين القانون والحقوق ووسائط التواصل الاجتماعي، وشاركت فيها ثلاث باحثات. قدّمت سعدية بن دنيا الورقة الأولى بعنوان "مسألة الخصوصية والأمن الرقمي على وسائط التواصل الاجتماعي"، بحثت فيها مدى حماية الخصوصية على وسائط التواصل الاجتماعي، والحفاظ على أمن البيانات الشخصية. في حين سلّطت عزة الحاج سليمان في ورقتها بعنوان "الحق في النسيان الرقمي: جدلية الحق والقانون" الضوء على الحق في النسيان الرقمي بوصفه حق الإنسان في محو بياناته الشخصية التي أوجدها على الشبكة في مرحلة سابقة، بهدف عدم ظهور ماضيه إلى العلن. أمّا مي عامر، فخلصت في ورقتها بعنوان "تأثير خطاب قيم الأسرة المصرية في فتيات التيك توك: دراسة سوسيولوجية تحليلية" إلى أنّ الصياغات القانونية غير الدقيقة تفتح المجال لتفسيرات ذاتية تعتمد على القناعات الشخصية، وهو ما يشكّل خطرًا على الحريات، لا سيّما في المجتمعات الأبوية التي تستخدم الرقابة القانونية أداةً لضبط النساء تحت مسمى الحماية.
خُتمت أعمال اليوم الثالث بالجلسة العاشرة التي ترأسها باسم الطويسي بمشاركة ثلاثة باحثين. حاول أيوب دهقاني في ورقته بعنوان "عالم ما بعد البانوبتيك ومعضلة الانعتاق: من المراقبة نحو مجتمعات الأتمتة" استكشاف تطور دراسات المراقبة، من خلال فرز أدبياتها وعرض مفاهيمها وأطروحاتها المعرفية، بناءً على ثنائية التكنولوجيا والتقدم العلمي. ودعا عيدون الحامدي في ورقته بعنوان "السياسة الحيوية الرقمية لوسائط التواصل الاجتماعي: نحو رؤية متكاملة لسياسات التنظيم والمراقبة والسيطرة الرقمية" إلى استحداث آليات تنظيمية تشاركية وشفافة تحمي الحقوق الفردية وتضمن توازنًا عادلًا بين الابتكار التقني والقيم الإنسانية. وناقش مايكل مدحت في ورقته بعنوان "تكنولوجيا وسائط التواصل الاجتماعي ونقد الأيديولوجيا الجندرية في فلسفة كاثلين ستوك" تحليل ستوك لدور وسائط التواصل الاجتماعي في تحويل الهوية الجندرية إلى أيديولوجيا في ضوء فكرة الانغماس في الخيال، وعلاقة ذلك بمعايير إنتاج المعرفة وحرية التعبير عن الرأي في الحياة الأكاديمية.
تتواصل أعمال الدورة العاشرة لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية حتى يوم الثلاثاء 15 نيسان/ أبريل 2025، وتُختتم بملاحظات ختامية يُقدّمها المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة بعنوان "أبحاث شبكات التواصل الاجتماعي: قضايا وتحديات"، يليها حفل توزيعالجائزة العربية لتشجيع البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية.