بدون عنوان

انطلق صباح يوم الخميس، الرابع من آب/ أغسطس 2016، في مدينة الحمّامات بتونس؛ المؤتمرُ الأكاديميُّ عن "إستراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح" الذي ينظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، بالتعاون مع فرع المركز بتونس.

ويهدف هذا المؤتمر الذي يشارك فيه عدد من الباحثين والخبراء العرب والأجانب؛ إلى تناول حملات مقاطعة التطبيع ومناهضته، بوصفها أسلوبًا من أساليب مقاومة الاحتلال، وفضحِ ممارساته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني.

ألقى كلمةَ المؤتمر الافتتاحيةَ مديرُ فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس؛ الدكتور مهدي مبروك، ذاكرًا أن هذا المؤتمر ينعقد بعد 70 سنة من صدور أول قرار لجامعة الدول العربية عن المقاطعة الرسمية، لكن مع مرور السنوات، اعترضت هذه البادرة منعرجاتٌ عديدةٌ أكّدت أمرًا مهمًّا؛ هو ضعف النظام الرسمي العربي، وتشتُّت النخب العربية، وبروز حالات استقطاب حادّة، وتنامي موجات العنف والتطرف، وارتفاع منسوب مناهضة الغرب، والمسلمين عامّة، وهو ما كان له انعكاس وخيم على القضية الفلسطينية.

شدّد الدكتور مبروك على حرص المركز على دعم الجهد العلمي والبحثي؛ من أجل مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، عبر تعميق النظر العلمي، وضمن التزام أخلاقي؛ يكرّس حق الاختلاف والتعدد، مبيّنًا أن تنظيم مؤتمر علمي عن إستراتيجية مقاطعة إسرائيل يقع، خصوصًا، ضمن رؤية هادفة؛ تغذّي ديناميكيةَ المقاطعة، وتفعيلَ أشكالها ومضامينها؛ بوصفها جزءًا من حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتحرر.

وأوضح الدكتور محمد المصري، المدير التنفيذي للمركز العربي ودراسة السياسات بالدوحة، أن المركز يكرّس جزءًا مهمًّا من أعماله ونشاطه؛ لتناول القضية الفلسطينية، وتسليط الضوء على مختلف أوجه معاناة الشعب الفلسطيني، ومقاومته للاحتلال الإسرائيلي، والبحث في سبُل تفعيل آليات المقاومة، ولا سيّما المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وأشار إلى أن المركز يعقد العديد من المؤتمرات العلمية، ويصدر الكثير من المنشورات التي تتناول القضية الفلسطينية، وتبرز خطرَ السياسات الإسرائيلية المتَّبعة، الهادفة إلى التصدّي لروح المقاومة الفلسطينية والعربية.

وقد ضمّت الجلسة العلمية الأولى في المؤتمر مجموعة من المداخلات العلمية التي بحثت، على وجه الخصوص، موضوع "المقاطعة كإستراتيجية عمل وطني فلسطيني، والرد الإسرائيلي عليها". وفى هذا الإطار، أشار الباحث الفلسطيني ميشال نوفل إلى أن الموقف الأوروبي الشعبي كان جريئًا وأكثر انتصارًا للحقّ الفلسطيني من الموقف الأوروبي الرسمي، مشيرًا إلى مبادرات مدنية في أوروبا للمقاطعة، وفي ألمانيا وبريطانيا بالتحديد؛ لما لذلك من دلالة خاصّة، كما قارنها بالتجربة الأميركية في المجال ذاته؛ مع اختلاف الديناميكات المتبعة؛ مسلّطًا الضوء على الإستراتيجيات التي اعتمدتها الجهات المضادة لمواجهة حركة المقاطعة؛ مشيرًا، كذلك، إلى نجاح حركة المقاطعة في تعبئة قطاعات واسعة من الرأي العامّ الأوروبي ضد إسرائيل، وضد سياسات التمييز العنصري التي تتخذها في مواجهة الشعب الفلسطيني، وفي حرمانه من أبسط حقوقه الأساسية. وأوضح أن هذا الزخم أربك إسرائيل كثيرًا، ودفعها إلى إطلاق سياسات مضادة؛ للالتفاف على جهد المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية.

من ناحيتها، بّينت الباحثة آيات حمدان في مشاركة بعنوان "المقاطعة في السياق الفلسطيني: الظروف والتحديات" أنه في غياب برنامج وطني يحظى بدعم القوى السياسية المختلفة؛ تظهر اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها؛ خيارًا وطنيًّا جامعًا، بقيادة اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل، والتي تسعى إلى مقاطعة هذا الكيان دوليًّا. وخلصت إلى أنه على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته إستراتيجية مقاطعة إسرائيل، دوليًّا، في العقد الماضي، وعلى الرغم من الخسائر الاقتصادية والمعنوية الفادحة التي ألحقتها بها، فإن تحدياتٍ كثيرةً لا تزال تعترض طريق حركة المقاطعة داخليًا؛ تحدياتٍ أفرزتها طبيعة النظام الاستعماري الاستيطاني الذي تخضع له فلسطين، إضافةً إلى الواقع السياسي والاقتصادي الناتج من "اتفاقيّة أوسلو".

وفى مشاركةٍ بعنوان "كي تستمر النجاحات: تعديل إستراتيجية حملات المقاطعة"؛ أفاد الباحث والناشط الفلسطيني خليل جهشان أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات تواجه اليوم تحدّياتٍ كبيرةً، وبخاصّةٍ بعد أن حشدت إسرائيل جهدًا ضخمًا لتشويهها، ومن الضروري، وفقَ تقديرِه، إعادة النظر في تكتيكات الحركة، داخل المجتمع الأميركي على وجهٍ خاصّ؛ للمحافظة على سعيها لتحقيق أهدافها، وتعزيز فاعليّتها، وضمان استمراريتها في مواجهة الحملة الإسرائيلية الساعية لتقويضها. وقال: "لا يكفي الادّعاء بأن إسرائيل غير قادرة على الانتصار على حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، بل على هذه الحركة أن تراكم المكاسب التي حققتها، فضلًا عن النضج الذي بلَغتْه بغية تطوير إطار فكري أكثر عمقًا؛ لتضمن تفكيك العقبات والحواجز التي تعوقها".

أما الباحثة أماني السنوار فقد ذكرت في مشاركةٍ بعنوان "وسم بضائع المستوطنات فى أوروبا بين الاقتصاد والسياسة" أن قرار البرلمان الأوروبي، سنة 2012؛ وضعَ علامات خاصّةً لتمييز مصدر المنتوجات الإسرائيلية (من المستوطنات)، وهو موقف يُفهَم منه عدم اعتراف الدول الأوروبية بسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلّة سنة 1967، مشيرةً إلى أن التطورات الإقليمية، في السنوات الأخيرة، وسّعت الفجوة بين الدّوْر والأهداف الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط وبين علاقة أوروبا الثنائية بإسرائيل. وشدّدت على ضرورة مضاعفة الجهد والضغط إقليميًّا ودوليًّا؛ لدعم عزلة المشروع الاستيطاني، داعيةً النخبَ العربيةَ إلى تعزيز مبادرات المقاطعة العربية والعالمية لإسرائيل، وتفعيل الرؤى المتعلقة بذلك.

وقدّم الباحث طارق حمود، محاضرةً بعنوان "المقاطعة في الإجراءات الأوروبية، نصف مقاطعة للمستوطنات، ودعمٌ مطلق لإسرائيل"؛ أكد فيها أن حركة مقاطعة إسرائيل، في أوروبا، تحمل أبعادًا قانونية وحقوقية، إضافةً إلى منطلقاتها الأخلاقية، وأن هذه الحركة تنقسم إلى قسمين: الأول مدنيّ وهو الأشدّ تاثيرًا، والثاني رسمي نابعٌ من بعض الإجراءات الأوروبية الرسمية. وتابع قائلًا: "إن القراءة المتأنية للإجراءات الأوروبية الرسمية تجاه المستوطنات قد تخرج باحتمالات متعددة؛ تبدأ من الجانب القانوني والأخلاقي الذي يعيش انفصامًا واضحًا مع إجراءات رسمية أخرى تجعل إسرائيل، بوصفها نظامًا سياسيًّا بالنسبة إلى الاتحاد، حليفًا فوق القانون، وديمقراطيةً تستحق الدعم لا العكس".