بدون عنوان

اختتمت يوم السبت 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 الندوة العلمية الدولية حول "السياسات التراثية في البلدان المغاربية" التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس، بالتعاون مع مخبر اشتغال الأرض، التعمير وأنماط العيش في المغرب العربي في العصور القديمة والوسيطة، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في سوسة.

شارك في الندوة 32 باحثًا جامعيًا من الدول المغاربية (تونس، والمغرب، والجزائر، وموريتانيا، وليبيا) إضافة إلى أكاديميين من فرنسا.

تطرقت الجلسة العلمية الأولى إلى محور الاعتبارات والوضعيات. وقد ترأسها فوزي محفوظ المدير العام للمعهد الوطني للتراث في تونس. استهل منصور غاكي بمداخلة عنوانها "الأمازيغية: أحد مكونات التراث المغاربي". وقدم نبيل قلالة ورقة عنوانها "الاعتبارات العامة والعملية لفهم جيد بين الحفاظ على التراث والتنمية". أما صادق بن بعزيز فعرض في بحثه بعض العناصر من "ممارسة تراثية تونسية". وطرح فتحي بحري "سؤال التصرف في التراث". أكدت هذه الجلسة أهمية تقييم وضعية المؤسسات التراثية المغاربية من خلال نموذج المعهد الوطني للتراث في تونس. وقد أشار الباحثون إلى الصعوبات المالية واللوجستية التي تمر بها هذه المؤسسة الوطنية، على نحوٍ أثّر في السياسات التراثية وجعل الاهتمامات التراثية المتنوعة وروافدها الثقافية في حالة تراجع.

واهتمت الجلسة العلمية الثانية التي ترأسها عدنان الوحيشي بـ "المشهد التراثي المغاربي". وتطرقت إلى تجارب السياسات التراثية المغاربية؛ حيث بينت الباحثة الجزائرية نبيلة الشريف آليات الجرد والحفاظ وتثمين التراث الهندسي الجزائري من خلال مقارنة بين النصوص القانونية والممارسات التطبيقية. وقارن محمدو ميين السياسات التراثية في موريتانيا بين البرامج العمومية والمبادرات الخاصة. وفي السياق ذاته، تناول الباحث الليبي حافز والدة التراث الثقافي الليبي بين التحديات والطموحات. ولم يغب البعد التاريخي الكولونيالي، حيث استعرض لزهر الغربي من تونس السياسة الفرنسية تجاه التراث الجزائري خلال القرن التاسع عشر.

وناقشت الجلسة العلمية الثالثة التي ترأسها فتحي بحري، محور المحافظة التراثية. وتطرق الباحث التونسي منذر براهمي إلى الهندسة الريفية والتنمية المحلية في جهة قفصة كمدخل في تنويع المنتوج السياحي الريفي. وأوضح يوسف زينب أهمية الارتقاء بالتراث المادي بالتحديد والحفاظ والاستثمار. وأثارت هدى بن يونس موضوعًا طريفًا يخص مميزات تسجيل التراث الإباضي في اليونسكو وما أفضى إليه من محاذير من خلال دراسة حالة وادي مزاب وجزيرة جربة في تونس. وتطرّق أنيس الحجلاوي إلى التراث المادي في جهة سيدي بوزيد، وهي منطقة في الوسط الغربي التونسي، بين الصيانة وما يتعرض له من انتهاكات. واختتمت الجلسة بمداخلة عثمان برهومي حول المشاكل التي تعترض التراث المادي الأوروبي في منطقة الحوض المنجمي بتونس بين المحافظة والتثمين.

وعالجت الجلسة العلمية الرابعة سياساتٍ وممارساتٍ تراثية تونسية. وقد أشرف عليها منصور غاكي. ناقش عدنان الوحيشي سياسة الدولة التونسية حول المدن التاريخية ومراوحتها بين النظرية والتطبيق. وفي السياق ذاته تناول عماد صولة التراث الثقافي اللامادي وكيفية صونه ومنحه الديناميات المنشودة. ونظرًا إلى أهمية التراث وضرورة تدخّل المؤسسات والهياكل للحفاظ عليه، ركز سمير شامي في ورقته على دور وزارة الدفاع الوطني التونسي في إنجاز ذلك. وأكد الهادي جلاب مدير عام المركز الوطني للوثائق والأرشيف دور السلط العمومية في الاهتمام بالتراث الوثائقي لتونس المستقلة.

واستمر الاهتمام بالتراث في محوره الخامس بعنوان المتاحف، والتربية التراثية، برئاسة نبيل قلالة. وهي مسألة حيوية تظهر الأبعاد التربوية والبيداغوجية للمتاحف؛ حيث اهتمت الباحثة الفرنسية برندات دوفران بالمتاحف المغاربية والوسائط الرقمية، وصيغ استثمارها وتطورها التربوي. وتناولت سميرة غرس الله التربية على التراث وتقييم السياسة التربوية التراثية في تونس من خلال تجربة "سفير" الذي اعتبرته العنصر الأول في بناء الهويات وتملك التراث. وعالج لطفي بلهوشات السياسة التربوية والثقافية في المتحف الأثري في مدينة سوسة.

تمحورت الجلسة العلمية السادسة حول تثمين التراث. وترأّستها برندات دوفران. أكّد في مستهلها هشام بن رجب ضرورة استثمار المشهد الطبيعي لمصلحة التراث، وأوضح كل من محمد هلال وياسمين عطية وهادي رجب "سلم الحوكمة لملامح التراث الملاحظ في سوسة". وتفطّن ناجم ظاهر في بحثه إلى أهمية تثمين التراث الصحراوي في الميدان السياحي وإفرازه ديناميات سياسية وثقافية تواجه المنطق التجاري. وتناولت سنية الحمزاوي بالتحليل والدرس التراث الغذائي المتوسطي والتراث اللامادي، من خلال النموذج التونسي.

واهتم المحور العلمي السابع بمسائل التكوين والبحث برئاسة صادق بن بعزيز. وحدد عمار عثمان وأنا ليون قضية إدارة التراث والتصرف فيه في تونس، ضمن إطار مشروع تكوين - بحث في يونغا، وهو نموذج شراكة علمية بين المعهد الوطني للتراث وجامعة درهام. وأشار حبيب البقلوطي إلى مهن التراث والصعوبات التي تتعرض لها من حيث متطلبات التكوين الجامعي ورهانات التشغيل. وتناول عبد الحميد البرقاوي وفق مقاربة متعددة الاختصاصات وتشاركية تجربة دار المعارف لعلوم الإنسان والتراث الثقافي في الجنوب التونسي.

واختتمت أشغال الندوة العلمية بالمحور الثامن المخصص للنصوص التشريعية ومشاريع النصوص برئاسة نبيلة الشريف؛ حيث بيّن منصف بن موسى مشروع قانون المتاحف في تونس ورهاناته وعوائقه. وقدّم يوسف بن إبراهيم توصيفًا لواقع التشريع التونسي في مجال التراث وإمكانات التطوير. واقترح عبد اللطيف مرابط فكرة مؤسسية تهم تفعيل المجلس الأعلى للحفاظ على الموارد الثقافية. وحلل عادل بن يونس السياقات التاريخية والرهانات التراثية التي جعلت الحماية الفرنسية تسجل قرية سيدي بوسعيد أول قرية محمية عالميًا، واختتمت الجلسة بورقة طريفة قدمتها الباحثة حنان دقدوق حول التخطيط الروماني للمدن والأراضي الفلاحية وضرورة دق ناقوس الخطر الذي يهددها من مخاطر الإتلاف وعدم الاهتمام في تونس.

واكب الندوة جمهور من الأكاديميين والباحثين والطلبة في مجال التراث والمهتمين بالشأن المغاربي وعدد من الخبراء، إلى جانب حضور إعلامي متميّز.