بدون عنوان

تضمّن العدد الأول (أيلول/ سبتمبر 2020) من دورية "حِكامة" التي تصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا افتتاحية التعريف بالمجلة، بقلم عزمي بشارة، وخمس دراسات علمية، ناقشت موضوعات استقلال البنك المركزي، والتخطيط الاستراتيجي في المنظمات غير الحكومية، ونموذج الشبكات في حكامة السياسات العامة، وسياسات مكافحة الفساد في تونس، ودور الجمعيات في موريتانيا في مكافحة الفقر. 

واشتمل قسم التقارير وأوراق السياسات على مجموعة من الأوراق التي بحثت في الأزمة الصحية الراهنة، وتضمنت تقريرًا لورشة خبراء عقدتها دورية حِكامة حول موضوع الاستجابات الحكومية والتداعيات الصحية لأزمة فايروس كورونا المستجد في البلدان العربية، إضافة إلى تقريرين حول تداعيات جائحة كورونا في كل من المغرب واليمن، وتقرير حول الأزمة الإنسانية في إدلب في ظل أزمة فايروس كورونا. كما احتوى العدد على ترجمة لدراسة حول المواطنة والمسؤولية المدنية، إضافة إلى مراجعة لتقرير البنك الدولي حول استحواذ النخب على مساعدات التنمية الخارجية.

تناول ابراهيم العيسوي مفهوم استقلال البنك المركزي وأسباب ظهوره ومعايير الحكم على مدى تحقّقه، مع مراجعة الأساس النظري والسند التطبيقي للتوجه نحو استقلال البنك المركزي، وتناول العوامل المحددة للاستقلال الفعلي التي قد تجعله مختلفًا عن الاستقلال القانوني، ولا سيما تلك المرتبطة بديمقراطية نظام الحكم أو سلطويته. وبين العيسوي في دراسته أن ثمة توافقًا على أن تمتُّع البنك المركزي بالاستقلال لا يحول دون تعاونه مع الحكومة، لكن الجدل ما زال غير محسوم بشأن قصر هدف السياسة النقدية على استقرار الأسعار، أم توسيعه، ليشمل النمو والتشغيل. وتناول العيسوي أيضًا حالة البنك المركزي المصري وبحث في مدى تمتّعه بالاستقلال من الناحيتين القانونية والفعلية، وخلص العيسوي في دراسته إلى غياب هذا الاستقلال عن المركزي المصري، وأرجع ذلك إلى غياب الديمقراطية. وفي ختام دراسته، أبرز العيسوي الحاجة إلى منظور تنموي لوضعية البنك المركزي ودوره باعتباره بديلًا من المنظور النيوليبرالي السائد حاليًا، ما يترتب عليه توسيع أهداف السياسة النقدية وتكاملها مع أهداف السياسات المالية والاجتماعية.

وناقش أحمد الكمالي وموسى علاية التحديات التي تواجهها المنظمات غير الحكومية عند تنفيذ خططها الاستراتيجية، وذلك عبر التعرف إلى واقع عملية التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي في الهلال الأحمر القطري وفقًا للعناصر الأربعة لنموذج رودس وكيوغان، وهي: الرسالة، ومحتوى الاستراتيجية، والتحليل البيئي، وعملية التنفيذ. كما توصل الباحثان إلى خلاصات نظرية حول المنظمات غير الحكومية والتخطيط الاستراتيجي، وذلك من خلال إضافة أصحاب المصلحة إلى نموذج رودس وكيوغان عنصرًا خامسًا ذا تأثير مباشر في عملية التخطيط الاستراتيجي. ويظهر التحليل التجريبي الذي قام به الكمالي وعلاية أن العديد من مراحل مراجعة الخطة الاستراتيجية والموافقة عليها، والتغيير التنظيمي المتكرر، والقيود المفروضة على التحويلات المالية والتدخل الإنساني الخارجي، تمثل جميعها تحديات مهمة تواجه الهلال الأحمر القطري في تنفيذ عملية التخطيط الاستراتيجي. كما أن اتباعه سياسة اللامركزية أثّرت إيجابيًّا في سرعة اتخاذ القرار ومدى توافقه مع المستفيدين، في حين أثرت سلبيًّا في الرقابة المالية الداخلية، حيث أصبح من الصعب معرفة حجم التجاوزات والأخطاء المالية.

وطرح أحمد بدران في دراسته سؤالاً جوهريًا، كيف تضمن الجهات الحكومية تحقيق أهداف السياسات العامة، من خلال الإدارة الفاعلة للأطراف المشاركة في عمليات الصنع والتنفيذ؟ يحاول بدران الإجابة عن هذا السؤال من خلال تقديم نموذج شبكات صنع السياسات Policy Networks، باعتباره أحد المداخل الحديثة التي تُبرز دور الأطراف غير الحكومية، وتقدّم الاستراتيجيات التي تُمكّن الجهات الحكومية من إدارة علاقاتها بالأطراف المجتمعية الأخرى بكفاءة. وينطلق بدران في دراسته من طرح أساسي، مفاده أنه على الرغم من الدور المتنامي للفاعلين غير الحكوميين في منظومة صنع السياسات العامة، فإن هذا لا يعني، بأي حال، تراجع الدور الحكومي. من هنا، يؤكد بدران في خلاصة ما توصلت إليه الدراسة أن ما حدث هو تغيّر في طبيعة الدور الذي تقوم به المؤسسات الحكومية، باعتبارها المصمم والمنفذ الرئيس للسياسات العامة في ظل النموذج التقليدي، لتصبح طرفًا ضمن مجموعة من الأطراف الفاعلة، لكنها الطرف الأكثر تأهيلًا لإدارة منظومة التفاعلات داخل شبكات صنع السياسات.

وسلّط عدنان نويوة الضوء على الربط القانوني الذي حصل في تونس بين العدالة الانتقالية وسياسات مكافحة الفساد من أجل تقييم هذه السياسات، وتتتبّع آثار ذلك في عملية التحوّل الديمقراطي. ويرصد نويوة في بحثه بعض الصعوبات القانونية والواقعية التي أثّرت سلبيًّا في جهود هيئة الحقيقة والكرامة والجهات القضائية في ما يتصل بالمحاسبة والمصالحة مع المتورطين في أفعال الفساد. كما يعرض الأبعاد المستقبلية للعدالة الانتقالية في ظلّ ما أُقر ونُفّذ في تونس من سياسات وتدابير وقائية ذات صبغة شاملة، أو ذات صبغة سياسية تساعد على مكافحة الفساد، ومن شأنها أن تشكّل رافعةً لمسار التحوّل الديمقراطي.

وغطى محمد يحيى حسني في دراسته دور الجمعيات في موريتانيا في مكافحة الفقر، من خلال رصد وتحليل الأدوار التي تقوم بها الجمعيات الموريتانية في مجال مكافحة الفقر الذي يعتبر المعضلة الرئيسة التي تواجه موريتانيا منذ نشأتها. واعتمد حسني على دراسة ميدانية شملت عيّنة من الجمعيات، وأخرى من مجتمع الفقراء؛ من أجل تقييم الإسهام الاقتصادي للفاعل الجمعياتي في مجال مكافحة الفقر. وتوصل حسني إلى جملة من النتائج تخصّ أهمية التمكين بوصفه نظرية ومقاربة في فهم ظواهر الفقر ومكافحتها، وبيّن أنّ تدخلات الفاعل الجمعياتي أكثر قدرة من غيره على ملامسة حاجات الفقراء، وأنّ الاستراتيجيات التمكينية في محاربة الفقر قد تمثّل أرضية مناسبة للتنمية البديلة، لكن من دون أن تكون هذه التنمية في حالة قطيعة مع الدولة التي تظل، مهما كانت الانتقادات الموجّهة إليها وإلى استراتيجياتها في محاربة الفقر، فاعلًا محوريًا في العملية التنموية.

وفي باب التقارير وأوراق السياسات، نشرت دورية حِكامة مجموعة تقارير وأوراق لبحث الأزمة الصحية لجائحة كورونا في البلدان العربية، فتضمن العدد تقريرًا لورشة الخبراء التي نظمتها دورية حِكامة، بمشاركة "شبكة البحوث التطبيقية في الصحة والبيئة والتنمية" AHEAD، حول "استجابات البلدان العربية لجائحة كوفيد- 19: الاستراتيجيات والتداعيات". ويهدف التقرير إلى توجيه العناية البحثية العربية إلى قضية تقييم السياسات العامة، باستخدام هذه الحالة الاستثنائية التي يمر بها العالم في مواجهة جائحة كوفيد- 19. كما تضمن الباب ورقة ابراهيم المرشيد وابراهيم المنصوري عن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا في المغرب، والتي تناولا فيها أوجه العلاقة بين الأزمة الصحية المترتبة على تفشي وباء فيروس كورونا والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المغرب، مع التركيز على تحليل آثار الجائحة واقتراح سيناريوهات تعافي الاقتصاد. وتضمن الباب أيضًا ورقة صلاح المقطري التي يستعرض فيها مظاهر انتشار فيروس كورونا والإجراءات الاحترازية التي اتخذت إزاء ذلك. ويتوقف عند التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه الأزمة في ظل استمرار الحرب، والأوضاع السياسية والاجتماعية المعقدة. واختتم هذا القسم أوراقه بتقرير تيسير الكريم وهاني مجالي وليا زامور حول الأزمة الصحية والإنسانية في ادلب شمال سورية، ويستعرض التقرير المخاطر والتحديات التي تواجه المنطقة المكتظة سكانيًا، والتدابير الممكنة حتى لا يتحول الملاذ الأخير للفارين إلى ساعتهم الأخيرة.

واشتمل العدد أيضًا على ترجمة لدراسة جورج كاندلر وجورجيت دومون حول المواطنة والمسؤولية المدنية، التي يستعرض فيها الباحثان المواطنة من حيث أنها مسؤولية لا يلقى عاتقها على الحكومة وحسب، بل على الجمهور ذاته، ولذا تبحث الدراسة في كيفية تحقيق الالتزام بالمسؤولية المدنية وتعزيز المشاركة المدنية لإرساء مفهوم متكامل للمواطنة.

كما تضمن العدد مراجعة مراد دياني لتقرير البنك الدولي حول استحواذ النخب على مساعدات التنمية الخارجية في الدول الفقيرة، وتستمد المراجعة أهميتها من موضوع التقرير الذي يغطي مسألة مهمة تشكل تحديًا حقيقيًا أمام إيصال المساعدات التنموية إلى وجهاتها الأصلية ومستحقيها الفعليين، حيث تقدم المراجعة أبرز ما تناوله التقرير من رصد وتحقيق في استحواذ النخب على المساعدات الخارجية عبر الملاذات الضريبية، واستغلال إطارها القانوني الذي يضمن السرية وحماية الأصول.