بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الرابع والثلاثون (خريف 2020) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية. وتضمّن دراسات منوعة في موضوعاتها البحثية؛ لكنها ركزت على قضايا المرأة والتهميش في العالم العربي، إضافة إلى قضايا اقتصادية وترجمة للسوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو يشرح فيها معنى السوسيولوجيا الانعكاسية.

إسهامات في مسائل المرأة في العالم العربي

سعت دراسة "نساء لبنان في سلك القضاء: إضافة أم مزيد من الشيء نفسه؟" لعزّه الحاج سليمان وعزّه شرارة بيضون لفهم القيمة المضافة التي يمثلها أداء النساء القاضيات في القضاء اللبناني، مقارنة بالرجال، في ضوء نتائج تقرير أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 حول التطور في الوظيفة القضائية في الكثير من المجتمعات. وجرى ذلك من خلال النظر في عيّنة عشوائية من الأحكام/ وثائق المحاكمات القضائية لقضاة منفردين من الجنسَين في قضاء بعبدا - جبل لبنان، بين عامي 2011 و2018. وكشفت نتائج الدراسة أن القاضيات اللبنانيات أكثر التزامًا بتطبيق القواعد القانونية والقواعد السلوكية للوظيفة القضائية من القُضاة الرجال، وما ينطوي على ذلك من التزامهن بالمسؤولية الاجتماعية. لكن بالنسبة إلى اللجوء إلى الهوامش التي أوجدها المشرِّع اللبناني، والتي كان في الإمكان تفعيل استخدامها لأجل تحقيق اختراقات، فإن أداء القاضيات لا يختلف عن أداء القضاة.

أما الباحث بلقاسم بنزنين فبحث مسألة حقوق المرأة الجزائرية في إطار منظومة الإصلاحات السياسية التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال في دراسته المعنونة "حقوق المرأة في منظومة الإصلاحات السياسية في الجزائر: بين مطلب الحقوق الفردية والتوافق مع المرجعية الدينية". ومن خلال ذلك، حلّل كيف أن هذه الحقوق ظلت محكومة من ناحية بالصراع ضد الاستبداد السياسي، ومن ناحية أخرى بالخصومة بين محاولات النظام الجزائري استغلال شعار حقوق المرأة للوقوف في وجه الإسلام السياسي، ومحاولة الإسلاميين الربط بين الهوية الدينية وحقوق المرأة من أجل مقاومة ما تعتبره تغريبًا للمجتمع الجزائري، واستمرارًا للحقبة الثقافية الاستعمارية. وفي حين لم يمنع نضال المرأة الجزائرية في خضمّ ذلك انتزاعها مجموعة من الحقوق التي تتعلق بالحريات الفردية، ظل تأثير التيارات الإسلامية في الأوساط الشعبية وفي الشأن السياسي كبيرًا في النقاشات الخاصة بحقوق المرأة على كامل حقوقها المساوية للرجل، وهو ما شوش في الذهن العام مضمون فكرة الحريات الفردية.

وفي قسم مراجعات الكتب، تضمن العدد مراجعة كتاب "هدم الثنائيات في الدراسات الأمنية: تحليل جندري للنساء في المواقع القتالية" لأييلت هارئيل-شاليف وشير دافنا-تيكواع، من إعداد مريم الهواري؛ والتي انتقدت فيها عدم تعرض المؤلفين لعنف الجيش الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.

آليات إنتاج التهميش

تضمن العدد دراسة بعنوان "شباب الأحياء الصفيحية في المغرب: التمييز والوصم واستراتيجيات المقاومة (دراسة حالة ’دوّار الصهد‘ بمدينة تمارة)" للباحث ياسين يسني. سعى فيها إلى إبراز صيرورات إنتاج الوصم المجالي في أحد الأحياء الفقيرة في المغرب. وتركز دراسته على الكيفية التي تُبنى بها الفروق المجالية بين "الحي الصفيحي" والأحياء الأخرى على المستوى الحضري، والصيرورة التي يصبح بفعلها وصم الحي الصفيحي قناعةً اجتماعية تربط شباب أحياء الصفيح بصورٍ نمطية قدحية، تضع حدودًا بين "نحن" (الشباب العاديون)، و"هم" (الشباب الصفيحيون)، بما يتمخض عن هذا الوصم من أشكال متعدّدة من التمييز الاجتماعي. وبما أنّ تمثيل الآخر يحتاج دائمًا إلى الغلبة والتفوق، اهتمت الورقة أيضًا بتحليل علاقات السلطة. وأخيرًا، تطرقت إلى أشكال المقاومة التي يتبنّاها شباب الأحياء الفقيرة لمواجهة التوصيم والتمييز السوسيو-مجاليَّين.

كذلك تناول أستاذ علم الاجتماع في معهد الدوحة للدراسات العليا نبيل خطاب "إنتاج الهامشية في سوق العمل البريطاني: دراسة لتقاطعات الهوية الدينية والإثنية" احتمالية حصول أفراد ينتمون إلى جماعات إثنية - دينية مختلفة في المملكة المتحدة على وظائف معتبرة (الوظائف الإدارية والتخصصية) على امتداد 12 سنة خلال الفترة 2002-2013، لإظهار كيف أن مستويات التهميش التفاضلية في سوق العمل في المملكة المتحدة ترتبط بقوة بعمليات إعادة الموضعة العرقية Racialization؛ أي إن إنتاج الهامشية يجري على أرضية التمييز استنادًا إلى تقاطعات الهوية الدينية والإثنية في بريطانيا.

قضايا اقتصادية

اُختتِم قسم الدراسات بدراسة للباحثة بشرى جعوني بعنوان "العطالة الطويلة الأمد بوصفها بناءً معياريًا: أشكال وآليات مقاومتها (مقاربة سوسيولوجية لحالة مدينة مكناس)". توخت فيها الكشف عن ثلاثة مستويات أساسية. ناقش أولها كيف تكون العطالة الطويلة الأمد بناءً معياريًا ينتجه المجتمع، ثم يبرز الثاني عدة أشكال لمقاومتها، وبعد ذلك يلخص الثالث آليات تُساهم في تحقيق هذه المقاومة؛ وهي آليات ينتجها الفاعلون أنفسهم وكذلك روابط اجتماعية. وتستند مضامين هذا العمل إلى نتائج بحث ميداني أُنْجِزَ في سنة 2019 حول خريجين عاطلين عن الشغل مدة طويلة في مدينة مكناس. وتكمن أهمية هذه المقاربة السوسيولوجية في بعدها التشخيصي للمعايير القانونية والاجتماعية المُحدِّدة لأقدمية العطالة، وفي تحليلها تصورات الفاعلين حول وضعيتهم وفهم تجاربهم المعيشة، فضلًا عن توظيفها التكامل بين المنهجيتين الكليانية والفردانية لدراسة هذا الموضوع.

وفي باب مراجعات الكتب، اشتمل العدد على مراجعة كتاب "رأس المال والأيديولوجيا" لتوماس بيكيتي، من إعداد عبد الحميد العبيدي. يبحث الكتاب، في 1198 صفحة، مسألة اللامساواة وكيف تسعى المجتمعات البشرية إلى تبريرها عبر التاريخ، ببناء منظومات أيديولوجية؛ لأنه في غياب ذلك التبرير يصبح كل النظام الاجتماعي والسياسي مهدّدًا بالانهيار.

السوسيولوجيا الانعكاسية

اشتمل العدد كذلك على دراسة مترجمة بعنوان "المَوْضَعَة المشارِكة، أو: في موضعة الشروط الاجتماعية للموضعة" من تأليف بيار بورديو، ترجمها الحبيب درويش. يوضح فيها بورديو بعمق الفرق بين تفكيك البعد النرجسي في علاقة الذات العارفة بالموضوع، وتفكيك الشروط الاجتماعية المنتجة للذات المموضعة في حد ذاتها. وخلال ذلك، يحاجّ بورديو في هذا الموضوع خصومه الكُثر والمتنوعين، من رولان بارت إلى غيرتز إلى فيشر إلى روزالدو إلى من يُسمون ما بعد الحداثيين، إلى كثيرين غيرهم. وللأهمية الإبستيمولوجية التي تكتسيها هذه الورقة، ولأجل أن يكون لهذا الإسهام النظري الكبير حضور في صلب الإنتاج السوسيولوجي العربي على أوسع نطاق، استفادةً ونقدًا، تنشر دورية عمران ترجمة عربية دقيقة للنص – اعتمادًا على النسخة الفرنسية الأصلية - آملةً أن تكون قد أسدت إلى قرائها خدمة ثمينة في المجال.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.