بدون عنوان

في مقر "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ببيروت، واستكمالًا لسلسلة ندواتها في عنوان "لبنان بين الدستورين العثمانيين" (1867-1908)، عقدت "الجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية" يوم الأربعاء 18 نيسان/ أبريل الجاري ندوتها الثالثة حول "المجتمع والسكان في لبنان". وفي حضور جمع من الباحثين والمتابعين والأساتذة الجامعيين، قدم الدكتور خالد زيادة مدير المركز العربي في بيروت كل من المساهمين في مداخلتين حول الموضوع، الدكتورة سعاد سليم والدكتور إيلي الياس.

متصرفية جبل لبنان

هذه الثالثة في سلسلة ندوات للجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية​

جاءت مداخلة الياس تحت عنوان "ديموغرافيا المناطق اللبنانية قبل الحرب العالمية الأولى" استنادًا إلى إحصاءات "سالنامة" (الإحصاءات) العثمانية في كل متصرفية جبل لبنان، وولاية بيروت والأقضية الأربعة الملحقة بلبنان الكبير (1920). ولاحظ الياس أن عهد متصرفية جبل لبنان (1914-1860) كان "عهد استقرار، فتزايد عدد السكان في المتصرفية تزايدًا طفيفًا لا تتجاوز نسبته واحد في المئة، بينما كانت النسبة العالمية للتزايد السكاني في تلك الحقبة تبلغ 4 في المئة". وقال أيضًا إن الهجرة الداخلية (نحو بيروت) والخارجية (إلى الأميركيتين) كانت السبب في ضعف التزايد السكاني في متصرفية الجبل التي كانت الغالبية الساحقة من سكانها من "المسيحيين (81 في المئة) من أصل 379591 نسمة في العام 1888، بينما كانت نسبة المسلمين لا تتجاوز 19 في المئة". وهذا ما يتناسب مع إنشاء نظام المتصرفية "كضمانة أوروبية للوجود المسيحي في لبنان" بعد الحرب الأهلية الطائفية في الجبل ما بين الدروز والمسيحيين (1840-1860).

وفي إحصاءات العام 1906 ذكر إلياس أن "الموارنة شكلوا 64 في المئة من سكان المتصرفية، فيما شكل الروم الأرثوذكسي 13 في المئة يتوزعون في الكورة والمتن". وفي ذلك التاريخ "ظهر الأرمن والسريان واليهود في المتصرفية التي أتاح نظامها الأستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، فشهد جبل لبنان حراكًا اجتماعيًا ركيزته التعليم الإرسالي الذي انتشر واسعًا في البلدات والقرى".

نهضة بيروت

في ولاية بيروت، خصوصًا في مدينة بيروت، حصل بحسب معطيات إلياس "ارتفاع كبير في عدد السكان: من 39044 في العام 1901، إلى 62408 في العام 1908، أي بمعدل 3338 في كل عام. وذلك مع توسع حضور الجاليات الأجنبية والمسيحيين الوافدين من الجبل والأرمن. وقد شكل المسيحيون 59 في المئة من سكان المدينة، غالبيتهم من الروم الأرثوذكس والموارنة، فيما بلغت نسبة المسلمين 36 في المئة، قبل أن ترتفع إلى 47 في المئة عام 1908، فيما انخفضت نسبة المسيحيين، وخصوصًا الروم الأرثوذكس".

في هذه الحقبة رأى الباحث أن مدينة بيروت تصدرت في ازدهارها مدن الحوض الشرقي من الشاطئ المتوسطي، بسبب "توسيع مرفئها وازدهاره التجاري، وحضور التجار والقناصل الأوروبيين". لكن الحرب العالمية الأولى (1918-1914) "سرعان ما زرعت الدمار والفوضى والجوع" في عامة سائر المناطق اللبنانية، فتصاعدت الهجرة وغاب الاستقرار السابق.

نهضة المجتمع المدني

المتحدثون في الندوةالنص الخاص بالصورة​

قدمت الدكتورة سعاد سليم مداخلتها عن أحوال المجتمع المدني في حقبة ما بين إعلان الدستوريين العثمانيين، فعرضت لنشوء "المنتديات والجمعيات الخيرية والرعوية، وخصوصًا في الوسط الأرثوذكسي البيروتي"، واستندت في كلامها عن نشوء جمعيات المجتمع المدني في تلك الحقبة على دراسة للباحث المصري المعروف الدكتور سعد الدين إبراهيم، فيما فضل بعض المشاركين في الندوة استعمال مصطلح "جمعيات المجتمع الأهلي أو الجماعات الأهلية"، على اعتبار أن مصطلح المجتمع المدني حديث الظهور، ووفد إلينا حديثًا من أوروبا.

وحدّدت الدكتورة سليم تاريخ بدء نشاطات الجمعيات بالتزامن مع تعيين مدحت باشا واليًا على سوريا (1878-1889) فهو بحسبها من "شجع إنشاء الجمعيات ودعم جهودها المحلية". وعلى صعيد العمل الكنسي، ذكرت أن "العلمانيين اقتحموا إدارة شؤون الكنيسة الأرثوذكسية في لبنان، وشاركوا الإكليروس في ذلك". وفي هذا الإطار تأسست "الجمعيات الخيرية العائلية والرعوية التي أخذت تدير شؤون المدارس، وخصوصًا في بيروت". ثم تأسست "المجالس المليّة المحلية لإدارة شؤون الأبرشيات والأوقاف ومحاكم الأحوال الشخصية". في بيروت العام 1880، أنشئت مجموعة من الجمعيات التي "تؤمن الخدمات التربوية والدينية والخيرية والصحية. ثم أخذت تتغير أحوال المدن، فنشأت الفنون الجديدة والمسارح".

وركزت سليم في مداخلتها على "تقبّل المجتمعات المحلية مبادئ الماسونية وجمعياتها ومحافلها التي ازدهرت في بيروت حاملة وناشرة أفكار الثورة الفرنسية في الشرق". وقد انضم إلى هذه الجمعيات الماسونية "مسيحيون ومسلمون، فيما كانت النخب العثمانية على وجه العموم تنتسب إلى هذه الجمعيات". وفي هذا السياق أشار أحد الحاضرين إلى أهمية الجمعيات الماسونية التي لا يزال تاريخها ونشاطها غامضًا في تلك الحقبة، ونوّه بصدور كتاب جديد عنها عن معهد غوتة الألماني في بيروت.

وفي ختام مداخلتها لاحظت سليم أن نشاط الجمعيات الرعوية والخيرية والمجالس المليّة في تلك الحقبة، "أطلق بقوة المجتمع والاجتماع الطائفيين في لبنان".