بدون عنوان

حيدر سعيد الباحث في المركز العربي (من المساهمين في الكتاب)
حيدر سعيد الباحث في المركز العربي (من المساهمين في الكتاب)
الباحث حارث حسن متحدثا عن الكتاب
الباحث حارث حسن متحدثا عن الكتاب
من الندوة التي ناقشت كتاب
من الندوة

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالتنسيق مع اتحاد الناشرين العراقيين (الجهة المنظّمة لمعرض بغداد الدولي للكتاب)، ندوة نقاشية عن كتاب تنظيم الدولة المكنّى داعش، ضمن البرنامج الثقافي للمعرض، وهو الكتاب، الذي أصدره المركز قبل أشهر، في جزأين؛ الجزء الأول ألّفه المفكّر العربي عزمي بشارة، المدير العام للمركز، وجاء بعنوان فرعي إطار عام ومساهمة نقدية في فهم الظاهرة، والجزء الثاني أشرف عليه بشارة، وضم ثمانية فصول، كتبها عدد من باحثي المركز، وجاء بعنوان فرعي التشكل والخطاب والممارسة. 

أدار الندوة وأسهم فيها حيدر سعيد، الباحث في المركز، وهو من الذين شاركوا في الكتاب، كما شارك فيها حارث حسن، الباحث في جامعة وسط أوروبا، وعلي طاهر الحمود، أستاذ علم الاجتماع السياسي في كلية الآداب بجامعة بغداد.

قدّم حيدر سعيد عرضًا ملخصًا للكتاب، أوضح فيه منطلقات المشروع، وسعي المركز لتقديم إسهام عربي جدّي لفهم ظاهرة داعش، في سياق مئات الكتب التي أُلّفت عن الموضوع بسائر اللغات، والتي سيطر على فهم داعش فيها ما تتطلبه المعركة، أي المعرفة اللازمة لهزيمته، وليس تحليله بوصفه ظاهرة مرتبطة بنسيج سوسيولوجي وثقافي وسياسي متكامل. ولذلك، كان الجزء الأول من الكتاب، أشبه بمقدمة نظرية، ترسم الإشكالات المنهجية التي تواجه دراسة ظاهرة داعش، ومنها أنه ظاهرة مركّبة، تقتضي من ثَمّ منهجية مركّبة في دراستها. ومن هنا، أنجز بشارة مراجعة نقدية للأدبيات الكثيرة التي كُتبت عن داعش.

وأوضح سعيد أن الجزء الثاني من الكتاب تضمن دراسات تتناول موضوعات تفصيلية عن داعش، كمرجعياته والممهدات لظهوره، وتطوره ونموه، واختلاف نموذجه عن نموذج تنظيم "القاعدة"، ومدونته الفكرية والنصية، ووضعه في سياق التنافسات الإقليمية.

وبيّن سعيد أنه على الرغم من المصاعب الجمّة التي تواجه العملَ الميداني عن داعش، استند الكتاب إلى عدد غير قليل من الشهادات التي أفاد بها لباحثي المركز أشخاص عاشوا تجربة حكم داعش، فضلًا عن الأشخاص ذوي الصلة، سواء كانوا شيوخ عشائر، أو قيادات سابقة في داعش، أو مقاتلين في الفصائل المسلحة التي لم تندرج في إطار داعش ... إلخ.

ورأى الباحث حارث حسن، في مداخلته، أن الكتاب يمثل مقاربة منهجية جدية تجمع بين التوثيق الدقيق والمعالجة التحليلية الرصينة، مؤكدًا نجاحه في الموازنة بين المنهج الذي يركز على الأيديولوجيا والجذور الفكرية وبين ذلك الذي يشدد على السياق السوسيوسياسي، ومن ثم الموازنة بين داعش كظاهرة دينية وبينه بوصفه انعكاسًا لتحولات مجتمعية وسياسية، ناتجة أساسًا من إشكاليات العلاقة بين الدولة والمجتمع، ومن تفكك الدولة المركزية في العراق وسورية وبلدان أخرى.

وأشار حسن إلى ثيمات أساسية وردت في الكتاب، مثل التمييز بين الجهاد والجهادية، وبين داعش التنظيم وداعش الظاهرة، والعلاقة بين التنظيم والحداثة، مقترحًا إنضاج هذه الأطروحات بمقاربات مقارنة بمناطق أخرى في العالم، تنشط فيها جماعات ذات طابع جهادي (كالفلبين ونيجيريا)، والعمل على تكثيف البحث الميداني للوصول الى فهم أفضل للبعد السوسيولوجي لتنظيم داعش، وعلاقته بالتحولات المجتمعية الناتجة عن اختلال العلاقة بين المراكز والأطراف.

وركّز الباحث علي طاهر الحمود على إحدى الأطروحات التي تتخلل الكتاب، وهي أن ظهور داعش مرتبط بأزمة الدولة القومية في المشرق العربي، إلا أن داعش ليس دولة بديلة، فالتنظيم لم يقر أو يعترف بما إن كان يعتزم إقامة دولة بالمعنى الحديث أو لا، فلفظة الدولة لم تكن سوى تعبير عن الرغبة في السيطرة والهيمنة على باقي التنظيمات الجهادية. 

وحاجج الحمود بأنه على الرغم من أن الكتاب لا يرى أن فكرة "الخلافة" هي أساس ظهور داعش، فإن ثمة إغراء شكلته هذه الصورة المتجددة في التاريخ الإسلامي المعاصر؛ إذ ظهرت هذه الفكرة دومًا بوصفها احتجاجًا على ضياع الدولة في أوقات مختلفة بعد انتهاء الخلافة العثمانية؛ فلقد عاشت دول المشرق العربي مدة الاستعمار والاحتلال، وفي النهاية ضياع الدولة، ما ساعد على استعادة يوتوبيا الخلاص المتمثلة بإقامة دولة إسلامية على نمط الخلافة، بحسب الباحث الذي أضاف أنه لا يمكن الفصل بين الخلافة بوصفها حلمًا قديمًا وتراثًا فكريًا وفقهيًا موجودًا، وبين السياقات الاجتماعية السياسية التي تؤدي غالبًا إلى استعادة هذا الحلم القديم، كما لا يمكن إغفال دور الوصم الاجتماعي، مثل "الحاضنة"، في ولادة السياق الذي أنتج داعش، وهي وصمات قد عمّقت حالة الاستقطاب الدافع إلى انضمام مزيد من أفراد المجتمع إلى هذا التنظيم.

وقد أعقب تقديم المداخلات الأساسية نقاش واسع بين الجمهور الكبير الذي حضر الندوة، في أفكار الكتاب وما يثيره من أسئلة منهجية ذات صلة بتنظيم داعش.