بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الثالث والأربعون (شتاء 2023) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية، الذي تضمّن دراسات متنوعة المواضيع، تتعلق بالتحليل الإحصائي في علم الاجتماع، والاحتباس الحراري، وحراك 22 فبراير 2019 في الجزائر، والتجربة المعيشية للنساء الفلسطينيات، إضافة إلى دراسة مترجمة عن المنظمات الممأسسة، وثلاث مراجعات كتب.

استُهِلّ العدد بدراسة لمحمد فاوبار وخالد الزغاري، بعنوان "التحليل الإحصائي في علم الاجتماع: المقاربة الوضعية الجديدة"، ترصدُ التطور المنهجي الحاصل في المعالجة الإحصائية للبيانات في علم الاجتماع المعاصر، وتبيّن مساهمات علماء الاجتماع الأميركيين، وخصوصًا بالارتكاز على بعض الأساليب الإحصائية المعتمدة لتحليل البيانات، وتقوم الدراسة على إشكالية رئيسة مفادها إبراز قيمة التحليل الإحصائي للبيانات في إطار المنهج الكمي وعلاقته بجودة المعطيات وصدقيتها والنتائج المتوصل إليها في أفق تحليل أدق للظواهر الاجتماعية وكشف المنطق الخفيّ لاشتغالها، ومن ثمّ، صوغ تركيبها الحجاجي والإثباتي، محاجّةً بأنّ فاعلية المنهج التحليلي لا تنحصر في توظيف العمل التقني (إدخال المعطيات وإخراج النتائج)، وتدبير كمي محض للمعطيات في علم الاجتماع، دونما رصد أبعادها الدالّة، إنما تتجلّى أساسًا عبر الخطوات المنهجية المعتمدة في عملية تجميع البيانات ومعالجتها وتحليلها، والتي تبلورت مع أعمال روّاد الوضعية الجديدة، واستمرت بعد ذلك في الكتابات المتعلقة بتحليل النماذج والبنيات الكامنة Latent Structures.

أما دراسة عمرو عثمان، بعنوان "في أنثروبولوجيا الاحتباس الحراري: المناخ وحقوق الإنسان والعمران البشري العالمي"، فتنطلق من طرح قدمته مواطنة كندية تنتمي إلى أحد الشعوب الأصلانية في كندا، مفاده أن الاحتباس الحراري الذي تتسبب فيه النشاطات الاقتصادية الحديثة كان له أثر مدمر في بيئة قومها الطبيعية ومن ثمّ منظومتها الثقافية؛ وهو ما يجعل لشعبها، في رأيها، حقًا في المطالبة بتنظيم كل ما شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التغيّر المناخي. وفي ذلك، ترى الدراسة أنّ هذا الربط بين قضية تغيّر المناخ وحقوق الإنسان جديد في نوعه، ويثير مجموعة من القضايا التي لا تتعلق بأبعاد سياسية واقتصادية وحتى ثقافية فحسب، بل قضايا أعمّ تتعلق بطبيعة حقوق الإنسان، بل بأسس العمران البشري العالمي نفسه وإمكاناته. تناقش الدراسة بعض تلك القضايا بغية إثراء الكتابات العربية الخاصة بحقوق الإنسان من جهة، واقتراح بعض الأفكار التي قد تساهم في التعامل مع بعض الأبعاد الإشكالية في خطاب حقوق الإنسان المعاصر وتطبيقاته.

وناقشت دراسة محمد حمشي وعبد النور بن عنتر، المعنونة بـ "حراك 22 فبراير 2019 وانتفاضات الربيع العربي: حدود سردية الاستثناء الجزائري؟"، حراك 22 فبراير 2019 في الجزائر من منظور عابر لثلاثة اختصاصات، هي: سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية، والسياسة المقارنة، والعلاقات الدولية، مقارنةً إياه بالموجة الأولى لانتفاضات الربيع العربي (2011)، وموظّفةً سردية "الاستثناء الجزائري" أداةً تحليليةً للمقارنة. وبذلك، تسعى الدراسة لفحص الحجج التي تعزز هذه السردية في خطوة أولى، ثم تفكيكها ومناقشة حدودها في خطوة ثانية؛ ما يسمح بفهم الخصوصية المحلية التي تميّز حراك 22 فبراير من غيره من الانتفاضات العربية، وإعادة وضعه في سياقه الإقليمي، بوصفه جزءًا من ظاهرة اجتماعية إقليمية لها ديناميات، وفي النتيجة آثار عابرة للأوطان.

يُختم باب "دراسات" في هذا العدد بدراسة لسهاد ظاهر-ناشف وعرين هواري بعنوان "التجربة المعيشية للنساء الفلسطينيات من المناطق المحتلة عام 1967 المتزوجات والمقيمات داخل ’الخط الأخضر‘"، التي تحاول سد الفجوة المتمثلة في قلة الدراسات التي خاضت في شمولية الحياة اليومية التي تعيشها النساء الفلسطينيات، خاصة حاملات الهُوية الفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة اللاتي تزوجن ويعشن داخل حدود إسرائيل من دون هوية أو وثائق إقامة دائمة. وبناء عليه، تسلط الدراسة الضوء على تجربة عيش أولئك النساء وهنّ منزوعات من أي حق مدني، في ظل نظام استعماري يفرض مواطنة مشروطة ومحدودة أصلًا على الفلسطينيين والفلسطينيات من حاملي الهُوية/ الجنسية الإسرائيلية، وفي ظل منظومة مجتمعية من بين سماتها الذكورية. وتستنتج الدراسة أن النساء، في حالة كون الزوجة غالبًا زوجةً وحيدة وزوجةً أولى، يجدن دعمًا معنويًا وماديًا من الأزواج، ومن عائلاتهم، ولكنهنّ يواجهن في الوقت ذاته صعوبات سياسية تحرمهن حقوقًا أساسية في الصحة والتعليم، وأخرى مجتمعية تكرّس شعورهن بالغربة، فيطوّرن في مقابل ذلك استراتيجيات مواجهة متعددة.

وفي باب "ترجمة"، تضمّن العدد ترجمة أسامة محمد لدراسة جون ولفرد ماير وبرايان روان "المنظمات الممأسسة: البنية الرسمية بوصفها أسطورةً وطقسًا"، التي تجادل بأنّ البنى الرسمية للعديد من المنظمات في المجتمع ما بعد الصناعي تعكس إلى حد بعيد أساطير بيئاتها المؤسسية بدلًا من متطلبات أنشطة عملها، وذلك من خلال تناول النظريات السائدة عن أصول البنى الرسمية والمشكلة الرئيسة التي تواجهها هذه النظريات، ومن ثمّ مناقشة الأساطير المضمَّنة في البيئة المؤسسية بوصفها مصدرًا بديلًا من البنى الرسمية. وتختم الدراسة بمناقشة فكرة مفادها أن المنظمات التي تعكس البيئات المُمأسسة تحافظ على الفجوات بين بناها الرسمية وأنشطة عملها المستمرة.

وأخيرًا اشتمل باب "مراجعات الكتب" على مراجعة جبريل علي لكتاب "دليل أكسفورد في علم اجتماع الشرق الأوسط" لأرماندو سيلفاتوري وساري حنفي وكيكو أوبوس (محررون)، ومراجعة محمود الذوادي لكتاب "مقدمة في نزع الاستعمار عن علم الاجتماع" لعلي مقجي، ومراجعة محمد عبد الرزاق حسين لكتاب "عن المثقف الإسلامي والأمراض العربية: تأملات في المحنة المعاصرة" لعبد الوهاب أحمد الأفندي.

جاءت لوحة غلاف العدد واللوحات ضمن صفحاته من أعمال الفنان التشكيلي السوري علاء شاشيط، التي تركّز على التجارب الإنسانية وارتباطاتها بمحيطها، من خلال دمج عناصر من التاريخ والطفولة والثقافات، بقصد التعبير عن الهوية والتشرّد.

* جميع محتويات أعداد دورية عمران مفتوحة ومتاحة للتنزيل المجاني في موقع الدورية.