العنوان هنا
تقييم حالة 07 يوليو ، 2011

مستقبل السودان: واقع التجزئة وفرص الحرب

الكلمات المفتاحية

أماني الطويل

باحثة وخبيرة في الشؤون السودانية بمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية". عضو "المجلس المصري للشؤون الأفريقية"، وعضو مجلس إدارة "مركز الدراسات السودانية بمعهد البحوث و الدراسات الأفريقية" في جامعة القاهرة . عملت استشاريا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان 2005- 2006، وأستاذا زائر بـ"مدرسة إليوت للشؤون الخارجية"، بـ"جامعة جورج واشنطن" في الولايات المتحدة الأميركية 2009 – 2010. إضافة لتدريس التاريخ السياسي للسودان وعدد من الدول الأفريقية في جامعة عين شمس 2004 - 2006. شاركت في تأليف التقرير الاستراتيجي العربي وتقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية الصادرين عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وهي مؤلف مشارك لـكتاب الأمن المائي والمتغيرات الإقليمية في حوض النيل، تحت الطبع مركز الأهرام . و مؤلف كتاب الدور السياسي للنخبة المصرية قبل ثورة يوليو عن دار الشروق المصرية 2007، و مؤلف مشارك ومحرر كتاب حالة المرأة في مصر دراسة في مستويات التمثيل بالمراكز القيادية الصادر عن مركز الأهرام للدراسات. ساهمت في تنظيم وعقد العديد من المؤتمرات وورش العمل العلمية كما شاركت أيضا في مؤتمرات وورش عمل المتعلقة بالتطورات السياسية في أفريقيا عموما والسودان خصوصا في مركز الأهرام وعدد من المراكز البحثية في مصر والسودان خصوصا والعالم العربي عموما إضافة لبعض الجامعات الأميركية .
وتكتب د . أماني الطويل مقالات في صحف مصرية مثل: الأهرام والمصري اليوم والشروق والوفد، والأخبار والأحداث السودانيتين والشرق القطرية وغيرها من الإصدارات الصحفية في الشؤون السودانية الأفريقية وقضايا التطور الديمقراطي في العالم العربي. كما تساهم في المتابعات التحليلية في الفضائيات المصرية والعربية . حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس في موضوع العلاقات المصرية السودانية.

تطرح تجزئة السودان المعلَنة رسميا في 9 تموز/ يوليو 2011 العديد من الأسئلة بشأن المستقبل ومدى مساهمة هذه التجزئة في صناعة الاستقرار أو إنتاج الحرب، وهو أمر يمسّ حيوات عشرات الملايين من البشر في السودان ومحيطه الإقليمي، كما ستكون لعملية التجزئة انعكاساتٌ على البيئة الجيوسياسية في منطقة شرق أفريقيا ووسطها.

تفرض محاولة الإجابة عن أسئلة المستقبل السوداني رؤية تنطوي على الاهتمام بثلاثة مسارات، أوّلها يتمحور حول العلاقات البينية بين دولتيْ شمال السودان و جنوبه وطبيعة العوامل المؤثّرة فيها، بينما يهتمّ المحوران الثاني والثالث بطبيعة التحدّيات الداخلية في كلّ دولة على حدة، وطبيعة التفاعل الداخلي معها، والمخرجات المتوقّعة لهذا التفاعل من حيث القدرة على تحقيق الاستقرار أو الانزلاق نحو الحرب.

تعاني العلاقات الشمالية الجنوبية منذ الاستقلال الوطني في السودان عام 1956 من تعقيدٍ وتركيب شائك مرتبطٍ بأبعادٍ استعمارية استغلّت التباين العرقي وبأبعادٍ وطنية مارست سلوكًا عنصريا إزاء الجنوبيّين على أساسٍ عرقي ثقافي، كما اعتمدت سياسات التنمية غير المتوازنة بين مختلف أطراف السودان، وكان من الطّبيعي في هذا السياق أن يكون البعد الخارجي مؤثّرًا في التفاعلات بين الأطراف الشمالية والجنوبية طوال الستّين عامًا الماضية. ويساعد فهمُ هذه الأبعاد في تأطير القضايا الخلافيّة الرّاهنة في عددٍ من النّقاط التي تلعب دورًا مركزيًّا في صياغة العلاقات الشمالية الجنوبية حيث أنّها تشكّل عوامل انفجار أساسيّة.


أ) إشكالية الحدود

تعتبر مسألة الحدود بين الدولتين إحدى أهمّ قضايا الجدل بينهما، وهي الممتدّة لنحو 1950 كيلومتراً ما بين خطّيْ عرض 9 و12 شمالاً، وفيها ثروات نفطيّة ومعدنيّة وحيوانيّة، وحركة بشريّة سكانية تحت مظلّةٍ عرقيّة منقسمة بين عربٍ وزنوج.

وطبقا لاتّفاقية السلام الشامل فقد تمّ اعتماد خطّ حدود الجنوب كما كان وقت الاستقلال في 1\1\1956، كما اعتمدت اتّفاقية أديس أبابا الخطّ نفسه في إطار المفاوضات التي عُقدت عام 1972 بين شمال السودان وجنوبه لإنهاء المرحلة الأولى من الحرب الأهليّة السودانية (1955-1972)[1]. وقد تجسّد هذا الخطّ الحدودي في قانون الحكم الإقليمي الجنوبي الذى اعتمده كخطٍّ للحدود الإدارية، ولكنه تحوّل إلى مشكلةٍ معقّدة مع التوسّع في التنقيب عن النفط في هذه المناطق والتحوّل إلى أنماط الزراعة الآليّة.

ونظرًا لأنّ البرلمان السوداني قد قام بتحديد الخطّ الحدودي الجنوبي دون أن يعتمد في ذلك على عمليات مسوح بين الولايات، أو امتلاك ملامح طبوغرافية للخرائط الحديثة نسبيًّا، فقد ترتّب على ذلك العديد من النزاعات مع البدء في عمليّة وضع العلامات الحدودية، وبدَا واضحًا تنامي حجم النزاعات في هذا الشأن على المستوييْن المحلّي والوطني[2]. وفيما يلي نرصد المناطق الحدودية السبْع المختلف عليها وهي:

  1. أبيي.
  2. التخوم بين قبيلتيْ دينكا ملوال والرزيقات بين ولاية جنوب دارفور وولاية شمال بحر الغزال.
  3. حقول النّفط في ولايتيْ الوحدة وجنوب كردفان.
  4. مناطق الزراعة الآليّة على امتداد ولايات النيل الأزرق وأعالي النّيل وجنوب كردفان.
  5. منطقة شال الفيل في ولاية النيل الأزرق.
  6. خطّ الحدود الشمالية لولاية أعالي النيل.
  7. منطقة حفرة النحاس وكفياكنجى في ولايتيْ جنوب دارفور وبحر الغزال[3].

وقد شكّلت قضية أبيي بالذات حجر عثرةٍ في اتّفاقية السلام الشامل المعقودة عام 2005 وهدّدت بانهيار المفاوضات، كما قد تكون بوّابةً لحربٍ أهليّة جديدة بين الشمال والجنوب في ضوء التفاعلات الراهنة التي لم تحسم الاتفاق على تبعية منطقة أبيي وما إذا كانت ضمن حدود دولة الشمال أم دولة الجنوب، وذلك على خلفيّة انتقال تبعيّة المنطقة ما بين ولايتيْ كردفان وبحر الغزال في فتراتٍ مختلفة من القرن العشرين. وقد تطلّبت هذه الحالة عقْد بروتوكول خاصّ بأبيي في إطار اتّفاقية نيفاشا انطوى على إجراء استفتاء للسكّان لتحديد مصير المنطقة وضمان نصيبٍ لها من النفط[4]. وكان مقرّرًا إجراءُ هذا الاستفتاء بالتزامن مع استفتاء تقرير مصير الجنوب في يناير 2011، إلاّ أنه لم يتسنّ تنفيذ هذا الاتفاق حتى الآن بسبب الاختلاف حول من يحقّ له تحديد تقرير مصير منطقة أبيي حيث ينكر السكّان من العرق الزنجي (قبائل الدينكا) على المسيرية (السكان العرب) هذا الحقّ انطلاقاً من رؤيتهم حول حدود أبيي وقاطنيها التاريخيين.

وفي هذا السياق، جرت العديد من محاولات ترسيم حدود أبيي من خلال عمليات سياسية وإجرائية أخفقت جميعها، كان من بينها اللجوء عام 2005 إلى لجنة خبراء بشأن ترسيم الحدود لكن الحكومة السودانية رفضتْ قرارات هذه اللّجنة واعتبرت أنّ اللجنة قد تجاوزت الاختصاص الموكول إليها*. وكانت الخطوة الثانية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي اعتمدت في تموز/ يوليو 2009 على حلٍّ توافقي يقسم أبيي بين الدينكا والمسيرية **، ولكن قبيلة المسيرية العربية رفضت ذلك الحكم محتجّة بأنه قد اقتطع نحو 50% من أراضيها ذات المياه والمراعي الكثيفة التي اعتادت العيش فيها منذ عقودٍ طويلة مدّة ثمانية أشهر من كلّ سنة. وتقف القبيلة حالياً بصلابةٍ ضدّ ترسيم تقسيم المنطقة حسب قرار محكمة لاهاي مهدّدة بالحرب[5].

وقد استمرّت التفاعلات بين الشّمال والجنوب مأزومة بشأن أبيي إلى حدّ التّصعيد العسكري ووقوع قتلى في اشتباكات واسعة أحيانًا ومحدودة أحيانًا أخرى، على أنّ التطوّر الأهمّ كان توظيف هذا الملفّ من جانب الخرطوم في إطار علاقتها بالمجتمع الدولي، فاجتاحت القوّات المسلّحة السودانية الشمالية منطقة أبيي في أيار/ مايو 2011، وتسبّب الاجتياح في فرار سكّان المدينة الذين تقدّرهم وسائل إعلام غربية بما يزيد على 100 ألف نسمة[6]. وقد جاء هذا الهجوم على خلفيّة محاولة من الحركة الشعبية لجنوب السودان تأمين وجودٍ عسكري للجيش الشّعبي بالمنطقة عن طريق تنكّر عناصره في زيّ الشرطة. وقد أعلنت الحكومة من الخرطوم أنّها لن تغادر أبيي إلاّ بعد حسم الموقف بشأنها في إطار تفاهم سياسي. وقد نجح هذا الفصل الجديد من فصول الصّراع حول أبيي في ضمان تفاعلٍ دولي في شأن تحريك مطلب إسقاط جزءٍ من الديون السودانية أو كلّها، كما نجح أيضًا في تحويل اتّجاهات الرّأي العام والنّخب السودانية من التطوّرات المتعلقة بالثورات العربية وآمال التحوّل الديمقراطي في السودان إلى تطوّرات أبيي التي هي وثيقة الصّلة بمستقبل الوطن. في هذا السياق، تحرّك مجلس الأمن الدولي بناءً على طلبٍ من طرفيْ الحكم في السودان ليصدر قراره رقم 1990 الذى يجيز نشر 4200 جندي أثيوبي إضافةً إلى 50 عنصرًا من الشرطة للفصل بين الجانبين السودانيّين المتنازعين في أبيي[7]، ويستمرّ هذا الوجود الأثيوبي بتفويضٍ من مجلس الأمن لفترة ستّة أشهر.


ب) النفط في معادلة الصراع

يتداخل الصراع على منطقة أبيي بين شمال السودان وجنوبه مع الصراع على الموارد النفطية، إذ أنّ إعلان دولة الجنوب الجديدة يعني فقدان الشمال 70% من احتياطات النفط ويفقد الموازنة الشمالية 45% من مواردها*** بينما سيشكّل النفط 98% من موارد موازنة حكومة جنوب السودان. في هذا السياق، شهدت العلاقات البينية بين الشمال والجنوب أزماتٍ متتاليةً طوال الفترة الانتقالية الممتدّة من 2005 إلى 2011، حيث اتّهم الجنوب الشمال بعدم تسليمه كافّة عوائده النفطية وكذلك عدم الشّفافية فيما يتعلّق بحجم الإنتاج الفعلي للنّفط. ويمكن القول إنّ هذه الاتّهامات التي لم تثبتها جهات مستقلّة كانت أحد مدخلات قرار الانفصال من جانب السكّان الجنوبيين[8]، خصوصًا وأنّ عملية اكتشاف النّفط في الجنوب على يد شركة شيفرون الأميركية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي كانت من الأسباب الرئيسة لتراجع شمال السودان في عهد الرئيس جعفر نميري عن اتّفاقية أديس أبابا للسلام المعقودة عام 1972.

وفي الوقت الراهن، تسعى حكومة الخرطوم إلى استمرار الاتّفاق الموقّع بشأن النفط في إطار اتّفاقية السلام، وهو الذى يقضي باقتسام العوائد النفطية استنادًا على أنّ مصافي النفط وأنابيبه أيْ البنى التحتية موجودة في الشمال بينما مناطق إنتاجه هي في الأراضي الجنوبية. وقد عبّر الرئيس البشير عن هذا الموقف صراحةً في 21 حزيران/ يونيو 2011[9]، كما تمارس الخرطوم على جوبا أنواعًا متعدّدة من الضغوط الاقتصادية لتصل إلى هذا الاتّفاق، ومن بين هذه الضّغوط التباطؤ في إمداد جوبا بالبنزين بما جعل أسعاره تفوق أحيانًا العشرة دولارات للتر الواحد[10].


ج) المناطق المهمّشة وإعادة إنتاج الحرب الأهلية

تشكّل ولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق مناطقَ حيوية على الصعيد الاستراتيجي لكلٍّ من دولتيْ الشمال والجنوب، فهي مناطق التماس بينهما، ويتمركز فيها الجيش الشعبي على خلفية تحالفاتٍ سياسية بيْن الحركة الشعبية ورموز سياسية من هذه المناطق حاربت حكومة الشمال تحت مظلّة الحركة الشعبية منذ عام 1983 استنادًا إلى ما يقولون إنّه قواسم عرقيّة مع جنوب السودان، وهؤلاء هم شعبُ جبال النوبة ومن أبرز رموزه السياسيّين الراحل يوسف كوة والمرشّح المهزوم في انتخابات ولاية جنوب كردفان عبد العزيز الحلو.

وقد رتبت اتّفاقية نيفاشا أوضاع الولايتين طبقًا لصياغاتٍ غامضة نسبيًّا وتفتح أبوابا للتأويل والتفسير حسب طبيعة مصالح الأطراف التي تقوم بهذه العملية. وقد اعتمدت الاتّفاقية مبدأ المشورة الشعبية الذى تمارسه المجالس التشريعية والتي تمّ تأليفها بحلول السّنة الرابعة من الفترة الانتقالية، كما يتمّ إنشاء لجنة مستقلّة تكون من صلاحياتها مخاطبة الحكومة القومية بشأن تقييم تنفيذ اتّفاقية السلام الشامل[11].

وطبقًا لهذه المهام المنصوص عليها، يحتلّ منصب والي الولاية وزنًا مهمًّا في عملية إدارة العلاقة السياسيّة مع المركز أيْ الخرطوم، كما أنه من الممكن أن يلعب أدورًا حيوية لحكومة جنوب السودان في ضوء الصّراع الراهن مع الشّمال. وطبقًا لهذا الواقع جرتْ التفاعلات بشأن انتخابات والي جنوب كردفان والتي جرت في الأسبوع الأوّل من أيار/ مايو 2011، وتأخّر إعلان نتائجها لمدّة يوم، واتّهمت الحركة الشعبيّة خصمها اللّدود المؤتمر الوطني بترتيب عمليّاتٍ واسعة من التزوير بالتعاون مع مفوّضية الانتخابات لصالح مرشّحها أحمد هارون ضدّ مرشّح الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو[12].

 وقد تزامن الجدل الذي ثار حول العمليّة الانتخابية مع ضرورة تنفيذ الترتيبات الأمنيّة المنصوص عليها في اتّفاقية السّلام في الولايتين بعد أنْ تقرر قيام دولة الجنوب المستقلّة، بما يعني إعادة قوّات الجيش الشّعبي إلى داخل حدود الجنوب أسوةً بما تمّ من جانب القوّات المسلّحة القوميّة التي انسحبتْ من الجنوب. وفي هذا السّياق، تقول الخرطوم إنّ جوبا قد تحايلتْ على تنفيذ هذا البند باستمرار وجود عناصر الجيش الشعبي في أبيي، كما أنّ العناصر المسلّحة في نطاق هذا الجيش من نوبى الجبال رفضوا تسليم أسلحتهم إلى الحكومة في ولاية جنوب كردفان، كما رفض مالك عقار والي ولاية النيل الأزرق انسحاب الجيش الشعبي من ولايته[13] على الرغم من تبعيّة الولايتين لشمال السودان.

وكان الموقف الحكومي إزاء هذا الوضع اللجوء للتدخّل العسكري في ولاية جنوب كردفان في مطلع حزيران/ يونيو 2011. وكان من نتائجه أنْ انضمّ منتسبو الجيش الشمالي من عناصر جبال النوبة إلى المتمرّدين على سلطة الشمال. وأعلن عبد العزيز الحلو، المهزوم في انتخابات كردفان، قيادة تمرّد مسلّح ضدّ الحكومة لإسقاط النظام السياسي في الخرطوم، في تطوّر خطر من شأنه أنْ يعيد السودان إلى مربّع الحرب الأهليّة. وقد نشأ عن هذه الحالة مستويان للصّراع، الأوّل بين الحكومة السودانيّة والحركة الشعبيّة التي يقود حربها بالوكالة عبد العزيز الحلو ردًّا على هزيمته في الانتخابات؛ أمّا المستوى الثاني فهو ما بين الحركة الشعبيّة ونوبة الجبال في ولاية جنوب كردفان، حيث اعتقلت الحركة مرشّحًا عن هؤلاء في الانتخابات (تلفون كوكو)[14] وهي متّهمة (الحركة الشعبية) من جانبهم بخيانتهم في إطار اتفاقية السلام مع الشمال والتخلّي عنهم بعد أنْ قدّموا عشرات الآلاف من الضّحايا في أتون حربِ الحركة مع الخرطوم طوال ثلاثة عقود. كما قامت الحركة بإعدام بعض عناصر نوبة الجبال في عمليات انتهاكٍ لحقوق الإنسان. ولم يضمن نوبة الجبال في الأخير ثمنًا سياسيًّا لنضالهم في إطار اتّفاقية السلام[15].

وتقوم احتمالات اندلاع الحرب الأهليّة انطلاقًا من جنوب كردفان هذه المرّة على حالة الانفلات في ما يطلق عليه "المناطق الثلاث المهمّشة" (أبيي وولايتا كردفان والنيل الأزرق)، وهي الحالة الناتجة من تقاطعات المصالح بين طرفيْ الحكم في الشمال والجنوب والانقسامات العرقيّة والقبلية، وتتجلّى هذه المصالح المتقاطعة في عمليّة صراع معقّدة على الموارد الطبيعيّة، وحروب بالوكالة تنشأ نتيجة التفاعل بين العامليْن السابقين، خصوصًا في ضوء الاتّفاق الإطاري الذي تمّ توقيعه بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية في أديس أبابا في شأن إدارة العمليّة السياسية في ولايتيْ جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث من المتوقّع أن يُنتج هذا الاتّفاق انقسامًا شماليًّا في إطار حزب المؤتمر الوطني الحاكم نتيجة لقبول الحزب بتفعيل الحركة الشعبية سياسيًّا في الشمال في ما يُعرف بقطاع الشمال فيها. ومن شأن هذا التطوّر أن يُنتج تأثيرًا مهمًّا في المعادلات السياسية بشمال السودان[16]، في حين يعتبر والي ولاية النيل الأزرق هذا الانقسام بديلاً عن الحرب.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا الانفلات والوضع المأزوم في السودان تتوازى وتتقاطع معه مصالح دولية تدفع في اتجاه إنهاك الطرفيْن الشمالي والجنوبي سعيًا وراء الموارد الطبيعية والإمكانات الهائلة للزراعة في الجنوب، خصوصًا للوقود الحيوي من جانب الشركات الأميركية، حيث كشفت صحيفة التايمز اللندنية وجود صفقة سريّة بِيع بموجبها ما يقارب 9% من أراضي الدولة التي لم تستقلّ بعد بسعر 4 سنت لكلّ كيلومتر مربّع[17].


[1] الفريق محمد زين العابدين محمد، "أبيي بأقلام المؤرخين، صراعات عسكرية ممتدة"،http://www.sudanile.com
/2008-05-19-17-39-36/231-2009-06-06-18-00-21/
18874-2010-09-21-19-10-00.html

[2] دوغلاس جونسون، "أثر إقامة الحدود على المحاور "، معهد الأخدود العظيم، ص ص 7-10، www.sudanarchive.net

[3] المصدر نفسه، ص 26

[4] نص بروتوكول أبيي، 2004، الفقرات 1\1\-2\1- 4،5\1، النسخة العربية من الاتفاقية، ص 73.
*صحيفة الصحافة السودانية، 22\7\2005.
** صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=528543&issueno=11194

[5] د. الطيب زين العابدين، "تداعيات ومخاطر انفصال جنوب السودان"، http://www.tawtheegonline.com/vb/showthread.php?t=13527

[6] -http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast
/2011/06/110620_sudan_war.shtml

[7] S/RES/1990، 29\6\2011
*** جريدة الأخبار السودانية، حوار مع وزير البترول السوداني، 10\9\2010

[8] - في زيارة لجوبا في يونيو 2006، كانت اللافتات المواجهة للمطار تقول "الأرض لنا، البترول لنا، الحرية لنا" (ويسترعي ترتيب العبارات هنا الانتباه).

[9] http://www.albawaba.com/ar/%D8%
A7%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-%D8%AA%D8%AD%D8%AA

[10] شهادة زائرين إلى جوبا في الفترة ما بين أيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2011.

[11] اتفاقية السلام الشامل، مصدر سابق،فقرة 3\3، 3\4ص80

[12] http://www.aljazeera.net/NR/exeres
/90E622C8-0254-43CF-AD83-D8B016C67168.htm

[13] مالك عقار، تصريحات جماهيرية، 6\7\2011، جريدة الصحافة السودانية ' 27\4\2011

[14] مصطفى البطل، نوبة الجبال نضال السخرة والموت بالمجان، http://www.sudaneseonline.com/arabic/permalink/5704.html?print

[15] مصطفى البطل، مرجع سبق ذكره.

[16] "كواليس اتفاق نافع وعقار"، جريدة السوداني السودانية 29\6\2011، http://www.alsudani.sd/index.php/news
/3-flash-news/3883-2011-06-29-11-41-19.html

[17] Javier Blas and William Wallis, Financial Times, 9 Jan 2009