العنوان هنا
تقييم حالة 13 أكتوبر ، 2020

أزمة سد النهضة: ما الذي يعرقل المسار التفاوضي؟

عبده موسى

باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تتركز اهتماماته البحثية في قضايا حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي في مصر والمنطقة العربية.

يتصاعد الخلاف بين مصر وإثيوبيا بخصوص سد النهضة إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين دول حوض النيل، وبما يُخشى معه أن ينتقل من مستوى أزمة اعتيادية إلى مستوى نزاعٍ عسكري يعيد مجددًا عدم الاستقرار إلى شرق أفريقيا.

ولعل أبرز ما كشفته هذه الأزمة هو تحلل النسق التقليدي لإدارة المياه بين بلدان حوض النيل، واتساع الهوة بين مصالح دول المنابع التسع وبلدَي المصب مصر والسودان. إن غياب مرجعية تفاوضية حاسمة، وتباين الرؤى حول مصالح بلدان المنابع وبلدَي المصب، أسهما إلى جانب عوامل الاستقطاب الحاد في إذكاء الأزمة. والواضح أنه على الرغم مما بُذل من جهود بين أطراف الأزمة الثلاثة منذ بدء المفاوضات الرسمية بشأن السد في 2013، ومحاولات للوساطة على المستوى الإقليمي، وما أضيف من وساطة دولية، فإن هذه الجهود جميعًا لم تصل بالأزمة إلى تسوية.

العلاقات المائية في حوض النيل من التوافق إلى تباين المصالح

تكشف أزمة سد النهضة عن حالة استثناء؛ فهي – على عكس ما يميز الأزمات الدولية من عنصر المفاجأة – لها تاريخ يمتد خمسة عقود، آخرها العقد الراهن الحافل بجولات التفاوض، والذي يمكن ببساطة عنونته بـ "العقد الضائع". وعلى العكس مما تصنعه حالة التدفق الطبيعي للنهر من تلاحم بين بلدانه المتشاطئة، جاءت العلاقات المائية الحديثة في حوض النيل خليطًا من عناصر قسرية وأخرى تعاونية. ونجد جذرها الأول في عهد محمد علي باشا، والي مصر العثماني، الذي أولى الأمر اهتمامًا كبيرًا بإقامة نهضة زراعية في بلاده، تعزز طموحاته التوسعية. وكان من مقتضيات هذه النهضة إعادة بناء منظومة الري، بما يسمح باستصلاح الأراضي وإدخال محاصيل جديدة، تغذي الصناعات المستحدثة. لكن بدا منذئذ أن التحكم في نهر النيل بالقناطر والسدود غاية لا تدرك، إلا بمد يد السيطرة عليه من منابعه العليا. وانطلاقًا من هذه القناعة، أطلق محمد علي سلسلة من الحملات العسكرية باسم الكشوف الجغرافية لأعالي النيل، تسببت في صيغة غير متوازنة من العلاقات النهرية/ المائية بين بلدان الحوض، جمعت بين التعاون والصراع. وعبر هذا المدى الزمني الطويل، وقفت مصر في موقع المبادر إلى تشكيل جديد لهيدروليكية النهر، بتخطيط منها وتحكم استمر حتى الستينيات من القرن الماضي[1].

ويمكن إجمالًا القول إن عرفًا قد كُرِّس بمقتضى ذلك، التزمت فيه مصر - في مقابل ضمان حصولها على نسبة معتبرة من المنصرف من مياه النهر - بالتكفل بإقامة المنشآت التي تضبطه. وقد تُرجم ذلك عبر آليتين:

  • التأصيل لحقوق دولتَي المصب في المياه، وبما بات يعنون بـ "الحق التاريخي في مياه النيل". وإن كان هذا التعبير لا يفي بالمعنى؛ إذ لا يعتمد تأصيل هذه الحقوق على حجة التدفق الطبيعي للنهر صوب مصر عبر التاريخ فحسب، كما توحي العبارة، بل تأسس قانونًا من خلال إبرام سلسلة من الاتفاقيات والمعاهدات منذ بواكير القرن العشرين بين مصر وبلدان المنابع. صحيح أن أغلب هذه الاتفاقيات جاء في زمن الاستعمار، وتأثرت باختلال الوضعيات السياسية بين المستعمر الأوروبي المسيطر آنذاك والمستعمرات[2]. وبانقضاء زمن الاستعمار، ورغم بقاء بعض من الأثر الاستعماري في البنية الناظمة لتقاسم الحقوق المائية، تظل القواعد الراهنة وأسانيدها من معاهدات واتفاقيات تتمتع بالحجة القانونية، استنادًا إلى مبدأ وراثة الالتزامات الدولية[3]؛
  • أما المسار الثاني، والذي خفف كثيرًا من ظلال إرث الاستعمار، فهو مسار التنمية المشتركة. فعبر القرن العشرين، موّلت مصر عديد المشروعات ببلدان الحوض، وقدمت المعونة الفنية التي بقي أثرها الإنمائي في هذه البلدان، فعادلت الروح التعاونية الآثار الاستغلالية الموروثة[4].

لكن مع نهايات القرن العشرين، أصاب الضعف المسارين؛ فمن جهة وقع الانسحاب السريع وغير المبرر لمصر من علاقات التعاون مع دول الحوض، وضاع زخمها الذي بلغ ذروته في الستينيات من القرن الماضي، وبدا أن أسبابًا داخلية قد دفعت صوب خفض هذه العلاقات إلى حدودها الدنيا، وما بقي منها كان أغلبه موسميًا، يتصل بأوقات الأزمات. وكان من غير المستغرب أن انقلب مسار هذه العلاقات مع اقتراب القرن الجديد من الصيغة التعاونية إلى علاقة مأزومة بشدة.

ولم تفلح عبر أربعة عقود المبادرات التي ابتغت تشكيل أطر جماعية جديدة لإدارة النهر واستخدامه، ومنها مجموعة الأندوجو (الصداقة)، ومفوضية النيل؛ فقد ظلت مفتقرة إلى تحمس دول المنابع، إذ بدت قاصرة عن إجابة رغبات هذه الدول في استخدام النهر لغايات تراها ضرورية للتنمية. وفي غيبة إطار ناجز لحوكمة استخدامات المياه، وتأطير هذه العلاقات في منظومة مشتركة تُصلح النظام الراهن، انفتح السبيل لأسباب الشقاق، ومثالها البارز هو ما تطرحه اليوم أزمة سد النهضة.

إن تقصي ادعاءات الأطراف المختلفة التي أطلقتها عبر أحداث رسمت هذا المسار المأزوم ينتهي بنا إلى القول بوجود حزمتين مصلحيتين متمايزتين، يغلب عليهما التناقض، هما:

  • مصالح دول المنابع: فبلدان أعالي النيل اتجهت منذ تسعينيات القرن الماضي إلى الدعوة لتجاوز الأطر القانونية الراهنة، بطرح بديل منها، أو على الأقل إعادة تأويلها. وصدرت خطابًا بأن مصر ورثت علاقات مائية أنشأها الاستعمار، يَسِمُها الانحياز إلى بلدان المصب، وأن مصر بهذه الأطر تُكبل التنمية في بلدان المنابع. تصدرت هذا الرأي إثيوبيا، وعملت على خلق حالة اصطفاف إلى جانبها من بلدان المنابع الأخرى، ووصل الأمر ذروته مع توقيع الاتفاقية الإطارية (عنتيبي 2010)[5]، وتصاعد المطالبة بإعادة النظر في الاتفاقيات الراهنة. وعلى الرغم مما يبدو من ظاهر التوافق المصلحي، تبقى أوجه التباين في مواقف دول المنابع جلية؛ إذ إنها تختلف حول ما يجب القيام به عمليًا إزاء اعتراضات دولتَي المصب. وفي الإمكان في هذا الصدد الوقوف على وجهتي نظر: فهناك بلدان ترى ضرورة المواجهة الحادة مع دولتي المصب، وألّا يسمح لهما بأدنى تحكم في هذا المورد المائي، متحللًا من أي قيود تعاهدية تمنع دول المنابع من إقامة ما تراه من مشروعات للتنمية، حتى لو اشتمل ذلك على إنقاص من حصص دول المصب في المياه. بينما ترى مجموعة أخرى أن التعاون في إدارة النهر ضرورة لتلافي التوتر واستفحال الأزمة، وأنه في الإمكان التوفيق بين الأطر القانونية الراهنة، التي تعكس حاجات مصر والسودان ورغبتيهما في رسم ضمانات لوصول حصص محددة من المياه إليها، وبين الغايات التنموية التي تتوخاها دول المنابع؛ فإقامة مشروعات تنموية لا تقتضي بالضرورة أن يكون على حساب الحق العادل لبلدي المصب في المياه.
  • مصالح بلدي المصب: إزاء تصاعد وعي دول المنابع بقضية عدم تناسب أطر تقسيم المياه الراهنة وطموحاتها التنموية[6]، لم تبادر مصر إلى معالجة جذرية للأزمة المتصاعدة، ولم تقدم طروحات مقنعة تحقق معادلة رابح - رابح جديدة في علاقات دول الحوض، ولم ترَ ضرورة لبناء أطر جديدة تتجاوز مقولة الحقوق التاريخية التي يصمها أهل المنابع بأنها تساوي الحقوق الاستعمارية. وبلغت الأزمة مستوى غير مسبوق قبيل اتفاق عنتيبي في 2010؛ فقد تسارعت خطوات الأطراف المتنازعة لإثبات مواقفها في 2009، لمّا عرضت دول المنابع إطارًا جديدًا لتقاسم المياه، رفضه بلدَا المصب، ووصفه الجانب المصري بالمجحف لحقوقه التي ينعتها بالتاريخية. ولتلافي تصعيد الأزمة، عُقد في تموز/ يوليو 2009، اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول حوض النيل، بدأته دول المنابع التي تقودها إثيوبيا، بتهديد مفاده أن دول المنابع ستكون مضطرة إلى استبعاد دولتَي المصب، مصر والسودان، من أي اتفاقيات بخصوص نهر النيل، ما لم يصل ردٌّ واضح في غضون ستة أشهر. وبالتزامن، جرى شن حملة على مصر تدعي أنها تقف في وجه جهود التنمية في بلدان أعالي النيل.

حاولت مصر نفي تلك الادعاءات بإعلان التزامها بمبادئ حسن النية والمشاورة في إدارة أي خلافات تنشأ بين بلدان حوض النيل، وحددت موقفها بأنها تريد التزامًا صريحًا بمبدأ التشاور قبل إقامة أي منشآت مائية، وأن باعثها على هذا الطلب هو الحد من المؤثرات السلبية في مصالحها المائية، مع عدم ممانعتها من حيث المبدأ إقامة مشروعات، ما دامت لا تمس بالضرر حقوق بلدَي المصب المائية المعتبرة. واشترطت مصر والسودان للموافقة على التوقيع أن ينص الإطار المقترح على حقهما في رفض إقامة أي مشروعات على النيل، ما دامت ستضر بحصتيهما. وذهبت مصر إلى خطوة أبعد بتحذير البلدان التي أبدت رغبتها في دعم مشروعات على نهر النيل أو المساهمة فيها، بأن ما تقوم به يضر بالأمن القومي المصري. ظلت هذه الأجواء ترسم سياق تفجر أزمة سد النهضة في ربيع 2011.

سد النهضة: قمة جبل الجليد

يقدم مثال التفاوض حول سد النهضة دليلًا واضحًا على الطبيعة المركبة لهذه الأزمة التي تتخطى حدود النيل الأزرق، موضع السد، بل حدود حوض النيل نفسه. والحال أن ليست هناك ثقة بإمكانية وجود حل ثنائي، بينما يكاد يستحيل في ظل الوضع الراهن التوصل إلى إطار توافقي جماعي جديد، يجاوز هذا النمط من الاتفاقات الثنائية التي تكمن مشكلتها في أن طرفًا يعترف بها بينما تنكرها الأطراف الأخرى من بلدان الحوض[7].

رغم هذه المحدودية، يظل التوافق الثنائي بين مصر وإثيوبيا هو الأساس الواقعي الذي يمكن البناء عليه لتأسيس إطار مشترك لإدارة موارد المياه بحوض النيل؛ لكون مصر تعتمد في تحصيلها على حصتها المائية على النيل الأزرق على نحوٍ رئيس، وقد بات لسد النهضة من لحظة اكتمال إنشائه، والمتوقع في خلال عامين فقط، القول الفصل في أمر إيصال 85 في المئة من المياه التي ترد إلى السد العالي بمصر[8]. وباستقرار الأمر بين مصر وإثيوبيا سيكون من اليسير تقديم أطروحة حل جماعية.

ولفهم طبيعة المشكل في سد النهضة، نعود إلى فحص الدوافع المصلحية التي تدفع باستراتيجيات التفاوض التي ينتهجها الطرفان. ما تقوم به إثيوبيا يُعتبر، وفق التصور المصري، إنقاصًا من المصالح الحيوية المعنونة بضمان الحصة التاريخية والقانونية من المياه. في حين ترى إثيوبيا أن سدها الجديد لن يضر بمصالح دولتَي المصب، وأن الغاية منه لا تؤثر في وصول "حصص عادلة" لكليهما. ولعل السبب وراء ما نراه من تسيد تصور متناقض بين مصر وإثيوبيا، والذي استفحل لمستوى اللعبة الصفرية بعد قيام إثيوبيا بتعديل تصميم السد ليكون من بين الأضخم في العالم من حيث السعة التخزينية، هو الافتقار إلى مفهوم حقيقي يترجم معنى الاستخدام العادل والمنصف الذي تحفل به تصريحات الطرفين[9].

تشترط إثيوبيا ألّا يكبل إرادتها في بناء السد أي شكل قانوني ملزم بحصص بعينها، وترفض وضع شروط على ما تراه ضروريًا من مشروعات تعتزم بناءها على النيل الأزرق ونهر عطبرة. وتدفع بأنها ليست طرفًا في المعاهدات التي تسمي حصص المياه، أي معاهدة 1959. وعلى النقيض، تقف مصر، دافعة بأن عنصر الندرة المائية يجب أن يؤخذ في الحسبان لفهم الموقف المصري؛ فالتأثر الشديد باختلال التدفقات المنصرفة من المنابع صوب مصر هو ما يجعلها تتشدد إزاء أي خروج عن هذه القاعدة التي تحكمها اتفاقيات دولية، فضلًا عن العرف الدولي لإدارة الأنهار المشتركة. ومنذ البداية ظلت مصر تدين غيبة التوافق حول إنشاء مشروع كسد النهضة، من شأنه أن يحجب تدفق الشريان المائي ولو نسبيًا عنها.

وهكذا رسمت المواقف التفاوضية "خط تماس"، تسميه بيانات أطراف التفاوض "القضايا الخلافية". وهي حزمة من المعضلات التفاوضية على الصعيدَين الفني والقانوني، ويمكن إجمالها اختصارًا في أربع حزم، هي: أ) خلافات ملء الخزان، والتي تشمل كيفية إدارة فترات الملء وإيجاد معيار لتحديد الكمية المحجوزة من المياه وتلك المنصرفة عبر السد نحو دولتَي المصب؛ ب) والخلاف حول قواعد التشغيل السنوي، وجدولة التدفقات، بالتنسيق مع السدود في بلدَي المصب، وفقًا للظروف الهيدرولوجية؛ ج) يتصل بهاتين بعد قانوني يخص اشتمال القرار على آلية لفض المنازعات التي قد تنشأ في مراحل الملء والتشغيل؛ د) هذا فضلًا عن الخلاف القانوني الأعمق حول المشروعات المستقبلية الإثيوبية على النيل الأزرق[10].

وحول الأداء التفاوضي، يمكن تلخيص استراتيجية إثيوبيا منذ انطلاق التفاوض رسميًا بينها وبين بلدَي المصب في 2013 بعنوان "التسويف" والسعي لشراء الوقت؛ تمهيدًا لفرض الأمر الواقع مع اكتمال بناء السد. أما استراتيجية مصر للتعامل مع الأزمة، فقد راوحت بين المساعي الحميدة، ومحاولة الوصول إلى تسوية مع إثيوبيا، قبل أن يصير وجود السد وتحكمه في مياه النيل الأزرق حقيقة واقعة، وبين تدويل الأزمة، واستدعاء أطراف مؤثرة للتدخل فيها، وصولًا إلى التلويح بإمكان اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية بصفتها ورقة ضغط، أو خيارًا أخيرًا لقطع الطريق على إثيوبيا قبل تحقيق غرضها.

الأمر مربك في حالة السودان؛ فصحيح أنه يتداخل في الأزمة بصفته طرفًا أصيلًا، بوصفه بلد مصب، لكن الملاحظ عبر جولات التفاوض في خلال السنوات السبع المنصرمة أنه ظل يحاول الموازنة بين مصر وإثيوبيا، انطلاقًا من تصور مختلف لمصالحه، وسعي للنأي عن التنازع الحاد بين البلدين مؤْثرًا ألّا يتحمل تبعات لا يراها ضرورية؛ فمصالح السودان تجعله يرى بعين أن للسد مخاطره التي لا بد من الحسم بشأنها، وبالعين الأخرى أن له منافع تنموية جليّة[11]. وجدير بالملاحظة في هذا الصدد ما نراه من أثر الخلاف السياسي بين مصر والسودان، عبر العقدين الماضيين، في قدرتهما على تبني موقف مشترك، بصفتهما بلدَي مصب تربطهما مصلحة مشتركة في هذه القضية[12].

ومن الضروري ههنا أن نشير إلى أثر الأزمات الداخلية في استدعاء الأزمة وتغذيتها، فقد رافق تصاعد الخلاف حول سد النهضة حقيقة هي أن السلطة في مصر وإثيوبيا والسودان ظهرت مستنزفة بأزماتها السياسية والتحديات التي كانت تعصف بوجودها. كان من آثار مأزق النظم أن غابت القدرة على المبادرة والقيام بخطوات جدية لحل الخلاف، وبدا من المصلحة تصدير مأزق النظام إلى الخارج، بترك أزمة سد النهضة تنحدر صوب المواجهة. والوضع يزداد سوءًا مع أمننة خطاب الأزمة ودفعه من جانب دوائر أمنية وعسكرية في البلدان الثلاثة، يهمها أن تجد بابًا لإلهاء الجماهير عن نقد فشلها في إدارة الأوضاع الداخلية، عبر خطاب التهديد الخارجي[13].

مسارات التفاوض: إشكاليات ومحدوديات

يجدر بنا تبيان مسارات التفاوض المختلفة، لفهم كيف تطورت المواقف، وفي هذا يمكن تحديد طاولات ثلاث للتفاوض حول سد النهضة منذ 2013 وحتى اليوم، وهي:

  • الطاولة الأولى هي طاولة الخرطوم، والتي عُقدت بمبادرة من السودان الذي دعا إلى جمع أطراف الأزمة بعد وصول المواجهة الإعلامية بينهما إلى ذروتها في 2013، وامتدت أعمالها حتى أواخر 2019. وصل هذا المسار ذروته بتوقيع إعلان للمبادئ بين الأطراف الثلاثة في الخرطوم في آذار/ مارس 2015، وخاضت من بعده الأطراف الثلاثة جولات انتهت جميعًا بالتعثر والانكسار على صخرة القضايا الخلافية.
  • الطاولة الثانية في واشنطن، ودفعت صوبها مصر لدى تيقنها من أن التفاوض الثلاثي قد هيمنت على مساره إثيوبيا ونجاحها في استراتيجية شراء الوقت. واستدعت مصر على وجه التحديد الوساطة الأميركية، معلنةً حسن النوايا، والاستعداد لقبول أي صيغ توافقية يقترحها الأميركيون، شريطة أن تكفل مقترحاتهم التوصل إلى حل. وبموافقه ودعم شخصي من الرئيس، دونالد ترامب، انفتح في أوائل 2020 مسار تفاوضي برعاية أميركية. وعلى الرغم من تقدمٍ بدا مبشرًا للمفاوضات التي أدارها وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوشن، بالتوصل إلى مقترح توافقي جرت بلورته بمشاركة البنك الدولي، فإن الطرف الإثيوبي قد قرر فجأة مغادرة المفاوضات، وعدم التوقيع[14]، بينما بادر الطرف المصري إلى التوقيع بالأحرف الأولى.
  • استعادة طاولة الخرطوم، إثر جولة واشنطن، أسفر الوضع عن موجة من الشد والجذب بين مصر وإثيوبيا، استدعت مساعيَ سودانية لتقريب المواقف، وكان الجديد أن توافقًا واضحًا بين الخرطوم والقاهرة بعد جولة واشنطن قد ترسخ، وأساسه الاقتناع بضرورة أن تُبنَى أي مفاوضات جديدة على ما سبق التوصل إليه في جولة واشنطن. فحِرصُ الإثيوبيين على الرجوع بالتفاوض إلى نقطة الصفر بات جليًّا. لكن بقي السودان على تحفظه على الضغط المصري لأجل تدويل التفاوض.
  • الطاولة الثالثة هي التفاوض برعاية الاتحاد الأفريقي مع مراقبة من مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وهي الطاولة التي انفتحت بعدما رفعت مصر شكواها إليه، وتصويرها الأزمة بـ "التهديد الوجودي". في ضوء الشكوى المصرية، وضع على عاتق المجلس التعامل مع ما فيها ضمن إطار "السلم والأمن في أفريقيا"[15]. رفضت إثيوبيا الخطوة المصرية، متهمة القاهرة بأنها تسعى لتحويل مجلس الأمن إلى "منتدى لتصفية الحسابات وممارسة الضغط الدبلوماسي"، وأنها بتجاوزها الآليات الإقليمية، تقدم الدليل على "انتفاء نيتها المساهمة في نجاح العملية الثلاثية"[16]. من جانبها، رأت مصر إمكان الاستجابة لطلب الاتحاد الأفريقي بتولي الوساطة. وأسفرت مشاورات مجلس الأمن عن قبول مقترح، سيريل رامافوزا، رئيس جمهورية جنوب أفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، باستضافة المفاوضات تحت شعار "حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية". خرج بيان مجلس الأمن داعمًا تدشين مساعٍ جديدة لأجل التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة برعاية الاتحاد الأفريقي، على أن يُعاد عرض الموقف في حينه على مجلس الأمن[17].

هل يملك الاتحاد الأفريقي حلولًا؟

إن تتبع دور الاتحاد الأفريقي يبين أنه كان حاضرًا، منذ لحظة انفجار الموقف في خلال ثورات الربيع العربي. وبطول المفاوضات الثلاثية التي استضافتها الخرطوم، بدا الاتحاد أقرب إلى مراقب منه إلى طرف تفاوضي أو وسيط. وحتى لدى توقيع اتفاق المبادئ في 2015، بقي حضور الاتحاد الأفريقي شرفيًا على نحوٍ بعيد. لكن من لحظة إجهاض المسار التفاوضي برعاية أميركية، ووصول الموضوع إلى مجلس الأمن، بات الوضع يضع الاتحاد الأفريقي في المواجهة.

والحال أن أزمة سد النهضة قد جاءت اختبارًا لقدرة الاتحاد الأفريقي على إظهار نفسه بصفته منظمة إقليمية فاعلة يمكنها حل مشكلات القارة. والأزمة في مضامينها نموذجية بالنسبة إلى عمل الاتحاد؛ إذ إنها نموذج لسلسلة من النزاعات المائية القائمة في القارة، وباتت الخشية كبيرة من أن تنحدر صوب المواجهة العسكرية، على نحوٍ يضع مجمل مناطق الأحواض المائية المشتركة في القارة ضمن حزام الاضطراب السياسي.

ومثال حوض النيل يعتبر الأبرز اليوم فيما يتعلق بإمكانية الانتقال سريعًا من الأزمة المحدودة إلى الأزمة الدولية واسعة النطاق. يضاف إلى ذلك كون الدول الكبرى ذات المصالح المؤثرة في أفريقيا هي ذاتها صاحبة مصلحة، تنحو إلى تغليب رؤى دول المنابع ومصالحها في الاستئثار بالمورد المائي على ما تريده دول المصبات. والمثال الأبرز ههنا تقدمه الولايات المتحدة والصين[18].

تبدو الآليات الأفريقية غير قادرة على الدفع بالموقف إلى الأمام، فلم نرَ على سبيل المثال تدخلًا من المفوضية الأفريقية، ولم تقم المؤسسات الفنية التابعة للاتحاد بدور يضارع الدور الذي قامت به المؤسسات الاستشارية التي أنيط بها فحص الجوانب الفنية للسد في 2015-2016، ولا قدمت خبرة تضارع ما قدمه الأميركيون والبنك الدولي في مسار واشنطن. وبقي الغطاء التفاوضي الأفريقي يخبئ الصيغة نفسها التي عملت بها المفاوضات الثلاثية (طاولة الخرطوم). وكان طبيعيًا في ضوء ضعف دور الخبراء، وغياب أوراق وساطة فاعلة بيد الاتحاد الأفريقي (تقوم بالإغواء والضغط)، أن يؤول التفاوض إلى طريق مسدود، وتكرار مصر وإثيوبيا الادعاءات والاستراتيجيات والمواقف نفسها.

آفاق للحل

نتبين مما سبق كيف أن تمسّك أطراف النزاع بحجج السيادة التقليدية، في ظل تفاوت تفسيراتها للأطر القانونية الراهنة لتوزيع المياه بحوض النيل، قد دفعت جميعًا بالأزمة إلى هذه الذروة. ورغم محاولة التوافق على جملة من المبادئ في 2015 لتأطير التفاوض، بقي جزء من الصعوبة كامنًا في غياب مبادئ حاسمة، وتصور مشترك لمفهوم "العدالة المائية". وأسهم في فرض الجمود على المواقف التفاوضية عدم وجود قوة موازنة (دولية أو أفريقية) تقنع أطراف الأزمة بخفض حمولة ادعاءات السيادة لصالح التوافق على مبادئ مشتركة. بعض من الإشكال يتصل بمرجعية التفاوض وعدم اعتماد البلدان المتنازعة على اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية الصادرة في 1997. لكن تظل هناك مبادئ مستلهمة من هذه الاتفاقية وما قبلها من أطر قانونية، ينبغي الدفع بها لتأطير العملية التفاوضية ومنع هذا التفاوت الحاد في تصور الصيغة الاتفاقية المقبولة[19].

ولتأسيس مفهوم عدالة الاستخدام يجب اعتماد معادلة لحساب الموارد المائية لعموم الحوض؛ فالحال أن الندرة تحوط بالموارد المائية في بلدي المصب، وبالخصوص في مصر التي تقع في فئة الحرمان المائي، وأي حساب لتقاسم المياه على نحو عادل يجب ألّا يتم وفق تقدير تصرفات المياه الجارية في النهر وحدها، بل الأوْلى تضمين مجمل مصادر الموارد المائية وعلى رأسها احتساب الأمطار التي تصيب أراضي الحوض، فضلًا عن الموارد الجوفية التي يمكن استغلالها. إن تبني الحساب الكلي لموارد المياه، بوصفه مدخلًا توافقيًا، يقلل من انعدام العدالة المائية، ويعزز الثقة والتعاون بين البلدان التي لا تتمتع بنسبة من الأمطار ذات قيمة تذكر، وتعتمد اعتمادًا كليًا على النهر وحده، كمصر، وبين البلدان التي بها وفرة مطرية، وليست في حاجة شديدة إلى النهر، بينما غاياتها من المشروعات هي توليد الطاقة الكهرومائية، أو الاستخدام الزراعي المحدود، أو ضبط النهر للحد من الفيضانات.

وأخيرًا، يظل للمدخل التنموي تأثيره المهم في إحداث التوازن وخلق مبادلة تحقق معادلة رابح – رابح مع بلدان المنابع، وهو أمر يجب أن تتوافق عليه مصر والسودان. إن أدوات التحفيز والدعم والتعاون الراهنة لم تعد تكفي لإغواء دول الحوض بالحفاظ على علاقاتها مع بلدَي المصب، وعدم الدخول معهما في أزمة.



[1] ثمة عرض لهذه الحملات قدمه أحد أعضاء البعثة المصرية في السودان في أوائل القرن العشرين، ويظهر علاقة الكشوف الجغرافية الأوروبية، وهدف اكتشاف الموارد المائية في حوض النيل، بكشوف محمد علي لأعالي النهر. ينظر: عبد الله حسين، السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2013).

[2] الإشارة ههنا على وجه الخصوص إلى معاهدة 1902، الموقعة بين منليك الثاني، إمبراطور إثيوبيا، والتاج البريطاني، وتنص صراحة على الامتناع عن إقامة أي مشروعات على النيل الأزرق وبحيرة تانا من دون موافقة حكومتَي مصر والسودان. تنكر إثيوبيا أي حجية لهذه الاتفاقية، بزعم أنها لم تصدق عليها. كما تنكر أي التزام من طرفها إزاء معاهدة 1902 بين بريطانيا ومصر (القائمتان آنذاك باحتلال السودان) ومعاهدة تقسيم مياه النيل في عام 1959 الموقّعة من السودان ومصر، في عقب استقلال السودان، التي حدّدت نصيب كل من الدولتين، حيث تذهب 55.5 مليار متر مكعب إلى مصر، و18.5 مليار متر مكعب إلى السودان، وقبلًا تنكر الاتفاق الموقع عام 1906 بين الدول الاستعمارية فرنسا وإيطاليا وبريطانيا بخصوص المنابع العليا الأخرى. عمومًا، ترفض إثيوبيا إيلاء المعاهدات التي لم تكن طرفًا فيها أي حجية، وتعتبر المعاهدات التي وقّعها الإمبراطور منليك لاغية، وهو موقف يضرب مبدأ وراثة الالتزامات الدولية عرض الحائط. بخصوص مبدأ وراثة الالتزامات الدولية وموقعه في القانون الدولي، ينظر: الحسين شكراني، "العدالة المائية من منظور القانون الدولي"، رؤى استراتيجية (أيلول/ سبتمبر 2013)، ص 74-113.

[3] يضاف إلى ذلك أنه وبغض النظر عن إرث الاستعمار، وطبيعة اختلالات القوى التي رسمت هذه الاتفاقات، فإن لها أبعادًا موضوعية، تترجم مطلب عدالة توزيع الموارد عابرة الحدود، بين دول الوفرة المائية (المنابع) ودول الندرة (المصب). وهو مفهوم معتبر في القانون الدولي للأنهار المشتركة.

[4] من المشروعات المائية في أعالي النيل التي مولتها مصر سدَّا أوين وآلبرت على بحيرة فيكتوريا وذلك لصالح أوغندا، افتتح الأول في 1954، وما زالت بعثة فنية مصرية تديره، ومن المشروعات عالية الكلفة مشروع قناة جونجلي بجنوب السودان، والتي توقف العمل بها بعد إنجاز معظمها بسبب ظروف الحرب، وقبل ذلك موّلت مصر خزانات سنار وجبل الأولياء بالسودان، بل إن أول السدود على النيل الأزرق، وهو سد بحيرة تانا، كان مقترحًا مصريًا.

[5]

مثّلت محاولات بعض بلدان المنابع لإقامة مشروعات مائية، من دون التشاور مع مصر، سببًا في توتر الموقف، وبلغ الأمر ذروته في نيسان/ أبريل 2010، بتوقيع إثيوبيا ورواندا وأوغندا وتنزانيا اتفاقًا إطاريًا جديدًا بعنوان براق هو "الاستخدام العادل لمياه نهر النيل". بشأن الاتفاق والاختلافات حوله، ينظر:

Meaad Salman, “The Nile Basin Cooperative Framework Agreement: A Peacefully Unfolding African Spring?” Water International, no. 38, vol. 1 (2013), pp. 17-29,

[6]

تجدر ههنا الإشارة إلى أن هذا الخطاب قد عززته عناصر خارجية عدة، من بينها إسرائيل ودول كبرى، وجرت إغواءات لدفع هذه الدول لاتخاذ موقف متشدد، والتعجيل بتصعيد أزمة المياه في شرق أفريقيا. للمزيد، ينظر:

 Shrouq Tariq, “The Politics of Water: Ethiopia, Egypt and Israel,” The Express Tribune, 9/7/2020, accessed on 5/10/2020, at: https://bit.ly/33LD8fI

[7] مثال رفض إثيوبيا اتفاقية 1959 لتقاسم المياه بين مصر والسودان صارخ في هذا المنحى. ويجدر ههنا أن نذكر أن الأزمة قد أبرزت جانبًا أوسع من الانقسام الدولي حول مبادئ إدارة الأنهار المشتركة، والصراع حول هذه المبادئ، الذي يقف وراء غياب آلية حوكمة ناجزة على المستوى الدولي لحسم مثل هذه الخلافات.

[8] Charles Gordon Smith et al, “Nile River,” Encyclopædia Britannica, 7/11/2019, accessed on 30/8/2020, at: https://www.britannica.com/place/Nile-River

[9]

زِيد الارتفاع عدة مرات، والارتفاع المعلن الآن لهذا السد هو 145 مترًا، بما يمنح القدرة على تخزين ما مقداره 74 مليار متر مكعب من المياه. وهناك سد مساعد، يصل إلى 45 مترًا، يعزز القدرة التخزينية لما فوق 80 مليار متر مكعب، والخشية أن يزاد ارتفاع السد المساعد إلى مستوى 80 مترًا، وبما يرفع الطاقة التخزينية لما يفوق 173 مليار متر مكعب من المياه. وهو ما يضع سد النهضة في هذه الحال ثانيًا على قائمة أضخم السدود في العالم بعد سد كاريبا الزامبي (سعته التخزينية 185 مليار متر مكعب). ضخامة التخزين تعني مباشرة إنقاصًا معتبرًا من حصة مصر قد يستمر أكثر من عقد. حول مخاطر السد، ينظر:

Walaa El-Nashara & Ahmed Elyamany, “Managing Risks of the Grand Ethiopian Renaissance Dam on Egypt,” Ain Shams Engineering Journal, vol. 9, no. 4 (December 2018), pp. 2383-2388.

[10] يجدر ههنا الإشارة إلى أن ثمة قضايا فرض الواقع تجاوزها، ولو مؤقتًا، منها الخلافات حول آثار السد، إذ اكتمل البناء بنسبة كبيرة، ولم يعد هناك سبيل لإجراء تعديلات حقيقية، من تلك التي طلبها بلدَا المصب في المراحل الأولى من المفاوضات.

[11] رغم الخشية السودانية من تأثير سد النهضة في سدَي سنار والروصيرص، والشكوك التي تنتابه حول عوامل السلامة الإنشائية في هذا السد، لا يخشى السودان كثيرًا على خفض حصته المائية، وهو الذي لا يستخدم غالبها، وتروح إلى مصر، ويأمل أن يؤدي سد النهضة للحد من ظاهرة الفيضان الصيفي التي تهدد مناطق الشرق والعاصمة الخرطوم كل عام، فضلًا عما يرومه من حصة من الكهرباء المولدة من السد. وقد جرت بالفعل محادثات بينه وبين إثيوبيا بخصوص المد بالكهرباء. ينظر: "وزير الطاقة المكلف: السودان مستفيد من قيام سد النهضة"، سونا، 12/7/2020، شوهد في 5/10/2020، في:https://suna-sd.net/ar/single?id=684800

[12] ينعكس الأمر بجلاء على التفاوض، وشكل العلاقات الحالي بين مصر والسودان يبدو في حدّ ذاته معيقًا لإمكانية التنسيق الفعال؛ إذ لم تُعزل العلاقات المائية عن التوترات بين نظامي الحكم في البلدين، وإرث من المشكلات بعضها افتعله تنافس الأنظمة وشخصنة العلاقات، وبعضها لخلافات عالقة حول الحدود ودعم المعارضة وغير ذلك.

[13] عبده موسى، "أزمة سدّ النهضة بين مصر وإثيوبيا: استعادة مسار التفاوض أم الانحدار نحو مواجهة؟"، تقييم حالة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 5/11/2019، شوهد في 2/9/2020، في: https://bit.ly/3jD2Jwr

[14] “Statement of Ethiopia on the Negotiations on the Grand Ethiopian Renaissance Dam,” Press Release, Ethiopia’s Embassy to the UK, 29/2/2020, accessed on 3/10/2020, at: https://bit.ly/34ROfmW

[15] "ننشر نص خطاب سامح شكري إلى رئيس مجلس الأمن بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي"، الأهرام، 20/6/2020، شوهد في 3/9/2020، في: http://gate.ahram.org.eg/News/2430001.aspx

[16] “Ethiopia’s statement at the UN Security Council on the Grand Ethiopian Renaissance Dam,” Ethiopia’s Embassy to the UK, 29/6/2020, accessed on 3/9/2020, at: https://bit.ly/3lzljqf

[17] "جهود الاتحاد الأفريقي لحل أزمة سد النهضة تحظى بدعم في مجلس الأمن"، فرانس 24، 30/6/2020، شوهد في 3/9/2020، في:https://bit.ly/3gZbhfl

[18]

للدولتين موقف معزز للتوجه الدولي لإعادة النظر في حجة الحقوق التاريخية لدول المصب، ومثالها قضية نهر كولورادو بين المكسيك والولايات المتحدة، وأنهار الهملايا، وخصوصًا براهمابوترا بين الصين والهند. حول الأخير، ينظر:

Jonathan Holslag, “Assessing the Sino-Indian Water Dispute,” Journal of International Affairs, vol. 64, no. 2 (2011), pp. 19–35.

[19]

أدمجت الاتفاقية جملة من المبادئ الأساسية التي تحكم التشارك في مياه الأنهار العابرة للحدود، وعلى رأسها مبدأ الاستخدام العادل والمنصف، الذي أقرته مادتها الخامسة. وهو القائل الذي يشدد على أهمية إقرار مفهوم الاستخدام العادل في ضوء إمكانية التوفيق بين الظروف المختلفة للاستخدام، ودرجة اعتماد الدول المتشاطئة في المورد النهري على المياه، وفي ضوء المعاهدات والاتفاقيات المعقودة. وقد سعت الاتفاقية لتجاوز فكرة تقسيم المياه كميًا أو نسبيًا لصالح مبدأ الاستخدام المنصف والمتعقل الذي يوازن مصالح الجميع. ولصيق هذا المبدأ مبدأ المسؤولية عن الإضرار بالغير، والامتناع عن إلحاق الضرر الجسيم، وهو مبدأ مستلهم من حكم لمحكمة العدل الدولية، ونصت المادة 21 على حظر تحويل مجرى النهر أو خفض منسوب جريانه. ويعزز من تلك المبادئ ما أقرته الاتفاقية من السيادة المتكافئة للدول المتشاطئة، مع أولوية التعاون والدعم المتبادل تحقيقًا لأفضل استخدام للنهر، هذا مع ضرورة التفاوض في حال التنازع وفق مبدأ حسن النوايا، والسعي للتوفيق بين الأطراف عبر الوساطة والمساعي الحميدة والتحكيم وصولًا إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. للمزيد حول الجدل بخصوص المرجعيات الدولية لحل النزاع حول سد النهضة، ينظر:

Tamer Meshel, “Swimming Against the Current: Revisiting the Principles of International Water Law in the Resolution of Fresh Water Disputes,” Harvard International Law Journal, vol. 61, no. 1 (Winter 2020), pp. 135-184, accessed on 3/10/2020, at: https://bit.ly/2FkiiLd