مقدمة
أثارت الضربتان العسكريتان المتبادلتان بين إسرائيل وحزب الله عددًا كثيرًا من الأسئلة بشأن دوافعها وضوابطها. فكِلَا الطرفين، مع اختلاف مصالح كلٍّ منهما، لا يعتزمان التخلي عن انخراطهما في سورية، إضافةً إلى وجود أسباب أخرى تدفعهما إلى اجتناب المواجهة في الوقت الراهن.
لقد أضحت المواجهة مع إسرائيل خارج مشاغل حزب الله وإيران منذ أن خبَت أصوات مدافع حرب 2006. ولم يحرك الحزب ساكنًا عند اغتيال قائده العسكري عماد مغنية عام 2008، وصارت تهديداته في حيِّز النسيان. فقد اجتنب أيّ مغامرة قد تؤثِّر في موقعه الراجح في السُلطة، وفي وظيفته الإقليمية الموسعة لمصلحة إستراتيجية إيرانية طَموحٍ ما فتئت تزداد انتشارًا، بعد اندلاع الثورات العربية عبر تأسيس ركائز طائفية في البلاد العربية، كلما سنحت لها الفرصة لاختراق جسمٍ وطني عربي؛ تمهيدًا لبسط هيمنتها وتوسيع نفوذها الإقليمي.
أمّا الحكومة الإسرائيلية، فقد عملت كلّ ما يلزم لاستمرار الحرب في سورية، والحؤول دون حُلم السوريين بالتحول الديمقراطي والخلاص من النظام الاستبداد، وسخَّرت نفوذها مع الغرب من أجل هذا الهدف. فتُرك السوريون وحدهم في مواجهة القوة الحربية الضاربة للنظام، والميليشيات الشيعية، وفي صدارتها قوات حزب الله. ولم "تبخل" روسيا، أيضًا، بدعم النظام وإسناده، مستغلةً ضُعفَ الإدارة الأميركية وترددها.
وفي هذا المناخ، جاءت الغارة الإسرائيلية على القنيطرة السورية التي استهدفت قافلةً تابعةً لحزب الله. ونجم عن هذه الغارة مقتل ستة من عناصر الحزب وقادته وضابط إيراني.
تقف هذه الورقة على هذه الضربة، وحدودها، وأهدافها، وتسعى لشرح أسباب الانتكاسة الطفيفة لحالة التهدئة التي استمرت أعوامًا ضدَّ حزب الله، وتُسلِّط الضوء على الضوابط التي تتحكم في ردَّات فِعل الطرفين: إيران وحزب الله من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، كما تُعنى بالسيناريوهات المحتملة التي قد تؤول إليها الأمور.