مقدمة
أثارت المكالمة الهاتفية التي أجرتها رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، مع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، في 2 كانون الأول/ ديسمبر 2016، بحجة تهنئته بنجاحه في الانتخابات الرئاسية، ردات فعل غاضبة من الصين التي تعدّ تايوان إقليمًا منشقًا عنها. وبناءً عليها، وما تبعها من تصريحات ترامب في 11 كانون الأول/ ديسمبر من أنه لا يعرف "لماذا ينبغي أن نكون ملتزمين بمبدأ صين واحدة إلا إذا توصلنا إلى صفقة مع الصين في قضايا أخرى، بما فيها التجارة"، يكون الرئيس الأميركي المنتخب قد أحدث قطعية مع عرف دبلوماسي أميركي، عمره قرابة أربعين عامًا، منذ أن سحبت الولايات المتحدة عام 1979 اعترافها بـ "جمهورية الصين"، أي تايوان، لمصلحة الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية.
ولم يثر هذا التطور، قلق الصين فحسب، خصوصًا أنها تأتي في سياق تصريحات معادية يطلقها ترامب ضد الصين منذ أشهر طويلة، بل إنها أثارت، كذلك، قلق المؤسسات الرسمية الأميركية، بما فيها البيت الأبيض، تحت إدارة باراك أوباما، ووزارة الخارجية. أضف إلى ذلك أنّ عددًا من الخبراء والمختصين يخشون أن يكون ترامب يعبث بثوابت إستراتيجية أميركية شديدة الحساسية من دون خبرة كافية، بما قد يؤثر سلبيًا في الأمن القومي الأميركي، ويمس بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، خصوصًا في شرق آسيا وغربها. وفي المقابل، فإن ثمة من يدافع عن "النهج" الجديد الذي يرسيه ترامب في العلاقات الأميركية - الصينية، لأن ذلك سيساعد في إصلاح الخلل الواضح في ميزان التبادل التجاري بين البلدين، ويدفع الصين إلى تبني سياسات أقرب إلى المصالح الأميركية.
وبناء على ما سبق، فإن ثمة نقاشًا في واشنطن الآن حول إن كان قبول ترامب مكالمة ون وما تبعها من تصريح له مشكك في مبدأ "صين واحدة" مؤشرًا على تغيير محتمل في المقاربة الأميركية للعلاقة مع الصين، خصوصًا أنه قد اتضح الآن أنّ هذا الاتصال لم يكن من قبيل "المجاملة"، بل كان أمرًا أعد له على مدى أشهر طويلة. وتحاول هذه الورقة البحث في هذه المسألة، فضلًا عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه ترامب في تغيير القواعد الناظمة للعلاقة بين الطرفين، إن قرر ذلك.