الاقتصادات العربية والأزمات العالمية
تحليل سياسات 10 مايو ، 2023

أثر الأزمات العالمية في الاقتصادات العربية: التضخّم والطاقة والغذاء والديون

مصطفى عبد السلام

باحث مصري متخصص في الشؤون الاقتصادية.

مقدمة

يشهد العالم ظاهرة لافتة وربّما فريدة من نوعها، فللمرة الأولى تجتمع العديد من الأزمات الاقتصادية والمالية في توقيت واحد؛ أزمات تضخّم وطاقة وغذاء وركود وسلاسل الإمدادات وتفاقم الدين العالمي وغيرها. وقد عرف العالم على امتداد القرن الماضي أزمات اقتصادية عدة؛ ففي الفترة 1929-1939 نشبت أزمة الكساد الكبير، وجرى تصنيفها بأنّها أسوأ أزمة اقتصادية عالمية في القرن العشرين، حيث نتج منها انهيار كبير في سوق الأسهم الأميركية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1929 والمُسمَّى بـ "الثلاثاء الأسود"، واستمرّ الكساد نحو عشر سنوات تقريبًا، وأسفر عن خسارة هائلة في الدخل ونقص في الإنتاج، خاصة في الدول الصناعية، كما أثَّر بشكل كبير في الاقتصاد الأميركي، فقد ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة الأميركية إلى نحو 25% في ذروة الأزمة عام 1933.

وفي عام 1973 اندلعت أزمة النفط والمعروفة أيضًا باسم صدمة النفط، والتي بدأت عندما قرَّر أعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" (خاصة المنتجين العرب) الرد على قرار الولايات المتحدة بإرسال شحنات السلاح إلى إسرائيل خلال حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وأدَّت هذه الأزمة إلى حدوث تضخّم حادّ عالميًا بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة والركود الاقتصادي.

وفي عام 1997 نشبت أزمة النمور الآسيوية التي انطلقت من تايلاند وانتشرت سريعًا إلى دول شرق آسيا، مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ، ثمّ انتقلت إلى شركاء هذه الدول التجاريين حول العالم.

وحدثت الأزمة المالية العالمية 2007-2008 التي اعتبرت الأسوأ منذ الكساد العظيم، فقد أحدثت هزّة عنيفة في قطاع البنوك وشركات العقارات الأميركية وبورصات العالم، حيث انطلقت من الولايات المتحدة ثمّ انتقلت إلى أسواق المال في أوروبا وآسيا ومنطقة الخليج العربية والدول النامية، وكان من نتائجها انهيار بنك "ليمان براذرز" أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم، وكذا انهيار شركات تأمين وعقارات كبرى، كما أدَّت إلى إفلاس العديد من البنوك العالمية الكبرى في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا.

ومنذ عام 2008، شهد العالم أزمات عدة لا ترقى إلى تصنيفها أزمة اقتصادية عالمية إلى أن جاءت أزمة جائحة فيروس كورنا المستجد (كوفيد-19) في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وهي أسوأ أزمة صحية عرفها العصر الحديث وتمخَّضت عن نتائج اقتصادية كارثية على العالم؛ فقد أفادت كبيرة الخبراء الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي جيتا غوبيناث في 25 كانون الثاني/ يناير 2022 أنّه من المُتوقَّع أن تصل خسائر الاقتصاد العالمي من جرّاء الجائحة إلى 13.8 تريليون دولار بحلول عام 2024. وكان للجائحة انعكاسات شديدة على الاقتصادات الوطنية وأنشطة اقتصادية رئيسة مثل السياحة والسفر والطيران والخدمات، وضخَّمت الديون العامة السيادية وعجز الموازنات العامة، وأدَّت إلى حدوث تراجع ملحوظ في إيرادات الدول من الضرائب والرسوم والنقد الأجنبي، واستنزفت موازنات العديد من الدول التي رصدت مخصَّصات ضخمة لمواجهة تبعات الجائحة سواءً على الصحة العامة والأفراد أو على الأسواق والأنشطة الاقتصادية.

وكان للأزمة تأثيرات خطيرة في الاقتصادات العربية، فعلى سبيل المثال اندفعت بعض الحكومات نحو التوسُّع في الاقتراض الخارجي لتغطية الفجوات التمويلية والتراجع الحادّ في إيرادات النقد الأجنبي من أنشطة رئيسة كالسياحة، فقد وافق صندوق النقد الدولي في 26 حزيران/ يونيو 2020 على منح مصر 5.2 مليارات دولار لمدة عام لمساعدتها على التخفيف من الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن انتشار جائحة كورونا، وبلغ مجموع المساعدات التي قدَّمها الصندوق لمصر ثمانية مليارات دولار من أجل دعم جهودها للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي وسط الجائحة والمضي قُدمًا في الإصلاحات الهيكليّة الرئيسة.