على مدار أكثر من أربعة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فشل الاتحاد الأوروبي، الذي يعرّف نفسه بأنه قوة دولية معيارية تتّبع مجموعة من القيم والمبادئ القائمة على مركزية السلام والحرية والديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان في سياسته الخارجية المشتركة، في التحدث بصوت واحد بشأن
هذه الحرب، وساد مقاربته لها التناقض على مستوى مؤسساته الرئيسة (المفوضية، والمجلس، والبرلمان) من ناحية، وعلى مستوى دوله الأعضاء التي انقسمت بين دول منحازة كليًّا إلى إسرائيل في الحرب وأخرى معارضة لها بدرجات متفاوتة من ناحية أخرى. وقد ظهر هذا الانقسام جليًا، في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في التصويت على قرار يدعو إلى هدنة إنسانية فورية في قطاع غزة، إضافة إلى التصريحات والبيانات الرسمية الصادرة عن مؤسسات الاتحاد التي ركزت على مسألة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، في انحيازٍ مطلق إلى إسرائيل ومسايرة لموقف الولايات المتحدة الأميركية من الحرب؛ ما يطرح مجموعة من التساؤلات عن دور الاتحاد الأوروبي بوصفه فاعلًا دوليًا مؤثرًا، ودوره أيضًا في مسار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
تسعى هذه الورقة لرصد موقف الاتحاد الأوروبي من العملية العسكرية التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وما عقبها من حرب إسرائيلية على قطاع غزة، والأسباب التي أدت إلى انقسام مواقف الدول الأعضاء فيه. وتجادل بأن الحرب الإسرائيلية على القطاع كشفت البون الشاسع في طموحات الاتحاد الأوروبي إلى تأسيس سياسة خارجية أوروبية مشتركة، وتبرز أيضًا حالة من الانقسام الداخلي في مؤسساته من خلال مواقف المسؤولين الأوروبيين وتصريحاتهم. وتوضح أن ارتداد الحرب الدائرة والاستجابة الأوروبية لها انعكسا على المجتمعات الأوروبية من ناحية ارتفاع خطاب الكراهية وتهديد قيم حقوق الإنسان والديمقراطية، التي تُعدّ الركيزة الرئيسة في خطاب الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد أن شهدت المدن الأوروبية احتجاجات بعضها مؤيدة لإسرائيل وأخرى مؤيدة لفلسطين، وما عقبها من تجاوزات قانونية في عدد من الدول الأوروبية جرى تصنيفها ضمن جرائم الكراهية، وهو مؤشر دال على فشل المقاربة الأوروبية في التعامل مع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي عمومًا، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خصوصًا.