العنوان هنا
تقييم حالة 25 أكتوبر ، 2023

سقوط الجدار الحديدي: أزمة العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد عملية طوفان الأقصى

الكلمات المفتاحية

طارق دعنا

أستاذ مساعد في برنامج الماجستير في إدارة النزاع والعمل الإنساني بمعهد الدوحة للدراسات العليا. حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية سانت أنا للدراسات المتقدمة، بإيطاليا. تتعلق اهتماماته البحثية بقضايا الاقتصاد السياسي، والمجتمع المدني، والحركات الاجتماعية، وبناء الدولة والتنمية الاقتصادية، والعلاقة بين الدولة والمجتمع، مع تركيز على فلسطين والعالم العربي.

في سياق الصراع الاستعماري الطويل الذي شهدته فلسطين، تظل العديد من الأحداث قد سطرت تاريخها، لكن عملية "طوفان الأقصى" التي نُفذت، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تُعدّ من أبرز العلامات الفارقة في هذا التاريخ. تتميز هذه العملية بكونها استطاعت، بوسائلها المحدودة وتكتيكاتها البسيطة، أن تحطم الهالة المحيطة بالجيش الإسرائيلي، وتفوّقه التكنولوجي الذي ظلّ يُعتبر أساسًا لا يُهز في استراتيجيته العسكرية. وفي ظل الدعم المتواصل والثقة المفرطة التي تلقتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من الغرب، وبصفة خاصة من الولايات المتحدة الأميركية، جاءت هذه العملية لتعيد كتابة المعادلات، وتحدي مفاهيم القوة والضعف. فقد أظهرت المقاومة الفلسطينية قدرتها على التكيف والابتكار؛ إذ استطاعت أن تحدث زلزالًا استراتيجيًا هز الجيش الإسرائيلي وأسسه وعقيدته، ما أدّى إلى سلسلة من التساؤلات عن الاستراتيجيات المستقبلية للصراع، وكيفية تطور التوازنات الجديدة التي قد تشكل وجهًا جديدًا للمنطقة.

لقد زعزعت عملية طوفان الأقصى أسس المؤسسات السياسية والعسكرية الإسرائيلية على نحوٍ غير مسبوق. فالارتباك الذي أصاب دوائر القرار الإسرائيلية على المستويَين السياسي والعسكري، أصبح واضحًا في ترددها وتخبطها في اتخاذ قرارات استراتيجية، وخصوصًا فيما يتعلق بالاجتياح البري لقطاع غزة، وارتكاب عمليات إبادة ومجازر ضد المدنيين تفتقد فيها أي مغزى عسكري استراتيجي. وعلى الرغم من أن الأحداث الميدانية قد تبدو الأكثر إلحاحًا في الوقت الحالي، فإن لتداعيات هذه العملية آثارًا عميقة وطويلة المدى، ستظهر بعد انتهاء الحرب، بغض النظر عن مساراتها المستمرة ونتائجها. وقد تمتد هذه التداعيات لتشمل التحالفات السياسية داخل إسرائيل، وثقة الفرد الإسرائيلي بقدرة جيشه، وربما حتى علاقات إسرائيل الدولية. وفي ضوء كل هذا، يتجدد السؤال عن مستقبل الصراع الاستعماري وكيفية التعامل مع هذه التحديات في الأيام والسنوات المقبلة.

إنّ هذه الأزمة تمثل نقطة تحوّلٍ مهمة في تاريخ إسرائيل؛ ذلك أنها قد زعزعت الأسس والمفاهيم التي استندت إليها العقيدة العسكرية الإسرائيلية. ولا يقتصر ذلك على مفاهيم عسكرية بحتة، مثل استراتيجية الردع الذي طورته إسرائيل على مدار عقود، بل يتعداه إلى هز أعمدة هذه العقيدة، بوصفها إحدى الركائز المركزية للحفاظ على مشروع الاستعمار الاستيطاني. فالعقيدة العسكرية في السياق الإسرائيلي لا تقتصر على كونها منظومة عملياتية تضع الاستراتيجيات والتكتيكات الحربية، بل تشكّل أحد أبرز مكونات العقلية والهوية والسيكولوجيا الإسرائيلية. وهذا يعنى أنها تُعدّ إحدى ركائز الأيديولوجية الصهيونية المركزية في تشكيل المجتمع الاستيطاني في فلسطين، أو كما وصفها الأكاديمي الإسرائيلي باروخ كيمرلينغ "المبدأ التنظيمي المركزي للمجتمع". ولتوضيح ذلك، ينبغي إلقاء نظرة عامة على ماهية العقيدة العسكرية الإسرائيلية ودلالاتها على مستويين:

  • المستوى العملياتي - الاستراتيجي: تشكل العقيدة منظومة المبادئ والمفاهيم التي تحدد استراتيجيات الحرب وتكتيكاتها والعمليات العسكرية والنظام الأمني.
  • المستوى الأوسع: من الممكن أن نسميه "المستوى الوجودي"؛ إذ ترتبط العقيدة العسكرية ارتباطًا وثيقًا بالمجتمع والثقافة والاقتصاد وغيرها من المجالات. فالقيم والمفاهيم العسكرية تتغلغل في مناحي الحياة كلها، بما فيها ما يبدو ظاهريًا أنه مدني.