عنوان الكتاب: تونس: ثورة في بلاد الإسلام.
عنوان الكتاب في لغته: Tunisie une révolution en pays d'islam.
الكاتب: إياض بن عاشور.
الناشر: Cérès éditions ،Tunis.
مكان النشر: تونس.
سنة النشر: 2017.
عدد الصفحات: 408 صفحات.
هل يمكن أن نتحمل هذه الأيام قراءة كتاب عن ثورةٍ تونسية بدت للبعض سحابة صيف سرعان ما تأتي لتذهب، بعد ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من بؤس؟ اقتصاد على حافة الانهيار، فقر يتعاظم، وجائحة تعمق الأزمة، وتحولات سياسية بلا عمليات اجتماعية، ومنجزات تكاد لا تُذكر خاصة إذا ما قارنّاها بتلك الثورات الكبرى التي أعادت إنتاج مجتمعاتها على نحو مختلف، على غرار الثورات الأميركية والبريطانية والفرنسية والبلشفية. كتاب عياض بن عاشور تونس: ثورة في بلاد الإسلام الصادر سنة 2017، في طبعته الثانية، واحد من هذه المؤلفات التي يمكن أن ترجعك إلى يوتوبيا الثورة بعد أن فُك السحر عنها، إلى هذا الحد أو ذاك. لماذا هذا الاستثناء؟ لعدة أسباب منها أن المؤلف مختص في النظريات السياسية في الإسلام، وفي القانون العام، وترأس سنة 2011 الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، ويكتب عن الثورة التونسية، متّخذًا نوعًا من المسافة النقدية، وبعد مضي خمس سنوات على قيامها. والسبب الأول والأخير أن بن عاشور يحاول أن يقدم مقاربة مفتوحة على التاريخ وعلى علم الاجتماع وعلى علم القانون الذي هو اختصاصه. هذا الانفتاح على مقاربات مختلفة جعل المؤلف يواجه أطروحة بأخرى، مما عمق حسًا نقديًا حادًّا في بعض مواضع هذا العمل. ثم إن صاحبه يجتهد في اتخاذ مسافة فاصلة عن أحداث ووقائع هو بمنزلة الشاهد عليها لأنه منها.
تقوم أطروحة بن عاشور على فكرة مفادها أن لكل ثورة سرها وسحرها وفرادتها، فليس ثمة من معيار يسمح بالحكم لها أو عليها، إلا من داخلها وما تقدمه من استثناء. فالثورة التونسية ليست حدثًا عارضًا يهتز عنده المجتمع في الأول، ويدور في الآخر على غير مقاصده، ليعود على أثره ثورةً مضادة مظفرة. إنها ليست كذلك؛ إذ تمكّن المجتمع التونسي من خلق ثورة لا نظير لها في التاريخ، كما يقول عياض بن عاشور. هي ثورة امتزج فيها القديم بالجديد، بقيادة المجتمع المدني الذي ضمن انتقا لًا ديمقراطيًا مرنًا يعتمد فن التسويات بين مواقف متباعدة جنّبت البلاد الانزلاق في أتون حرب أهلية. وذاك هو معنى التسوية التي لا تمثل خيارًا بقدر ما تعني التعايش مع الإكراهات. تلك هي الثورة التونسية في ذهابها وإيابها، وفي أخذها وردها، تسويات وتفاوض، ضمن سياق إكراهي ضاغط يجمع فاعلين اجتماعيين من مشارب واتجاهات مختلفة. ومن هذه الناحية بالذات، تأتي فرادتها من جهة قدرتها على التعايش مع المتناقضات والسمو فوقها، لذلك استحقت بجدارة الجائزة العالمية للثورات.
* هذه المراجعة منشورة في العدد 44 (أيار/ مايو 2020) من دورية "
سياسات عربية" (الصفحات 155-160)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.
** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.