العنوان هنا
مقالات 23 سبتمبر ، 2012

صبرا وشاتيلا بعد ثلاثين عامًا: الإفلات من العقاب وقوانين الحرب

الكلمات المفتاحية

آلان غريش

عمل غريش منذ سنة 1995 حتّى سنة 2005 محرّرًا في الصّحيفة الفرنسيّة الشهريّة اليساريّة لوموند ديبلوماتيك (Le Monde Diplomatique) ، وتبوّأ سنة 2008 منصب مدير مساعد فيها. يرأس حاليّا الجمعيّة الفرنسية للصحفيّين المتخصّصين في شؤون المغرب والشّرق الأوسط، وهو عضو في مجلس إدارة معهد العالم العربيّ في باريس. ألّف وشارك في تأليف عدد من الكتب عن القضيّة الفلسطينيّة ومنظّمة التّحرير والشّرق الأوسط. تُرجمتْ كتبه ومقالاته من اللّغة الفرنسيّة إلى اللّغات الإنجليزيّة والفارسيّة والألمانيّة والعربيّة والهولنديّة واليابانيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والبرتغاليّة.

في المقدّمة التي كتبها لكتابٍ كُرِّس لمجزرة صبرا وشاتيلا[1]، أورد الصحافيّ الفرنسيّ الإسرائيليّ أمنون كابليوك[2] تصريحًا لأمير دروري أحد الجنرالات الإسرائيليين، وأحد المسؤولين عن تلك المجزرة؛ كان قد أصدره بعد مرور عشرين سنةً على وقوعها، جاء فيه: "دخل 150 عنصرًا من قوّات الكتائب مخيّم اللّاجئين. في الجهة المقابلة، كانت التّقديرات تشير إلى وجود 2000 إرهابيّ. ولم يخطر ببالي إمكانية أن ترتكب مجزرة؛ ولكنْ ما أقلقني حينها هو إمكانية أن نجد أنفسنا مضطرّين إلى التدخل لإنقاذهم (يعني أفراد الكتائب) بسبب عدم تكافؤ القوى (...). وتبيِّن خلاصة تقرير كاهان، أنّه ما من إسرائيليٍّ -سواءً كان عسكريًّا أو مدنيًّا- قد علِم بوقوع المجزرة، أو شارك فيها، أو علِم بها أحدٌ في الوقت الذي كانت تُرتَكب" (يديعوت أحرونوت، 31 أيار / مايو 2002).

بعد أن فضح كابليوك مزاعم هذا المسؤول، أشار إلى قلّة الاكتراث التي تثيرها ذكرى المجزرة في إسرائيل؛  خاصة أنّ مجازر أخرى ارتكبتها إسرائيل لاحقًا (في حرب تمّوز / يوليو 2006، وفي عدوانها على غزّة في 2008-2009) قد أنست الناس مجزرة صبرا وشاتيلا. ونحن نذكر في الغرب تقرير لجنة التحقيق الإسرائيليّة (لجنة كاهان) الذي أشار إلى بعض المسؤوليات؛ ممّا أدّى إلى استقالة وزير الدفاع، المسؤول الرئيس عن المغامرة اللّبنانيّة، الجنرال أريئيل شارون. غير أنّنا نسينا كيف أخفت تلك اللّجنة بعض الوقائع، وخفّفت من مسؤولية الحكومة الإسرائيليّة. والمفارقة أن ما يذكره الرأي العامّ الغربيّ من صبرا وشاتيلا -إضافةً إلى تظاهرات مئات الآلاف من الإسرائيليّين المندِّدين بالمجزرة- هو أنّ لجنة التحقيق قد أنجزت عملها، وهو ما يؤكد أنّ إسرائيل هي "دولةٌ ديمقراطيّةٌ". وهذه الحجّة تتكرّر باستمرارٍ لتلطيف المسؤولية الإسرائيليّة. وهل تُعفَى دولة من مسؤولية مجزرة ترتكبها لكونها ديمقراطيّةً فحسب؟ وهل تكون القنبلة التي تسقط على أحد المخيّمات مختلفةً، في حالة ما إذا كانت الدّولة التي تلقيها ديمقراطيّةً؟ لقد كانت فرنسا التي ادّعت أنّها "تحمل السلام" إلى الجزائر دولةً ديمقراطيّةً؛ ولكنّ جرائمها لم تكن أقلّ فظاعةً.

بعد مضيّ ثلاثين عامًا على وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا؛ لا يزال المجرم مفلتًا تمامًا من العقاب. ولم تنجح عمليّات استنهاض المجتمع المدنيّ، ولا المساعي المبذولة لجرّ شارون إلى المحاكم البلجيكيّة أو الأوروبيّة باسم الولاية القضائيّة العالميّة. لماذا هذا الإفلات من العقاب؟ لمحاولة إدراك السّبب؛ لا بد من العودة إلى المساعي الهادفة إلى تعريف قواعد القانون الدّولي بالقانون الإنسانيّ.

غداة الحرب العالميّة الثّانية، وُضعتْ اتّفاقيات جنيف المتعلِّقة بحماية المدنيّين أـثناء الحروب في 12 آب / أغسطس 1949، ووُقِّع البروتوكولان الإضافيّان في حزيران / يونيو عام 1977. وكان المجتمع الدّولي قد قبل الالتزامات التي تُطبَّق على جميع أطراف أي صِراعٍ؛ بغضّ النّظر عن شرعيّة قضيّتهم. وتُبيِّن المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأوّل بوضوحٍ، "قاعدةً أساسيّةً" هي التالية: "على أطراف النّزاع، تمييز السكّان المدنيّين من المقاتلين، وتمييز الأملاك ذات الطابع المدنيّ من الأهداف العسكريّة؛ ومن ثمّ ألّا توجَّه عمليّاتها إلى غير الأهداف العسكريّة، وذلك من أجل ضمان احترام السكّان المدنيّين والأملاك ذات الطابع المدنيّ وحمايتهم".

صحيحٌ أنّ هذه الأهداف لم تتحقّق في كثيرٍ من الأحيان، خصوصًا في ما يتعلّق بحروب التّحرير في العالم الثّالث؛ إلّا أنّ نهاية الحرب الباردة قد منحت الأمل في التّغيير، لاسيّما مع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002. وذلك على الرّغم من رفض الدّول المهمّة -مثل الولايات المتّحدة، وروسيا، والصّين- توقيع نصّ إنشائها. وفي الوقت الذي يحتدّ فيه الكلام عن حقوق الإنسان، وعن ضرورة مكافحة جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة والإبادة الجماعيّة؛ يبدو احتمال محاكمة مجرمي الحرب مقتصرًا على بعض حكّام الدّول الأفريقيّة. ولم يُثِر  لدى الرّئيس بوش -المسؤول عن تدمير العراق في عام 2003- قلقًا ممّا اقترفه، ولم يخف القادة الإسرائيليّين - المسؤولين عن حرب تموز / يوليو عام 2006 وعن العدوان على غزّة في كانون الأول / ديسمبر 2008- من عواقب عدوانهم.

والأهمّ من ذلك ربّما، هو أنّ 11 أيلول / سبتمبر 2001، وإعلان الحرب على الإرهاب؛ قد دفعا بعددٍ من الحكومات إلى المجاهرة -بدرجاتٍ متفاوتةٍ- برفضها علنًا لمبادئ العدالة الكونية التي بدت مكتسبةً، والتي تنطبق على الأقوياء كما على الضّعفاء.

هكذا، تساءل جون بودهوريتز John Podhoretz -وهو أحد منظّري المحافظين الأميركيّين الجدد في مقالةٍ نُشِرت بصحيفة "نيويورك بوست" الأميركية بتاريخ 25 تموز / يوليو 2006- في أثناء الحرب على لبنان: "ألم تتطوّر الدّيمقراطيّات اللّيبراليّة إلى درجةٍ تخوّل لها خوض حروبٍ فعّالةٍ بسبب اهتماماتها الإنسانية الأخرى...؟". ويتابع قائلًا: "وماذا لو أنّ خطأَنا التّكتيكي في العراق، يتجسّد في أنّنا لم نقتل ما يكفي من السُنّة في بداية تدخُّلنا؛ لتخويفهم منّا، وبثّ الرّعب في نفوسهم، حتّى يقبلوا أيّ شيءٍ؟ ألم يكن بقاء الرِّجال السنّة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 35 سنةً على قيد الحياة وراء التمرّد، والسببَ الأساسَ للعنف المذهبي؟".

وأضاف بودهوريتز: "ماذا كان سيحدث لو كانت إسرائيل تملك جميع الإمكانات لتحقيق أهدافها. ولكنّها لا تستطيع أن تستخدمها من دون قيود ضد عدوٍّ أشدّ خطرًا (حزب الله) وأدنى أخلاقًا وأقل مبادئ، بل وأكثر همجيّةً، من القادة الوحوش للانتفاضة؟".

وختم كلامه قائلًا: "هل هذه هي المفارقة المرعبة في فنّ الحرب في القرن الحادي والعشرين؟ إذا كان من غير الممكن أن تُهزم إسرائيل والولايات المتحدة عسكريًّا بالمعنى التقليديّ، فهل اكتشف أعداؤنا وسيلةً جديدةً للانتصار؟ ألا يسْعَوْن إلى النّصر من خلال جعلنا نفقد أخلاقنا فحسب، ممّا يجعلنا نواجه تحدّي بلوغ مستوى وحشيّتهم، وهم يعلمون أنّنا لن نفعل ذلك؟ (...) هل من الممكن أن تُعرِّض عظمةُ حضارتنا الأخلاقية - والقيمة المذهلة التي يكتسيها الإنسان فيها- مستقبلَ حضارتنا للخطر؟".

يسجِّل هذا المنطق المرعب عودةً إلى الوراء مقارنةً بالمسلَّمات -النظريّة منها على الأقلّ- التي باتت قيد التّداول بعد الحرب العالميّة الثانية، ونعني تعريف القواعد الكونيّة للقانون الإنسانيّ. ويخطئ من يظنّ أنّ هذا المنطق يقتصر على بضع دوائر معزولةٍ. إلّا أنّ من يحمل لواءه بصورةٍ أساسيّةٍ، هو تيّار المحافظين الجدد في الولايات المتّحدة. هكذا، يشرح أستاذ القانون في جامعة هارفارد ألان ديرشوفيتز Alan Dershowitz -وهو مدافعٌ شرِسٌ عن أيّ نشاطٍ إسرائيليٍّ، الأمر بالقول: "لابدّ للقانون الدّولي ولمن يديرونه، أن يفهموا أنّ القواعد القديمة" لا تنطبق على هذه الحرب غير المسبوقة ضدّ عدوٍّ متعصِّبٍ لا يرحم، وأنّ "قوانين الحرب والقواعد الأخلاقية، يجب أن تتكيّف مع هذه الحقائق الجديدة"[3].

وقد رأينا في فرنسا عددًا من المفكِّرين، يدافعون عن هذه النّظريات. يؤكد كلود لنزمان Claude Lanzmann، في صحيفة "لوموند" الفرنسية في 4 آب / أغسطس 2006 -وهو يستعيد الحجّة التي قدّمها "الفيلسوف" برنار هنري ليفي. وهو نفسه الذي دخل غزّة في شتاء 2008 على ظهر دبّابةٍ إسرائيليّةٍ، مدافعًا عن جرائم الحرب التي ارتكبها جيشه المفضَّل- أنّ إسرائيل كانت ستختفي من الوجود منذ زمنٍ طويلٍ؛ لو لم تبالغ في ردّة فعلِها. ومن النّاحية النظريّة، تُعدُّ هذه خطوةً كبيرةً إلى الوراء؛ إذ يدعونا فيها هؤلاء المسؤولون والمفكِّرون إلى الاعتقاد بوجود فارقٍ أساسيٍّ بين البشر، بين البيض والآخرين، وهو فارقٌ يشكِّل عودةً إلى العقليّة الاستعماريّة العلنيّة.

في عام 1898، دافع أستاذ العلوم السياسيّة هاينريش فون تريشكه  Heinrich von Treischkeعمّا كان يبدو بديهيًّا لمعاصريه: "يستحيل القانون الدوليّ عباراتٍ فحسب، إن كنّا نسعى إلى تطبيق مبادئه على الشّعوب الهمجيّة. فلمعاقبة قبيلةٍ زنجيّةٍ، لابدّ من حرق قُراها؛ إذ لن يتحقّق شيءٌ، ما لم نجعل منها مثالًا. ولو طَبّقت الإمبراطورية الألمانيّة القانونَ الدوليّ في مثل هذه الحالات؛ لما عُدّت تلك الخطوة مبادرةً إنسانيّةً أو عدالةً، وإنّما كان لينُظر إليها على أنّها ضعفٌ مخجِلٌ"[4]. فقد اختُرِعت رصاصة "الدمدم" (المتفجرة) في أواخر القرن التاسع عشر، وكانت تتسبّب في جروحٍ خطيرةٍ جدًا. في عام 1897، حَظَرَت اتّفاقية لاهاي الدوليّة -التي تبنّتها الدّول المتحضّرة- تلك الرصاصة، و"جعلت استعمالها مقتصرًا على الطرائد الكبيرة، والحروب الاستعماريّة". وبالنسبة إلى همجيّي اليوم، وإلى أغلبية العرب والمسلمين؛ يمكن استخدام القصف الكاسح والعشوائيّ والقنابل الانشطاريّة، إذ إنّهم لا يفهمون لغةً أخرى.

ولا تشكّل هذه الرؤى للقانون الدوليّ، تلك التي لا تُطبَّق إلّا بطريقةٍ انتقائيّةٍ؛ تراجعًا استثنائيًّا فقط للفكر والأخلاق، بل إنّها تشوِّه خطاب حقوق الإنسان الذي يَدّعي الغرب أنّه بطله، وتُعزِّز تلك الرّؤى التي نَدّعي نحن مكافحتها.

فباسم "الحرب على الإرهاب"، أعلنت إسرائيل الحرب على لبنان، وأفلتت من القوانين الدوليّة. وباسم "الحرب على الإرهاب" أيضًا، شُنّ العدوان على غزّة في كانون الأوّل / ديسمبر 2008. ولم يؤدِّ أيٌّ من هذه الأفعال إلى محاكمةٍ، وإلى مثول قادة إسرائيل أمام محكمةٍ، سواءً كانت وطنيةً أو دوليّةً. وكلّنا يذكر ما آل إليه تقرير غولدستون، الذي صيغ في سياق بعثةٍ تتقصّى الحقائق للأمم المتّحدة، والذي لم ينجم عنه أيّ أثرٍ قضائيٍّ. فقد شَنّت إسرائيل حملةً معاديةً، بدعمٍ من الولايات المتّحدة؛ بما في ذلك الحملة ضدّ القاضي اليهوديّ الجنوب أفريقيّ، الذي تعرّض لضغوطٍ هائلةٍ جعلته -وحده دون زملائه الآخرين في البعثة- يتنصّل من التّقرير الذي كان قد كتبه بنفسه! ومع ذلك، فقد أكّد عددٌ من التّقارير التي أصدرتها المنظّمات الدوليّة الأخرى -بما في ذلك منظمة العفو الدوليّة، وهيومن رايتس ووتش- الجرائمَ التي ارتكبها الجيش الإسرائيليّ.

لكنّ تصريحات غولدستون قد أتاحت لليمين وللحكومة الإسرائيليّة الابتهاج. وكان أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجيّة الفاشي، أول من عبّر عن فرحه. وفي مقالةٍ نُشِرت في 3 نيسان / أبريل 2009 بجريدة "لوموند" الفرنسية -وتحت عنوان "حرب غزّة: إسرائيل تطالب بإلغاء تقرير غولدستون بعد ندم كاتب التّقرير"- ذُكر ما يلي: شدّد رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو على القول "لابدّ من رمي التّقرير في مزبلة التّاريخ"، بعد أن كان قد طلب من محامين وخبراء في وزارة الشّؤون الخارجيّة دراسة ملفّ التّقرير. وأكّد وزير الدفاع إيهود باراك لإذاعة الجيش الإسرائيليّ على ذلك قائلًا: "يجب الآن (على إسرائيل) مضاعفة جهدها من أجل إلغاء هذا التّقرير، وسأسعى إلى تحقيق ذلك"؛ ، بعد أن طلب من القاضي غولدستون "نشر استنتاجاته الحالية"، وليس الاكتفاء بمقالةٍ صحافيّةٍ بسيطةٍ فحسب...".

ماذا يعني تراجع القاضي غولدستون؟ هذا واضحٌ بالنسبة إلى المحامية الإسرائيليّة غابرييلا شاليف Gabriela Shalev، أستاذة القانون، والتي أصبحت مؤخّرًا سفيرة إسرائيل لدى الأمم المتّحدة. إذ صرّحت لإذاعة إسرائيل قائلةً: "النّقطة الإيجابيّة تتعلّق بما سنقوم به في المستقبل، وهل نحن بحاجةٍ إلى الدِّفاع عن أنفسنا مرّةً أخرى ضدّ المنظّمات الإرهابيّة؟ يمكننا أن نقول: إنّه لا توجد طريقةٌ أخرى لمواجهة ذلك الإرهاب، غير الطّريقة التي تعاملنا بها في عملية "الرّصاص المصبوب".

هذا "التّصريح" بقتل الإرهابيين؛ هو تمامًا ما طالب به نتنياهو منذ مدّةٍ طويلةٍ. "يتمنّى نتنياهو استنهاض عددٍ من الدّول الغربيّة المعنيّة بمكافحة الإرهاب، من أجل وضع قواعد جديدةٍ للحرب، تتيح للبلدان الدِّفاع عن نفسها ضدّ الهجمات الإرهابيّة"[5]. من غير الممكن أن تفلت إسرائيل من العقاب، دون تواطؤ الولايات المتّحدة الأميركيّة والدّول الأوروبيّة. ويدحض القادة الغربيّون -على الأقلّ علنًا- فكرة الصِّدام بين الحضارات وحرب الأديان؛ ولكنْ بهدف الإقناع بأنّه لا ينبغي الاكتفاء بالكلمات فقط. فقواعد القانون الدوليّ، تنطبق على الجميع، وليس على الضعفاء وحدَهم. وهؤلاء القادة الذين يَدْعُون إلى توقيف الرّئيس السّوداني، أو أيّ ملكٍ أفريقيٍّ آخر؛ هم أنفسهم من يحمون أريئيل شارون وجورج والكر بوش، اللّذين ارتكبا جرائمَ فظيعة. وستبقى تلك الفجوة بين الشرق والغرب، بين "هم" و"نحن"؛ مادامت ازدواجيّة المعايير مستمرّةً. وإذا لم يكن في وسعنا أن ننسى ضحايا مجازر صبرا وشاتيلا؛ فذلك لأنّنا نؤمن أنّ جميع الضّحايا، أيًّا كانوا، يحتاجون إلى أن يشْهَدوا الاعتراف بمأساتهم، وإلى أن يروْا المذنبين يُحاكمون، وإلى أن يوضع حدٌّ للإفلات من العقاب: لا يوجد ضحايا "جيِّدون"، وضحايا "سيِّئون".

ولا بد هنا في هذا السّياق، من العودة إلى ما كان يقوله الحكّام الأثينيّون لنظرائهم في جزيرة ميلوس (وكان الأثينيّون يسعون إلى استعباد الميلوسيّين)، وهو نفسه ما يقوله القادة الأميركيّون والإسرائيليّون للعرب اليوم: "في عالم البشر؛ لا تحظى الحجج القانونيّة بوزن، إلّا حين تتكافأ وسائل الخصوم، وعندما لا تكون الحال هذه؛ سيستفيد الطرف الأقوى من قوّته، ولا يعود أمام الضعفاء إلّا الخضوع"[6].

 


[1] Raoul Marc Jennar, "Sabra et Chatila : il y a trente ans", Médiapart , 17/9/2012:

http://blogs.mediapart.fr/blog/raoul-marc-jennar/170912/sabra-et-chatila-il-y-trente-ans-4

[2]  اشتهر بنشره تحقيقًا سنة 1982 كشف فيه فظاعة مجزرة صبرا وشتيلا والمسؤولين عنها.

[3] Norman Finkelstein, "Should Alan Dershowitz Target Himself for Assassination?", Counterpunch, 12-14/8/2006:

http://www.counterpunch.org/2006/08/12/should-alan-dershowitz-target-himself-for-assassination/

[4] Sven Lindqvist, Exterminez toutes ces brutes, traduction d'Alain Gnaedig (Paris : Le Serpent à plumes, 1999).

[5] Cité dans: Ethan Bronner et Isabel Kershner, "Israel Grapples with Retraction on U.N. Report", The New York Times, 3/4/2011:

http://www.nytimes.com/2011/04/04/world/middleeast/04goldstone.html?_r=2

[6] Thucydide, La Guerre du Péloponnèse, édition et traduction de D. Roussel, 1re éd (Paris : Gallimard, 1964), tome 2, p.120.