/ACRPSAlbumAssetList/Images/imageb4861896-72ed-4d8b-85a4-eb398cefaa04.jpg
دراسات 09 فبراير ، 2011

المفاوضات السرية بين إسرائيل ورئيس وزراء لبنان رياض الصلح

الكلمات المفتاحية

محمود محارب

باحث مشارك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أستاذ جامعي فلسطيني له العديد من الكتب والأبحاث المتعلّقة بالصهيونية وإسرائيل، والقضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي. حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من "الجامعة العبرية" في القدس. وفي عام 1986 حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من قسم العلوم السياسية في جامعة ريدينغ في إنكلترا. ومنذ عام 1987 حتى عام 1990، عمل مديرًا لمركز الأبحاث التابع لجمعية الدراسات العربية في القدس المحتلة. 

مقدمة

أجرت إسرائيل مفاوضات سرية للغاية مع رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في باريس في الفترة الممتدة بين منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر ومنتصف كانون الأول/ديسمبر1948. وفي الوقت الذي كانت تجري هذه المفاوضات فيه اتخذ رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن غوريون، في الفترة بين 9 و12 كانون الأول/ديسمبر 1948 قرارا باغتيال رئيس وزراء
لبنان رياض الصلح. وقد حاولت مجموعتان من المستعربين اليهود الإسرائيليين كانتا حينئذ في بيروت، تنفيذ قرار الاغتيال من دون نجاح، منذ تلقيهما أمر اغتيال رياض الصلح في 12 كانون الأول/ديسمبر 1948 إلى أن تلقتا قرارا جديدا في 22 شباط /فبراير 1949 ألغى قرار الاغتيال.

من نافل القول إن قرار إسرائيل اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في فترة زمنية محددة، وهو موضوع هذه الدراسة، لم يكن له علاقة إطلاقاً، لا من قريب أو من بعيد، بقيام الحزب السوري القومي باغتيال رياض الصلح أثناء زيارته الأردن في 16 تموز/ يوليو 1951، انتقاما منه لدوره في إعدام انطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي وزعيمه.

تهدف هذه الدراسة إلى متابعة المفاوضات السرية التي أجرتها إسرائيل ورياض الصلح، في الفترة المذكورة أعلاه، وتحليلها، ثم الوقوف على أسباب قرار إسرائيل الخطير اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح وخلفياته التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بسياسة بن غوريون في تلك الفترة تجاه لبنان، وفي مقدمتها محاولته الاحتفاظ بالمنطقة التي كانت تحتلها إسرائيل في جنوب لبنان حينئذ، تمهيدا لضمها.

تستند هذه الدراسة، بالإضافة إلى الدراسات التاريخية وكتب المذكرات التي عالجت تلك المرحلة، إلى مصادر أولية وفي مقدمتها تقارير كبار موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية الذين شاركوا في المفاوضات السرية مع رياض الصلح، وخاصة تقارير إلياهو ساسون وطوفيه أرازي، وغيرهما، المحفوظة في "أرشيف الدولة" في إسرائيل. وقد وفرت هذه الوثائق، التي كانت سرية للغاية ولم يُسمح لجمهور الباحثين الإطلاع عليها إلا بعد مرور عقود طويلة، فرصة لنا للإطلاع على تفصيلات تلك المفاوضات بين المسؤولين الإسرائيليين ورياض الصلح، وأمكنتنا من الولوج إلى ذهنية القادة الإسرائيليين الذين اجروا تلك الاتصالات والاجتماعات والوقوف على أهدافهم.

أقامت الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، إبان فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، جهاز مخابرات كانت غايته جمع المعلومات عن الأقطار العربية، وإقامة علاقات متشعبة مع النخب العربية في الأقطار المجاورة لفلسطين، بما في ذلك تجنيد عملاء من بين صفوفهم للعمل لمصلحة الوكالة اليهودية[1]. وجرت الغالبية العظمى من لقاءات الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية وجهاز مخابراتها مع النخب العربية، طوال فترة الانتداب البريطاني، في عواصم الأقطار العربية، إذ كانت الحدود حينئذ مفتوحة بين فلسطين والأقطار العربية المجاورة. وجرت هذه الاجتماعات واللقاءات بسرية تامة، بطلب من النخب العربية، وذلك لأن الرأي العام العربي كان يعتبر أن هذه الاجتماعات تجلب الخزي والعار لمن يقوم بها من النخب العربية، وينعتهم، خاصة بعد اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 – 1939)، بنعوت سلبية مثل التواطؤ مع الصهيونية والعمالة لها.

 وبعد اندلاع حرب 1948 بات من المتعذر مواصلة الاتصالات السرية بين الوكالة اليهودية والنخب العربية في معظم العواصم العربية المجاورة. لذلك اقترح إلياهو ساسون، الذي شغل منصب مدير القسم العربي في الدائرة السياسية التابعة للوكالة اليهودية قبل قيام إسرائيل، ثم مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد قيام إسرائيل، على الحكومة الإسرائيلية المؤقتة، أثناء حرب 1948، إقامة قاعدة للنشاط الاستخباري والعمل الدبلوماسي السري الإسرائيلي في باريس لمواصلة الاتصالات السرية مع نخب البلدان العربية المجاورة. وقد أقرت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة اقتراح إلياهو ساسون وخصصت له الميزانية الملائمة[2]. وفي بداية تموز/ يوليو 1948 سافر إلياهو ساسون إلى باريس ومعه اثنان من كبار العاملين في قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية هما طوفيه أرازي وزيامة ديبون، وبعد ذلك بفترة قصيرة التحق بهم سليم بيخور[3]، ثم انضمت إليهم في تشرين الأول/أكتوبر 1948 يولندا هارمر[4]. واستمرت هذه المجموعة القيادية تعمل في باريس ما يقارب النصف عام، وتمكن ساسون وفريقه في هذه الفترة من إعادة وصل ما انقطع مع زبائنه القدامى من النخب العربية، ومن عقد اجتماعات سرية جمة ومتنوعة مع عدد من النخب العربية، أكانت هذه النخب في الحكم أو خارجه أو في المعارضة.


[1] شموئيل كوهن ـ شاني، "عملية باريس : مخابرات ودبلوماسية سرية في بداية الدولة"، تل أبيب : جامعة تل أبيب، 1994، ص 73- 75. ولد الياهو ساسون في دمشق في سنة 1902، وهاجر في العام 1920 من سورية واستوطن فلسطين. انضم في العام 1934 إلى القسم العربي في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية وسرعان ما أصبح مديرا له (جهاز المخابرات والتجسس على العرب). وبعد قيام إسرائيل أصبح إلياهو ساسون مديرا لقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ثم أصبح وزيرا في الحكومات الإسرائيلية طوال الستينيات.

[2] سليم (شلومو لاحقا) بيخور هو يهودي عراقي، التحق بجهاز مخابرات الدائرة السياسية للوكالة اليهودية فور هجرته إلى فلسطين عشية قيام إسرائيل، وكانت مهمته، في أثناء وجوده في باريس، الاتصال بالوفد العراقي إلى الأمم المتحدة. العديد من تقاريره عن هذه الاتصالات موجود في أرشيف الدولة(إسرائيل) ملف حيتس1/ 3749.

[3] أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة إلياهو ساسون رقم 45 من باريس في  16/ 10/1948. يولندا هارمر صحافية مصرية يهودية من أصول يونانية، عملت مراسلة لعدة صحف أجنبية. نظمها إلياهو ساسون للعمل براتب مع جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية في القاهرة في العام 1945. واستغلت مهنتها الصحافية ومظهرها في اختراق النخبة السياسية المصرية والعديد من النخب العربية في القاهرة، وخاصة تلك النخب العاملة في الصف الأول في جامعة الدول العربية، وأصبحت لعدة سنوات من أهم المصادر الاستخبارية للوكالة اليهودية في القاهرة. اعتقلتها السلطات المصرية بعد اندلاع حرب 1948 لعدة شهور، ولكن يبدو ان علاقاتها بالنخبة المصرية العليا خدمتها، فأطلق سراحها ثم غادرت مصر إلى باريس في الثلث الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1948، فاستأنفت عملها مع إلياهو ساسون. هاجرت إلى إسرائيل في العام 1952.

[4] أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/ 3771، رسالة إلياهو ساسون إلى رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في 24/7/1948 (باللغة الفرنسية).