العنوان هنا
مقالات 25 يوليو ، 2011

ماذا ينتظر مصر؟

الكلمات المفتاحية

فوزي حسن حسين

طالب دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بيروت العربية بموجب أطروحة بعنوان " التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية وبرامج الأمن القومي للدول" الولايات المتحدة الأميركية نموذجا، ستناقش قريبا . - ماجستير علوم سياسية من جامعة بيروت العربية للعام 2008. عن أطروحة بعنوان "الصّين واليابان ومقوّمات القطبية العالمية"، والتي تفضّلت قناة الجزيرة بنشرها على موقعها الالكتروني. - دبلوم عالٍ في العلوم السياسية من جامعة بيروت العربية للعام 2006. - بكالوريوس علوم سياسية من جامعة بغداد للعام 2002.

بسقوط نظام حسني مبارك في مصر على إثر ثورة شعبية، خسر الغرب وإسرائيل ما يصفونه بالكنز الاستراتيجي، وأكثر من ذلك أنه ولأول مرة نسمع بأن وزيرا إسرائيليا (بن إليعازر) يبكي رحيل رئيس عربي عن الحكم بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك. والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هو: لماذا حظي نظام مبارك هذه المكانة الاستراتيجية لدى الغرب وإسرائيل معاً؟

الإجابة على هذا التساؤل لا يمكن استخلاصها من نظرة جزئية وإن كانت ثاقبة لسياسات نظام مبارك، بل تستخلص من تحليل ممارسات طغت على السلوك العام للسياسة الخارجية المصرية سنين طويلة. فهذا النظام هو من كان يعمل على تأمين إسرائيل من الجنوب، وهو من كان يضع الترتيبات الأمنية على معبر رفح الحدودي وقطاع غزة. وهذا النظام هو من كان أيضا يصدِّر غازاً مصرياً لإسرائيل بأسعار أدنى من الأسعار العالمية.

وباختصار، فإن نظام مبارك سخّر كل قدرات مصر وطاقاتها من أجل الحفاظ على المصالح الغربية  والإسرائيلية في الشرق الأوسط تحت مظلتين، الأولى مظلة إرساء السلام في الشرق الأوسط، والمظلة الثانية حماية الأمن القومي المصري. لكن هذا النظام تمادى في خدمته للغرب وانقياده الأعمى له، وتناسى أن الغرب يضع لأقرب حلفاءه خطوطا زمنية محددة لا يسمح لأي كان بتجاوزها، فما إن لمس الغرب بأن حسني مبارك لم يعد قادراً على السيطرة والتحكم الكامل بمصر؛ وأن وريثه في الحكم (جمال مبارك) لم يكن يحظى بالشعبية اللازمة ولا بالكاريزما المقبولة في الشارع المصري؛ حتى تخلى عن حسني مبارك تاركا إياه يواجه مصيره في طريق طويل مع القضاء المصري في دعاوى شائكة ومعقدة.

واليوم، ينظر الغرب ومن خلفه إسرائيل إلى مصر من منظور واحد يحتمل رؤيتين فقط لا ثالثة لهما، فإما أن تعود مصر إلى سابق عهدها كحليف استراتيجي للغرب مع تغييرات طفيفة، وإما أن لا تعود كما كانت في عهد مبارك، ويصبح أمر إضعاف مصر وتقسيمها عندها مطلباً استراتيجياً، خوفاً من أن تتحالف مصر الجديدة مع قوى راديكالية كالتيارات الإسلامية مثل حزب الله وحركة حماس، أو تتحالف مع قوى إقليمية تأتي في مقدمتها إيران.

لذلك يراقب الغرب اليوم بدقة الحراك السياسي للنخب السياسية في مصر، ويتابع عن كثب المرشحين للرئاسة في مصر، ويدقق في التفاعل السياسي للمجتمع المصري، كما يفحص مؤشرات الاقتصاد المصري والسلوك السياسي للمؤسسة العسكرية المصرية. وما أخبار إلقاء القبض على شبكات تجسس إسرائيلية في مصر بعد ثورة 25 يناير سوى خير دليل على الاهتمام الغربي والإسرائيلي بمتابعة ما يحدث في مصر.

وتشهد الساحة المصرية اليوم بروز تيارات سياسية وفكرية جديدة بدأت تطالب بممارسة دور سياسي، بل وتمارسه فعلا. ويظهر هذا من خلال تحركات تيارات السلفيين والصوفيين والانشقاقات في صفوف الإخوان المسلمين وتوالد الأحزاب الجديدة، في ظل غياب واضح لهيبة القانون وبسط نفوذ الدولة على جميع الأقاليم المصرية، فالاعتداءات على مراكز الشرطة ومؤسسات الدولة مستمرة، وأحداث الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط تشتعل هنا بعد أن تنطفئ هناك.

ولم تتوقف الاحتجاجات والاعتصامات هي الأخرى بعد الثورة، وسط تراجع واضح لأداء الاقتصاد المصري بأبعاده السياحية والخدمية والتصنيعية. ومما يفاقم المشكلة في مصر، ضعف الحكومة وتأثرها بأبسط المؤثرات، وقلة الوعي والنضج السياسي لدى المؤسسة العسكرية الممسكة بزمام الأمن في البلاد وتسيير المرحلة الانتقالية. وباختصار، فإن الأزمات في مصر تتفاعل مع بعضها لتتمخض عنها أزمات جديدة تزيد الوضع العام سوءاً.

وبانتظار اجتياز مصر هذه المرحلة الانتقالية الحساسة في تاريخها المعاصر، إلى حين الانتخابات التشريعية وولادة الحكومة المنتخبة الجديدة التي ستحدد ملامح التوجهات العامة للسياسة الخارجية المصرية، فمن مصلحة الغرب تهيئة أوضاع داخلية في مصر يمكن التحكم فيها للتعامل مع أي توجه استراتيجي لمصر ما بعد الانتخابات. ويمكن تلخيص المخططات المحتملة لتشكيل الأوضاع الداخلية في ما يلي:

  1. إرساء بوادر الفتن الطائفية في مصر من الآن استعداداً لإرباك أي حكومة مصرية تنحو باتجاه القضايا القومية للعالم العربي، وذلك من خلال زرع ثقافة الكراهية بين المسلمين والأقباط وبين السلفيين والصوفيون، وبين أهالي سيناء فيما بينهم، وبين أهالي سيناء ومركز القرار السياسي في مصر، مع السعي إلى تسليح جماعات وتدريبها وتجهيزها وتمويلها.
     
  2. الإبقاء على الاقتصاد المصري ضعيفاً ومهزوزاً في المرحلة الحالية، مع هامش بسيط من المساعدات الدولية التي تعمل على تسيير الحياة اليومية في مصر، وتوقيت نفاد الاحتياطي القومي المصري من العملات الصعبة مع ميلاد الحكومة الجديدة، حتى تشكل عملية انعاش الاقتصاد المصري عامل ضغط على أي حكومة مصرية مقبلة.
     
  3. إضعاف الأمن القومي المصري، وإرساء عوامل عدم الاستقرار الأمني في عموم مصر، وتمكين جماعات بدأ يأخذ عملها طابع التنظيم والتخطيط في الجرائم المنظمة والإرهاب، وقد تتمكن هذه الجماعات من اختراق الأجهزة الأمنية المصرية، حتى يكونوا على أهبة الاستعداد للانقضاض على أية مكتسبات تحققها حكومة مصرية تسير بالاتجاه القومي أو الناصري.
     
  4. السعي لدعم شخصيات مصرية سياسية معروف عنها ولاؤها المطلق للغرب، من أجل خلق فرصة لهم لاقتناص سدة الحكم في مصر، وإذا فشلوا في ذلك فستكون مهمتهم عرقلة أي مسيرة تنموية بأصول قومية تمارسها حكومة مصرية مقبلة، تحت ذريعة المعارضة والمطالب الشعبية.
     
  5. السعي لانتقاء قيادات من الجيش والمخابرات وكبار الدبلوماسيين المصريين، ممن كانوا موالين لنظام مبارك والذين درسوا أو تدربوا في الولايات المتحدة أو في أوروبا، من أجل مساعدتهم في تبوأ مناصب قيادية مهمة في مفاصل الحكومة المصرية المقبلة، للاستفادة من هؤلاء معلوماتياً.
     
  6. الضغط السياسي على دول تحتضن عمالة مصرية، وخصوصاً دول الخليج من أجل أن تكون العمالة المصرية ورقة ضغط على أي حكومة مصرية مقبلة لا تلبي طموحات الغرب في أنماط سياساتها الخارجية.
     
  7. الضغط على دول المنبع لنهر النيل، من أجل تقليل حصة مصر في مياه هذا النهر بحجة قيام مشاريع وسدود لأغراض التنمية الوطنية في دول المنبع، وذلك بهدف الضغط على صانع القرار المصري المقبل.
     
  8. الإبقاء على صحراء سيناء منطقة منزوعة السلاح، مع السعي لإثارة القلاقل فيها، حتى إذا جاءت حكومة مصرية بتوجهات قومية، فلا نستغرب اجتياح الحلف الأطلسي أو إسرائيل لهذه المنطقة الاستراتيجية بحجة القضاء على الإرهاب والسيطرة على منافذ التهريب إلى قطاع غزة.

    والهدف من هذه الخطوة سيكون تأمين جنوب إسرائيل، وإطباق الحصار على قطاع غزة، وعزل الأردن تماما عن مصر، ومن ثم تدرس احتمالية تحويل جغرافي لقطاع غزة إلى صحراء سيناء، حتى تتخلص إسرائيل من كابوس غزة ومعبر رفح، ومشاكل المعابر التي تربط غزة بالضفة الغربية، وحتى لا تتأثر إسرائيل سلباً بأي مصالحة وطنية بين الفصائل الفلسطينية.

وعلى ضوء هذه الاحتمالات تكون مهمة الحكومة المصرية المنتخبة المقبلة صعبة ومعقدة جداً، فهي بين قوى عالمية ستضغط عليها باتجاه العودة بمصر إلى تحالفات مبارك، وبين شعب تواق إلى الحرية وإلى أن تكون مصر قوة إقليمية لا تقل وزناً عن تركيا وإيران.

وهذان الاتجاهان المتناقضان من الصعوبة بمكان التوفيق بينهما، فإذا اختار المصريون، حكومة وشعباً، طريق مصر كقوة إقليمية ذات توجه قومي، فعلى المصريين أن يضعوا نصب أعينهم التضحيات والمهام الجسام التي تحتاج إلى التفاف استراتيجي كامل من الشعب حول قيادته للوصول إلى هذا الهدف.

أما إذا نجح الغرب في دق الإسفين بين الشعب المصري وقيادته المقبلة ونجح في استدراج مصر الرسمية إلى حضيرة الغرب وإسرائيل، فعندئذ ستدخل مصر في نفق مظلم من الصراع الداخلي بين شعب ضحى من أجل التخلص من الديكتاتورية، وبين قيادة أعادته من جديد إلى مربع الاستعباد والإذلال.