العنوان هنا
مقالات 19 يونيو ، 2011

قراءة معاصرة في الصراع الدولي الإلكتروني

فوزي حسن حسين

طالب دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بيروت العربية بموجب أطروحة بعنوان " التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية وبرامج الأمن القومي للدول" الولايات المتحدة الأميركية نموذجا، ستناقش قريبا . - ماجستير علوم سياسية من جامعة بيروت العربية للعام 2008. عن أطروحة بعنوان "الصّين واليابان ومقوّمات القطبية العالمية"، والتي تفضّلت قناة الجزيرة بنشرها على موقعها الالكتروني. - دبلوم عالٍ في العلوم السياسية من جامعة بيروت العربية للعام 2006. - بكالوريوس علوم سياسية من جامعة بغداد للعام 2002.

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في عددها الصادر يوم الأحد الماضي، أنّ الإدارة الأمريكية عازمة على تقديم مساعدات تكنولوجية متطوّرة إلى الناشطين في مجال الحرية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط والثائرين ضدّ أنظمة تراها واشنطن أنظمة استبدادية، من أجل إيصال صوتهم  وأوضاعهم بصورة مباشرة إلى العالم وهم يكافحون تلك الأنظمة من أجل الحرية والديمقراطية، في حال قطعت تلك الأنظمة خدمة الانترنيت والمحمول أثناء الاحتجاجات، وتدور تلك المساعدة التكنولوجية حول إنشاء شبكة انترنيت سريّة مع شبكة محمول دولية لا تخضع إلى رقابة أيّ دولة حتى يتمكّن هؤلاء الناشطون من إيصال وضعهم في ظلّ ربيع التغيير العربي إلى العالم، دون رقابة أو عرقلة من أحد، كما حدث إبان الثورة المصرية حينما قطعت السلطات المصرية شبكة الانترنيت وأوقفت شبكات الهاتف المحمول عن العمل من أجل منْع أيّ تواصل بين المتظاهرين والعالم الذي كان يتابع تطوّرات الثورة المصرية بشغف.

ويمكن اختصار هذه الفكرة، بأنّ هناك جهازا خاصاً سيُصنع قريباً يتمكّن من الارتباط مع الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) دون أن يكون للدولة وأجهزتها علمٌ بهذا الارتباط الاتّصالي، وهذا الجهاز صغير ويمكن تفكيكُه وتركيبه بسهولة وحمله في حقيبة سفر، وبإمكان مستخدمي هذا الجهاز أن يرسلوا ما يشاؤون من الأفلام والصور والوثائق والمعلومات عبر هذا الجهاز كما يمكنهم إجراء اتّصالات هاتفية دولية عن طريق شبكات هاتف دولية تخصّص لهم اتّصالات مجانيّة بعد تزويدهم برمز سرّي وكلمة مرور، هذا إضافة إلى قدرة المستخدم على استقبال المعلومات عبر الجهاز نفسه.

وتتبنّى حاليًّا وزارة الخارجية الأمريكية هذا المشروع بعد أن رصدت له الكلفة المالية اللاّزمة، وفي تقديرنا الشّخصي، فإن الدول المرشّحة التي سيُستعمل هذا الجهاز على أراضيها هي إيران وسوريا والصين وربّما كوريا الشمالية، على اعتبار أنها دولٌ منغلقة وتضع رقابةً شديدة  على أجهزة الاتّصالات بما فيها شبكات المحمول والانترنيت.

هذه الخطوة ذات وزن استراتيجي فهي ترمي إلى اختراق كامل لدول الشرق الأوسط ودول أخرى عبر الاعتماد على الاستخبارات البشرية، التي لا يمكن الاستغناء عنها رغم التقدّم الهائل في الاستخبارات التكنولوجيّة. وهي جزءٌ من هيمنة أمريكية على العالم دون مراعاةٍ لسيادة الدول، فهذه الخطوة تعكس توجّهاً أمريكياًّ جديداً أخذ طابع العلنية  والرّسمية هذه المرّة، وبرأينا فإنّ الدول المرشّحة لتقع تحت نشاط هذه الشبكة هي الصين وإيران وأفغانستان وباكستان وروسيا ودول الشّرق الأوسط.

وعملية نشر شبكة انترنيت سريّة في منطقة معيّنة تتمّ وفق إحدى الطرق الأربع التالية:

‌أ. أن توضع أجهزة إرسال لاسلكي على السّفارات الأمريكية وقنصلياتها وتوابعها الأخرى لتغطّي الدولة المعنية(أي تزويد خدمة الانترنيت الخفيّ)، تمامًا مثلما تغطّي الأبراج العالية خدمة المحمول. وهذه الطريقة خطرة لأنها سهلة الاكتشاف، عبر تردّدات غير مسجّلة في شركات الاتّصالات. أو مشاهدة أجهزة غير مألوفة على سطوح السفارات والقنصليات وتوابعها.

‌ب. أن تتولّى أقمارٌ صناعيّة خاصّة توفير خدمة الانترنيت الخفيّ، تمامًا مثلما تعمل أجهزة تحديد المواقع الجغرافية (GPS) ولكن هذه الطريقة ستكون مكلفة جدًّا.

‌ج. أن تتولّى سفن عسكرية بحريّة تغطية أجواء الدولة المعنيّة بخدمة الانترنيت الخفيّ من جهة الخليج العربي بالنسبة إلى إيران، ومن البحر الأبيض المتوسّط بالنسبة إلى سوريا. وهذه الطريقة هي الأسهل والأكثر أماناً من الاكتشاف.

د. أن تتولّى طائرات كبيرة مثل (الأواكس) توفير خدمة الانترنيت الخفيّ من خلال تحليق يومي فوق الدّولة  المعنيّة ساعات طويلة، على أن يتمّ الاتّفاق على هذه الساعات مع مستخدمي الانترنيت الخفيّ. وهذه الطريقة مكلفة هي الأخرى.

مثل هذه المشاريع تمثّل بلا شكّ خرقاً واضحاً لسيادة الدول، وهو بالتأكيد خرقٌ لا يسمح به القانون الدولي العام، إضافةً لما يمثّله هذا الإجراء من  خرق لحقوق شبكات مزوّدي خدمة الانترنيت والمحمول، فضلا  عن الفوضى الاتّصالية التي يمكن أن تحدث في البلد المعني. وأكثر من ذلك فقد يقوم مستخدمو الانترنيت الخفيّ (المحتجّون أو ناشطو حقوق الإنسان) بدبلجة أفلام وأصوات أو فبركة صور بوساطة برامج الفوتوشوب لتنقل صورًا غير صور الحقيقة، فمن الذي يستطيع أن يضبط هذه العملية ويضمنها؟.

أضفْ إلى ذلك أنّ دولاً مثل إيران التي قطعت شوطاً لا يُستهان به في مجال التكنولوجيا الاتّصالية، سوف تضع هي الأخرى تصوّراتها وخططها لمواجهة هذا الانترنيت الخفيّ، فقد تصنع أجهزة محلية أو تستعين بخبرات أجنبية لصنع أجهزة تعقّب التردّدات (الغريبة) والتي لم يتمّ توثيقها والاتّفاق عليها مع شبكات الانترنيت والمحمول، ومن ثمّ تحديد مكان مستخدمي شبكة الانترنيت الخفيّ.

استراتيجية نشر الانترنيت الخفيّ ومن ثمّ القدرة على الاتّصال الهاتفي الدولي، ستكون بلا شكّ طويلة الأجل وسيتمّ السّعي إلى تطويرها إلى أبعد الحدود، ذلك لأنّ هناك دولاً منغلقة وتحتاج السياسة الخارجية الأمريكية إلى فكّ طلاسمها، فالصين وسعيها نحو القطبية العالمية وكوريا الشمالية وطموحاتها النووية، كلّها أهداف أمريكية مؤجّلة في الوقت الحاضر في انتظار استكمال ربيع التغيير في الشرق الأوسط.

هذا الخرق الالكتروني والذي ستقابله إجراءات دفاعية واحترازية الكترونية من الطرف الآخر، سيُحْدث ثورة في الإعلام المعاصر، وثورة جديدة في تكنولوجيا الاتّصالات، لأن هناك شركات خاصّة تحاول الرّبح عبر ابتكار وسائل وتقنيات جديدة ترتبط بهذا الموضوع بشقّيه الدفاعي والهجومي، الأمر الذي سيجعل من القنوات الفضائية الإخبارية لا قيمةَ لها، لأنها غالبًا ما قد تكون غير قادرة على الوصول إلى قلب الحدث (المعزول عن العالم) وستُستبدل وكالات الإعلام والقنوات الفضائية بناشطي حقوق الإنسان والمحتجّين الذين يستخدمون شبكة الانترنيت الخفيّ.

وفي مجال القانون الجنائي الدولي، سيشكّل عبء إثبات الجرائم الجنائيّة مشكلةً حقيقيّة أمام محكمة الجنايات الدولية، إذ أنّ الاعتماد على وثائق وصور وأفلام مأخوذة من شبكة الانترنيت الخفيّ ومن مصادر غير معروفة تحديدًا، سيجعل من عملية الطّعن في هذه الأدلّة أمراً في غاية السهولة. الأمر الذي سيثير جدلاً قانونياً لا مناصَ منه.

وأخيراً، فإنّ هذه السّياسات الأمريكية ستجعل من المنطقة أكثر فوضى واضطراباً، في وقتٍ هي في أمسِّ الحاجة إلى الأمن والاستقرار. وربّما يندرج ذلك ضمن إطار الفوضى الخلاّقة.