العنوان هنا
دراسات 27 يناير ، 2014

دستور سنة 2011 في المغرب: أيّ سياق؟ لأيّ مضمون؟

الكلمات المفتاحية

محمد باسك منار

​باحث مغربي متخصص في القانون العام، حاصل على دكتوراه في القانون العام، ودبلوم الدراسات العليا المعمّقة في القانون الإداري والعلوم الإدارية. وهو عضو مؤسس للمركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات؛ وعضو مشارك في المشروع العربي لدراسات الديمقراطية، وأستاذ زائر في كلّية الحقوق في جامعة محمد الخامس السويسي – الرباط. ومتصرّف إقليمي في مديرية التنظيم والمنازعات في وزارة الصحّة. وله أنشطة في التدريب والعمل الإعلامي. نشر العديد من الأعمال العلمية؛ من أهمّها كتاب "الانتخابات بالمغرب، ثبات في الوظائف وتغيّر في السمات"؛ كما شارك في مجموعة من الندوات العلمية داخل المغرب وخارجه، في مواضيع الدستور والأحزاب، والانتخابات، والحركة الإسلامية، والديمقراطية.

ملخص تنفيذي


إنّ أهمّ وظيفة للدستور هي مأسسة الحياة السياسية؛ أي وضع مبادئ وتدابير وبنى وآليَّات لممارسة السلطة وتنظيم المنافسة عليها. والمأْسسة التي يحقّقها دستورٌ ما ترتبط بموازين القوى والتفاعلات والصراعات التي أفرزته، لذلك فإنّ الانتباه إلى السياق السياسي والدستوري الكامن وراء وضع الدستور أو مراجعته، يفيد كثيرًا في معرفة نوع المأسسة ودرجتها. بل إنّ اللغة الدستورية الملتبسة والتمويه المتعمَّد أحيانًا قد يؤدّيان، من خلال تحليل المضمون دون تحليل السياق، إلى تحديدٍ خاطئ لطبيعة المأسسة التي أقرَّتها الوثيقة الدستورية. باستحضار كلّ ذلك، كانت هذه الدراسة التي خلصت إلى أنّ دستور فاتح تموز / يوليو 2011 في المغرب، على الرغم ممّا ميَّز سياقه، ظلّ دستور استمرارية وليس دستور قطيعة؛ إذ ظلّ الاختلال الجوهري على مستوى السيادة قائمًا، وإن قُويض بذلك توسيع مجال الحقوق والحرِّيات، ليبقى المغرب في وضعية مأسسةٍ منقوصة، تفتقد الجوهر الديمقراطي.


مقدمة

ظهرت في المغرب، على امتداد ما يزيد على سنتين، مجموعة من الإشكالات المرتبطة بتأويل الدستور وتفعيله. في هذه السياق، تأتي هذه الدراسة التي تهدف إلى التحقُّق من مدى استجابة دستور فاتح تموز/ يوليو2011 لمعايير الدستور الديمقراطي: إعدادًا، وشكلًا، ومضمونًا؛ على اعتبار أن عمليتي التأويل والتفعيل ترتبطان بالإمكانات المتاحة على مستوى النَّص، كما ترتبطان بطريقة وضع الدستور التي تعكس طبيعة ميزان القوى المؤثِّر في المسار الدستوري. ستبحث هذه الورقة السياق الذي أفرز الوثيقة الدستورية، وستتتبَّع طريقة إنتاجها، ليكون التساؤل الأساس موضوع المعالجة في هذه السطور هو: هل حدث فعلًا، على إثر "حركة 20 فبراير"، تغيير بنيوي في ميزان القوى أدى إلى منعطَف دستوري قطع فعلًا مع الجوهر غير الديمقراطي للدساتير السابقة، المتمثل أساسًا بهيمنة المؤسسة المَلَكية على مختلف المؤسَّسات، أم إن استمرار الاختلال في ميزان القوى جعل الأمر لا يعدو كونه تكيُّفًا ظرفيًّا لا يُغيِّر في الجوهر كثيرًا؟

لمقاربة هذا التساؤل، يمكن الانطلاق من فرضيتين متقابلتين: الأولى هي أن انتقال شرارة الربيع العربي إلى المغرب عن طريق "حركة 20 فبراير" أحدث فعلًا تغييرًا بنيويًّا في ميزان القوى، وأن ما حدث من تغيير، سواء على مستوى طريقة وضع الدستور أو على مستوى مضمونه، يُشكِّل انعكاسًا لذلك، وفي المقابل، فإن ما حدث من سلبيَّات أو تعثُّرات في مسار التعديلات الدستورية، لا يخرج عن كونه أخطاءً في التَّصرُّف، وليس نتيجة اختيار معيَّن. أمَّا الفرضية الثانية فهي أن "حركة 20 فبراير"، وإن كانت قد دفعت النظام السياسي إلى إحداث بعض التغييرات في التوازنات، فإنها لم تستطع، بالنظر إلى مستوى الحشد الشعبي واختيارات الفاعلين السياسيين، فرض الاستجابة لمطلبها في تحقيق دستور ديمقراطي: شكلًا، ومضمونًا؛ وبالتالي فإن ما حدث من تعديلات دستورية، لا يخرج عن إطار التَّكيُّف الظَّرفي المضبوط للمؤسسة المَلَكية، الذي تفرضه الظروف من حين لآخر، لتكون النتيجة تعديلات دستورية في إطار استمرار خصائص السُّموِّ والهيمنة والتحكُّم نفسها التي كانت تحظى بها المؤسَّسة المَلَكية في السابق.

يمكن الإعلان، منذ البداية، عن تبني هذه الفرضية الثانية، التي سنحاول التحقُّق منها باستعمال مفاهيم أساسية وفرعية؛ من قبيل: الدستور، والدستور الديمقراطي، والمؤسسة المَلَكية، والحزب السياسي، والتغيير البنيوي، والتغيير في التوازنات، والاستفتاء، وسيادة الشعب، وسيادة الأمة، والقانون المقارن... وذلك من خلال ثلاثة محاور كبرى؛ هي:

أولًا: مفارقات السياق العام لدستور فاتح تموز/ يوليو 2011.

ثانيًا: مظاهر إشراك في طريق غير ديمقراطي.

ثالثًا: النّص الدستوري في ميزان المعايير الديمقراطية.