العنوان هنا
مراجعات 20 نوفمبر ، 2022

قراءة في كتاب "المجتمع المدني: دراسة نقديّة" لعزمي بشارة

كمال طيرشي

باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وسكرتير تحرير مجلة "تبين" للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية. حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة باتنة – الجزائر، تخصص فلسفة غربية معاصرة عن أطروحة بعنوان "منزلة الدين في فلسفة سورين كيرككورد"، وعلى رتبة التفوق الأولى في الماجستير بجامعة الجزائر 2، في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة. عمل أستاذًا للفلسفة بالثانوية العامة لمدة 8 سنوات، وأستاذًا للفلسفة المسيحية بجامعة سطيف – الجزائر. شارك في تأليف العديد من الكتب الجماعية، منها كتاب فلسفة الدين: المفاهيم والإشكالات والاتجاهات (2018). صدر له كتاب منزلة الدين عند كانط دراسة تحليلية تاريخية". وله العديد من الأبحاث المنشورة في دوريات علمية محكّمة.

عنوان الكتاب: المجتمع المدني: دراسة نقديّة.

المؤلف: عزمي بشارة.

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة/ بيروت، 2017.

الطبعة: السادسة.

عدد الصفحات: 400 صفحة.


يُعدّ كتاب المجتمع المدني: دراسة نقدية لعزمي بشارة من أهم المراجع، إذ ما يزال إلى يومنا هذا منهلًا لكل ما يتعلق بدراسات المجتمع المدنيCivil Society Studies ، يفيد منه الباحثون على تباين اختصاصاتهم في شتى فروع المعرفة الإنسانية والاجتماعية والسياسية عمومًا، بحيث أصبح مرجعًا لما له علاقة بالمجتمع المدني في علاقته بالدولة والديمقراطية. وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه كتابًا نظريًّا، هدفُه البحث في المنحى التطوري الذي لاحق هذا المفهوم تاريخيًا، وذلك عن طريق مراجعة تاريخ الفكر السياسي في الغرب، وما ينجر عن ذلك من تطورات وتبعات سوسيولوجية.

والمرمى الأساس من الكتاب هو تفكيك ما يُمكن نعته بالاستهلاك الرائج لمفهوم المجتمع المدني (ص 7)، والذي عمل على إضعاف الدور السياسي لمقولة المجتمع المدني، في حين حل، في المقابل من ذلك، مكانها مصطلح الدول المدنية بديلًا من المجاهرة في مطلب الدولة الديمقراطية.

سعى بشارة لتقويم النقاشات الحاصلة بين النخب العربية المأزومة من تبعات شمولية الدولة ولعنتها الاستبدادية، إضافةً إلى نكوص القهقرى الذي أصاب القومية والاشتراكية. وأشار إلى التوجه صوب العمل الاجتماعي، عن طريق المجتمع المدني الذي يعتبر البوابة المباشرة لإحقاق قيم الديمقراطية داخل المجتمع بوجه خاص، والدولة بوجه عام، هادفًا في الآن عينه إلى عدم رهن المجتمع المدني بمنظمات اجتماعية طوعية، تشتغل خارج إطار السياسة؛ من حيث كون عمل هذه المنظمات يُغرد خارج سرب محددات المواطنة والعقد الاجتماعي، وحضور دولة قوية، ومسلك تطوري يُذلِلُ الطريق نحو خلق إمكانية تمثل عُروة وثقى بين الفرد والدولة والمجتمع؛ ما يؤدي إلى إعادة بعث البنى العضوية، في إطار مقولات ما بعد حداثية.

وبهذا يكون المجتمع المدني، المُفرغ من السياسة والموضوع بمنأى عن الصراع والنضال من أجل الديمقراطية، بمنزلة "عملية إجهاض لمعاني المجتمع المدني التاريخية وطاقته النقدية، فضلًا عن نزع قدرته التفسيرية على فهم البنى الاجتماعية والسياسية" (ص 9). وبناء عليه، يكون المشكل الأساسي الذي لا بد من معالجته ذا بعدين: الأول متعلق بالنشأة الأولى لمفهوم المجتمع المدني في إطار الدولة العربية الحديثة، واعتماده أداةً من أدواتها؛ والثاني متعلق بإعادة قراءة المواقف العربية من مفهوم المجتمع المدني، والتي اتسمت بطابع آلي، بعيد كل البعد عن روح النقد والجدل. وبهذا ساهمت هذه المواقف العربية في نصرة تصور الدولة العربية للمجتمع المدني، حالةً محايدةً بمنأى عن كل ما هو سياسي. ولمحاولة تجاوز هذه الحالة العصابية الانفصامية لواقع المجتمع المدني العربي، يتحتم علينا إيجاد عقلية نقدية في المفهوم وتاريخيته ومجال نشأته. وهو ما سعى له كتاب بشارة حول المجتمع المدني.


* هذه المراجعة منشورة في العدد 42 من مجلة "تبيّن" (خريف 2022)، وهي مجلة فصلية محكّمة يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا وتُعنى بالدراسات الفلسفية والنظريات النقدية.

** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.