يحاول كتاب تاريخ موجز للعلمانية
A Short History of Secularism لغرايم سميث Graeme Smith المنافحة عن مسألة طالما فهمت فهمًا مغالطًا، وفُسّرتَ وفق رؤية ضيقة حجبت الفهم الصحيح للعلمانية Secularism، وأخرجتها من جوهرها الذي تأسست به، وانبنى عليه أهم مرتكزاتها، خصوصًا ضد أولئك الذين يقرنون ظهورَ العلمانية بأفول الدين (المسيحية تحديدًا)، ولكأن العلمانية جاءت لتُجهز على الدين وتعلن موته، بسبب من تنامي الإلحاد في الغرب (ص 14).
هذا التصور الفلسفي سبق أن تبناه أيضًا الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط Immanuel Kant (1724-1807)، ولا سيما في جل كتاباته المتأخرة التي نذكر في مقدمتها كتابه
الدين في حدود مجرد العقل
Religion within the Bounds of Bare Reason، مؤكدًا أن الصلة متينة بين ما هو أخلاقي وما هو ديني، من حيث إن الأخلاق ليست في حاجة إلى الدين من أجل نهوضها، بل هي مفاهيم مستقلة بذاتها بناءً على ما يوضع لها من قواعد العقل العملي Practical Reason، كما أن القانون الأخلاقي الذي يحتكم إليه جميع الكائنات العاقلة يلزم عنه التسليم بوجود كائن أعظم لهذا الكون، وهو في الأساس مسلّمة تمخضت عن الأخلاق وطبعًا من دون أن نعتبرها الأصل في ظهور الأخلاق. وهو ما يتبناه المؤلف حرفيًا، فنجده يقول إن العلمانية "هي الالتزام بعمل الخير، بمفهوم المسيحية التقليدية، ومن غير أدنى اهتمام بتفاصيل التعاليم الكنسية، هكذا تصبح الرغبة في أن نكون خيّرين وفاعلي خير، رغبة يدعمها شعور متعاطف تجاه فكرة 'الله'" (ص 14).
* هذه المراجعة منشورة في العدد 40 من مجلة "تبيّن" (ربيع 2022)، وهي مجلة فصلية محكّمة يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا وتُعنى بالدراسات الفلسفية والنظريات النقدية.
** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.