العنوان هنا
مراجعات 21 يونيو ، 2022

تكنولوجيا المستقبل، والنيوليبرالية، ومستقبل الفقر واللامساواة

قراءة في كتاب: وعد الالتحاق: التكنولوجيا، واللامساواة، والاقتصاد السياسي للأمل

عمر المغربي

​باحث مساعد، بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

المؤلف: دانيل جريين

عنوان الكتاب: وعد الالتحاق: التقنية واللامساواة والاقتصاد السياسي للأمل

عنوان الأصلي: The Promise of Access: Technology, Inequality, and the Political Economy of Hope

الناشر: The MIT Press

سنة النشر: 2021

عدد الصفحات: 272


مقدمة

أدّت التكنولوجيا دورًا أساسيًا في تطور الاجتماع البشري منذ فجر التاريخ؛ ما جعل بعض الباحثين يقولون إنّ ثمة ارتباطًا حصريًا بين التطورات الاجتماعية والاقتصادية والتطور التكنولوجي. وقد تعززت هذه الفكرة في القرن العشرين، خاصة في الربع الأخير منه، الذي حَفل بالكثير من الاختراعات والاكتشافات الثورية، وبالنظر إلى ما اتسمت به التكنولوجيا من حضور طاغٍ في المجتمعات المعاصرة؛ إذ تعزّز الوعي بالحاجة إلى التكنولوجيا المتقدمة، حتى غدت، بوجهٍ من القول، مدرجةً ضمن الحاجات الأساسية.

وقد زامنت هذه التطورات التكنولوجية تحولات عديدة على الساحتين الاقتصادية والسياسية، كما كان الشأن بالنسبة إلى الثورات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية السابقة. فبظهور التقنيات الحديثة، تندثر وظائف وتولد أخرى؛ ما يهدد شرائح اجتماعية واسعة ويضعها في حالة من القلق وعدم اليقين، خاصة أولئك الذين لا يتمتعون بمهارات مجاراة تلك التطورات. وليست التطورات التكنولوجية التي انطوت عليها الثورة الصناعية الرابعة بمنأى عن ذلك؛ إذ ترافق مع صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والتخزين السحابي، والنانوتكنولوجيا، خسارة سوق العمل العديد من الوظائف التي أضحت تشغلها الآلات. ولكن في الوقت ذاته، خلقت هذه التقنيات فرص عمل جديدة لم تكن موجودةً من قبل، وتبلورت مجموعة من البرامج السياسية والاقتصادية التي تقارب جميع الأزمات التقليدية الاقتصادية من خلال وسائل تقنية؛ وبذلك تسلّلت "بداهة" الخلاص التقني لتشغل المركز من أجندات ومشاريع التنمية الوطنية وصناعة السياسات في دول العالم، المتقدمة والنامية على السواء.

تبرز، في هذا السياق، أهمية كتاب وعد الالتحاق: التكنولوجيا، واللامساواة، والاقتصاد السياسي للأمل الذي صدر في عام 2021، لدانيال غرين، الخبير الأميركي في دراسات المعلومات والأستاذ بجامعة ماريلاند، والذي يسعى لكشف النقاب عن تطور "البداهة السياسية التي تفيد بإمكان حلّ أزمة الفقر من خلال المهارات والأدوات التقنية المناسبة"، والتي يطلق عليها "أيديولوجيا الالتحاق" (Access Doctrine).

يحاول المؤلف الكشف عن هذه الأيديولوجيا، من خلال تتبع العلاقة بين تقاطع سياسات التقنية والفقر في الولايات المتحدة الأميركية. وهذا الكتاب، وإن كان يندرج في سياق الأدبيات الماركسية الناقدة للعلاقة بين التكنولوجيا والرأسمالية المتأخرة، فإنه يمضي إلى أبعد من نقد خطاب الخلاص التقني؛ إذ يحاول من خلال سبرٍ إثنوغرافي قام به في مدينة واشنطن في الفترة 2012-2015، تتبع عملية إعادة إنتاج رأس المال الاجتماعي الذي تقوم به الدولة من خلال المكتبة العامة (الفصل الثالث)، والمدرسة (الفصل الرابع)، حيث تجري عملية إعادة تشكيل قيم المؤسسات الاجتماعية وأهدافها، لتتوافق وأغراض النظام الاقتصادي الجديد. ويرصد المؤلف التحولات البنيوية التي طرأت على تلك المؤسسات في محاولتها تمثُّل صورة شركات الأعمال الناشئة (Startup Companies)، وهو ما يطلق عليه "البرنامج التحضيري" (Bootstrapping).

ينطلق المؤلف في بحثه من مسلمة مفادها أنّ النظام النيوليبرالي ليس مجرد نظام اقتصادي يُنظّم علاقة الدولة بالسوق؛ إذ ينطوي هذا النظام على نظرة خاصة إلى علاقة الدولة بالمجتمع والفرد والحرية، أي إنه يمتلك صورة لتدبير التَّعقُل وليس مجرد إدارة الدولة. ويسعى الكتاب إلى تفكيك أحد أبرز المصطلحات في قاموس صانعي السياسات في العقود الأخيرة، وهو مفهوم "الفجوة الرقمية" (Digital Divide)، إضافة إلى البحث في طبيعة الخطاب النيوليبرالي تجاه التقنية وتطوره تاريخيًا، وكذلك دراسة الآثار الاجتماعية المباشرة للتحولات الاقتصادية والتقنية التي عرفتها الولايات المتحدة بداية من تسعينيات القرن الماضي، ساعيًا في نهاية المطاف للإجابة عن سؤال: هل يمكن أن يُنقذنا تعلّم البرمجة حقًّا؟



* هذه المراجعة منشورة في الكتاب السنوي السادس 2021 من دورية "استشراف" ، وهي مجلة محكّمة للدراسات المستقبلية والاستشرافية، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا مرة كل سنة.
** تجدون في موقع دورية "استشراف" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.