عنوان الكتاب: مسألة الدولة: أطروحة في الفلسفة والنظرية والسياقات.
المؤلف: عزمي بشارة.
الناشر: الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
سنة النشر: 2023.
عدد الصفحات: 456 صفحة.
تقديم
يتوقع القارئ المنتظم لمؤلفات عزمي بشارة بعدًا موسوعيًا لمقاربته أيّ مفهوم يتناوله، ابتداءً بـ"المجتمع المدني"، مرورًا ب "الانتقال الديمقراطي"، وصولا إلى "الدولة"، وأسلوبه التفكيكي المتعدد المناهج في تحليل هذه المفاهيم. أما القارئ المستجد بالنسبة إلى هذه الكتابة، فهو مدعوّ إلى رحلة يصعب الخروج منها من دون إعادة النظر في الكثير من التصورات، ومن دون أسئلة جديدة نبشَ الكتاب منابعها. ولعل هذا أبلغ ما يصل إليه الباحث عن إجابات، وهو اكتشاف أسئلة جديدة لم تكن مطروحة عنده من قبل. في كتاب مسألة الدولة: أطروحة في الفلسفة وال نظرية والسياقات، يتبع بشارة أسلوبًا علميًا مركّبًا من دون تعقيد، لأنه يتعمّد الحفر خلف المفاهيم الفلسفية والرؤى السياسية ونظريات السوسيولوجيا السياسية للوصول إلى رؤيته للدولة، لا الانشغال بوضع متوالية سردية تركيبية لتاريخ مفهومها. فهو ليس مؤرخًا، على الرغم من أن المفاهيم السياسية المحيطة بفكرة الدولة لها هذه الصلة الوثيقة بالتاريخ؛ لأنها ليست نظريات مجردة أو ظواهر عامة، بل هي تاريخ من الممارسة والصراع والاجتهاد الفكري المواكب للتطورات الجذرية التي عرفتها الدولة، وما ترتبط به من مفاهيم أخرى. وبدلًا من ذلك، يضع بشارة أمام القارئ، مستعينًا بأدوات عابرة للتخصصات وبمناهج متعددة، خلاصة تحليل يجمع بين البعد السياسي والتحليل الفلسفي للمصادر الكبرى التي واكبت تطور الدولة، باعتبارها مفهومًا عرف قطائع معرفية متعددة؛ نظرًا إلى كثرة النظريات التي تناولته وكثافتها، والتي تعرضت للنقد والنقض، على مدار الزمن، لأنها خاضت تحدّي تفكيك إشكالية تضم عدة متغيرات، لا تنفك تطرح تحديات جديدة، مع كل مرحلة تمرّ بها الدولة. وعلى الباحث، بحسب بشارة، أن يتطرق إلى نشأة دول بعينها، سواء أكان البحث قائمًا على اتّباع منهج نظرية واحدة، أم عدة نظريات، مثلما هو ملزم بأن يتطرق إلى بنيتها ووظائفها (ص 66). فالفرق كبير بين تعريف الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل Friedrich Hegel للدولة بأنها "الفكرة الأخلاقية الموضوعية Sittliche Idee في تحققها، وهي الروح الأخلاقية المتجلية بصفتها إرادة جوهرية واضحة لذاتها" (ص 189)، وتعريف السوسيولوجي الفرنسي بيار بورديو Pierre Bourdieu بأنها مجال متمايز يتصارع فيه حائزو أشكال مختلفة من السلط، و"هي صيرورة تركيز للسلطات" (ص 134).
لا تهدف هذه القراءة إلى تلخيص الكتاب، بل مناقشته، ولفت الانتباه إلى بعض وجهات النظر التي تضمنّها، مما لا يمكن إيراده في مقالٍ محدود. فأكثر ما يميّز الكتاب هو اتساع مجاله، وشموله نقاطا كثيرة وكثيفة عن الدولة، وما يتعلق بها من مفاهيم وآراء واجتهادات ومنظّرين، وأشكال وأجيال من الحكام والفاعلين السياسيين. فـ"الدولة مفهوم مجرّد" عند الأولين، أما عند السياسيين فإن "الدول موجودة على شكل مؤسسات، لا تقتصر على مجموع الأفراد الذين يعملون فيها أو الذين انتخبوها، بل هي قائمة في حد ذاتها بصلاحياتها وسلطاتها وقواعدها" (ص 15).
يركز بشارة على "مسألة الدولة"، من أجل الحاجة إلى "التفريق بين الدولة في الفهم التقليدي والدولة الحديثة، انطلاقًا من الدولة بوصفها نتاج صيرورة تمايزاتٍ في وظائف السلطة ومؤسساتها، إلى كونها مشتركًا مؤسساتيًا بين الحاكمين والمحكومين" (ص 14).
* هذه المراجعة منشورة في العدد 68 ( أيار/ مايو 2024) من دورية "
سياسات عربية" وهي دورية محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل شهرين.