/ACRPSAlbumAssetList/2024-daily-images/us-elections-2024-second-trump-term.png
دراسات 23 نوفمبر ، 2024

انتخابات 2024: من عوامل فوز ترامب وحتى سياساته. هل من جديد؟

عزمي بشارة

المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا. مُفَكِّر وباحث عربي. نُشر له العديد من الكتب والدراسات والبحوث بلغات مختلفة في الفكر السياسي، والنظرية الاجتماعية، والفلسفة. ومن أبرز مؤلفاته باللغة العربية: المجتمع المدني: دراسة نقدية (1996)؛ من يهودية الدولة حتى شارون (2004)؛ في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي (2007)؛ أن تكون عربيًّا في أيامنا (2009)؛ في الثورة والقابلية للثورة (2012)؛ الدين والعلمانية في سياق تاريخي (جزآن في ثلاثة مجلدات 2013، 2015)؛ الجيش والسياسة: إشكاليات نظرية ونماذج عربية (2017)؛ تنظيم الدولة المكنى 'داعش': إطار عام ومساهمة نقدية في فهم الظاهرة (2018)؛ في الإجابة عن سؤال ما الشعبوية؟ (2019)؛ الانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة (2020)؛ مسألة الدولة: أطروحة في الفلسفة والنظرية والسياقات (2023) والجزء الثاني من هذا الكتاب بعنوان الدولة العربية: بحث في المنشأ والمسار (2024)، ومنها كتبٌ أصبحت مرجعيةً في مجالها. صدر له مؤخرًا قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة (2024)، وهو ترجمة لكتابه الصادر باللغة الإنكليزية بعنوان Palestine: Matters of Truth and Justice (2022) عن دار نشر هيرست Hurst في لندن؛ وصدر معه بالتوازي كتاب الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة (2024).

نُشر له العديد من المؤلفات باللغة الإنكليزية منها كتاب On Salafism: Concepts and Contexts (2022) عن دار نشر جامعة ستانفورد؛ وكتاب Sectarianism without Sects (2021) عن دار نشر جامعة أوكسفورد. كما نُشرت له ثلاثية الثورات العربية باللغة الإنكليزية عن دار نشر I.B. Tauris، والتي تُعدّ مُساهمة تحليليّة نظريّة إضافة إلى كونها تأريخًا وتوثيقًا للثورات العربية التي اندلعت عام 2011 في ثلاث دول عربية: تونس، ومصر، وسورية، وهي:

 Understanding Revolutions: Opening Acts in Tunisia  (2021); Egypt: Revolution, Failed Transition and Counter-Revolution (2022); Syria 2011-2013: Revolution and Tyranny before the Mayhem (2023).


مقدمة

حظي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بكنًى عديدة تبدأ بـ "أول من"؛ فهو أول من عاد إلى الرئاسة بعد أن خسرها، وذلك منذ عام 1892، حين انتُخِب الرئيس جروفر كليفلاند Grover Cleveland (1885–1889 و1893–1897)، رئيسًا مرةً أخرى بعد أن خسر في الانتخابات. وهو ابن الثمانية والسبعين عامًا، ومن ثمّ فهو أيضًا أكبر مرشح سنًّا يُنتخب رئيسًا؛ أي إنه أعتى عمرًا مما كان عليه الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن حين انتُخِبَ عام 2020. وهو أول رئيس أميركي يُنتَخَب بعد إدانته بتهم جنائية، وأول رئيس جمهوري يكسب الانتخابات على مستوى المجمع الانتخابي والتصويت الشعبي، أي ما يسمّى الأصوات الشعبية Popular vote، منذ 20 عامًا حين كسب جورج بوش الابن عام 2004 الانتخابات. وإذا أُخذت حالته الذهنية والنفسية والأخلاقية في الاعتبار، فسوف يضاف عددٌ لا حصر له من صفات هو "أول من" يتصف بها مقارنةً بغيره من الرؤساء. ولذلك، فهو محقّ باعتبار فوزه في ظل هذه المعطيات غير مسبوق، "لم يشهد أحدٌ مثله من قبل" بحسب تعبيره Like nobody's ever seen before"[1]".

لقد تعامل الساسة والإعلاميون مع ترامب بوصفه رئيسًا للولايات المتحدة منذ ظهور نتائج الانتخابات، لأن الرئيس الجالس في البيت الأبيض عاجزٌ عن القيام بأي فعل ذي قيمة حتى مغادرته بعد أداء ترامب القسم الرئاسي، يوم 20 كانون الثاني/ يناير 2025. وعلى الرغم من تصديق الولايات على نتائج الانتخابات رسميًا وفقًا للقانون حتى يوم 11 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وانعقاد المجمع الانتخابي في 17 كانون الأول/ ديسمبر، أصبحت هذه المراسم مجرد شكليات في غياب أيّ اعتراضات على فوز ساحق كهذا.

لقد أُشبِعَت التوقعات من الرئيس القديم/ الجديد تحليلًا وترجيحًا وتخمينًا. والآراء تتباين تحت سقف إجماع على توقّع حصول تغيير فعلي في السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. فللمرشح الفائز توجهات معلنة، ولا مسوّغ لعدم أخذها بجدية بعد حسم الجزء الدعائي الانتخابي المحض منها. إنّ الفوز على مستوى المجمع الانتخابي والمستوى الوطني (بفارق 1.7 في المئة)، وفي ظروف خسارة الانتخابات السابقة، وقناعة أوساط واسعة من مؤيدي الفائز أن فوز الخصم (بايدن) في الانتخابات السابقة لم يكن مستحقًا، وبعد فوز الحزب الجمهوري بالأكثرية في مجلسَي الكونغرس الأميركي[2]، يجعل التعامل باستخفاف مع أجندات ترامب المعلَنة نوعًا من الخفّة.

مع هيمنة الرئيس المنتخب البيّنة على الحزب، المسيطر على مجلسَي الكونغرس، وبوجود أغلبية يمينية كبيرة في المحكمة العليا بعد أن عيّن ترامب ثلاثة من أعضائها في فترة رئاسته السابقة، يمكن ترجيح أنّ آليات الضوابط والتوازنات Checks and balances التي تحافظ على نوع من الرقابة المتبادلة بين السلطات وتحول دون تغول إحداها (ولا سيما السلطة التنفيذية) سوف تصاب بشلل نسبي، وأن الرئيس الأميركي المنتخَب - وإن لم يكن مُطلَق الصلاحيات ولا دكتاتورًا - قادرٌ على تمرير جزء كبير من أجندته. وهذا هدفه من تباهيه بأنه حصل على تفويض شعبي متين وغير مسبوقAmerica has given us an unprecedented and powerful mandate[3]. لن تحتمل المؤسسات الأميركية والنظام الدولي القائم منذ الحرب العالمية الثانية تنفيذ كل ما وعد به ترامب جمهوره الشعبي في الحملات الانتخابية الحاشدة بسهولة، ولن تمرّره بيسر، ولا سيما أن بعض البنود متناقض مع غيره في الأجندة ذاتها، أو غير قابل للتطبيق؛ لكنه سوف ينفّذ قسمًا كبيرًا من وعوده على أيّ حال. ولا يستند التفكير المفضي إلى هذا الاستنتاج إلى الحملة الانتخابية بقدر ما يقيسه على تجربة الماضي، ويجريه على ما يُعرَف عن رجالات إدارته المعيَّنين ومستشاريه الأقربين. وفي الذاكرة دورةُ حكم سابقة لهذا الرئيس طبّق خلالها بعضًا من وعوده بمراسيم رئاسية. وعلى الرغم من تنصّله من العلاقة المباشرة مع "مشروع 2025" الذي يشتمل على خطة شاملة لإعادة هيكلة الحكومة الفدرالية الأميركية، والذي صيغ في إطار مؤسسة "هيريتيج" Heritage Foundation المحافظة[4]، وهو بالفعل برنامج متطرّف جدًا، فإنه لا يصحّ تجاهل دوران الذين صاغوه في فلكه وبالقرب منه.


[1] “Donald Trump's Victory Speech in Full: Transcript,” Newsweek, 6/11/2024, accessed on 19/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPN4

[2] تمكّن الجمهوريون من استعادة الأغلبية الحزبية في مجلس الشيوخ بعد خسارتها عام 2021، وذلك بفوزهم بأربعة مقاعد كانت تحت سيطرة الديمقراطيين في أوهايو وفرجينيا الغربية وبنسلفانيا ومونتانا. وانتُخب جون ثون John Thune، السيناتور الجمهوري، عن ولاية داكوتا الجنوبية، لمنصب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ للعامَين المقبلَين ليحلّ محل ميتش ماكونيل Mitch McConnell الذي يتنحى في كانون الثاني/ يناير 2025. ويُعتبر ثون أحد الحلفاء المقرّبين من ماكونيل. واحتفظ الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس النواب بحسب النتائج التقديرية بحصوله على الـ 218 مقعدًا من المقاعد اللازمة للاحتفاظ بالسيطرة من أصل 435 مقعدًا. وصرّح مايك جونسون Mıke Johnson، النائب الجمهوري عن ولاية لويزيانا والحليف المقرب لترامب، الذي أصبح رئيس مجلس النواب في العام الماضي، عن نيته البقاء في هذا المنصب. ينظر:

Lauren Fedor, “US Midterm Elections 2024: Senate Results,” Financial Times, 14/11/2024, accessed on 17/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zPVz;

يمنح الفوز بأغلبية مجلسَي الكونغرس لصالح الجمهوريين ترامب سيطرة أكبر، ويحدده بقيود أقل من فترة رئاسته الأولى، بما في ذلك إشغال المناصب الوزارية وتعيين قضاة جدد في المحكمة العليا، وكذلك في تطبيق برنامجه والتأثير في التشريعات التي تتعلق بالإنفاق والضرائب. من الجدير بالذكر أن ترامب واجه خلال فترة رئاسته الأولى معارضة من الجمهوريَين ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، وبول رايان Paul Ryan رئيس مجلس النواب، على الرغم من أن مجلس شيوخ بقيادة ماكونيل في حينه صدّق على 234 من مرشحيه بينهم ثلاثة قضاة للمحكمة العليا. ويرجح البعض أن وجود أعضاء مستقلين في المجلس وكذلك جمهوريين معتدلين أمثال سوزان كولينز Susan Collins وليزا موركوسكي Lisa Murkowski قد يعرقل تنفيذ بعض خططه؛ حيث من المتوقع أن يواجه تحديات في الموافقة على المناصب العليا. ينظر:

“What a Republican Trifecta will Mean for Governing,” The Economist, 7/11/2024, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQ28

[3] “Donald Trump's Victory Speech in Full: Transcript.”

[4] ينظر الموقع الرسمي للمشروع: www.project2025.org؛ وموقع مؤسسة "هيريتيج":

“Project 2025,” The Heritage Foundation, 31/1/2023, accessed on 16/11/2024, at: https://acr.ps/1L9zQar