مقدمة
شكّل الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024 نقطة انعطاف مهمة في التاريخ السوري الحديث، بل في المنطقة بأسرها. فمع سقوط نظام عائلة الأسد، الذي حكم أكثر من نصف قرن، انتهت مرحلة وبدأت أخرى جديدة سِمَتها الأساسية اللايقينية، حيث تكثر العوامل الداخلية والخارجية ذات النتائج المختلفة التي تؤثّر في المسار السوري. ويتزامن ذلك مع ضعف مؤسساتي شديد وانهيار اقتصادي عميق، ناجمَين عن أربعة عشر عامًا من الصراع والأزمات المتلاحقة.
وفي وقت تشتد فيه الحاجة إلى تضافر الجهود الإقليمية والدولية للمضي قُدمًا في مرحلة تعافي سورية وإعادة إعمارها، جاءت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتدقّ ناقوس الخطر فيما يتعلق بأحد أهم التدفقات المالية في الاستجابة للأزمة السورية. ومع انهيار نظام الأسد، كان السوريون يترقبون زيادةً في تدفّق المساعدات الدولية إلى بلادهم، وتغيّرًا في طبيعتها، بحيث يطغى فيها الطابع التنموي على الإنساني، على نحو يتجاوز مفهوم "التعافي المبكر" Early Recovery الذي ساد نقاشات مجتمع المانحين بخصوص الشأن السوري خلال السنوات العشر الماضية؛ أي منذ صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. لكن قرارات ترمب جاءت لتبدّد هذا التفاؤل، وتعرقل جهود إعادة الإعمار حتى مع إعلان الإدارة الأميركية مؤخرًا نيتها العمل على رفع العقوبات عن سورية.
وعلى الرغم من أن هذا التعليق قد يكون مؤقتًا، فإن المستوى العالي من اللايقينية، الذي يميز ما يُعرف بـ "الترمبية" Trumpism، يجعل من الصعب التنبؤ بإمكانية عودة التمويل الأميركي إلى الاستجابة للأزمة السورية. وإضافة إلى ذلك، صرّحت منظمات إغاثية عديدة أنه حتى في حال تلقّيها تأكيدًا أن عملها مشمول بالإعفاء، فإن تمويلها قد توقّف، أو أنها غير قادرة على الاستمرار في العمل من دون درجة عالية من اليقين بشأن حصول موظفيها على أجورهم في المستقبل. وبناءً عليه، فإنه من المفيد التعمق في قراءة تداعيات إيقاف، وليس تعليق المساعدات الأميركية في السياق السوري الحالي فحسب.