العنوان هنا
دراسات 20 مايو ، 2013

المعارضة المسلّحة السوريّة: وضوح الهدف وغياب الرؤية

مروان قبلان

مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، ومسؤول برنامج الدراسات الدبلوماسية والتعاون الدولي في معهد الدوحة للدراسات العليا. شغل سابقًا منصب عميد كلية العلاقات الدولية والدبلوماسية في جامعة القلمون في سورية. وعمل أستاذًا للسياسة الدولية في جامعة دمشق، ومحاضرًا في قسم السياسة الدولية بجامعة مانشستر في بريطانيا. كان باحثًا زائرًا في جامعة كولومبيا بنيويورك (2007-2008). وعمل مستشارًا في الشؤون الدولية في عدد من الهيئات والمؤسسات البحثية العربية والإقليمية. له عدة كتب وأبحاث منشورة باللغتين العربية والإنكليزية في قضايا السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، منها: Syrian Foreign Policy and the United States: From Bush to Obama (السياسة الخارجية السورية والولايات المتحدة: من بوش إلى أوباما)؛ Iran-Iraq-Syria: Shocks and Rivalries in Triadic Pattern (إيران-العراق-سورية: صدمات وصراعات في النمط الثلاثي).

تستعرض هذه الدراسة التنظيمات العسكرية السورية المختلفة التي تنشط حاليًّا ضد النظام السوري، وتناقش الظروف التي أدت إلى تشكيلها إضافة إلى طبيعتها الفكرية والسياسية، وارتباطاتها، والجهات التي تمولها. وترى الدراسة أنه يمكن القول، بشكل عام، إن هذه التنظيمات تنقسم إلى تيارين رئيسين: تيار ذو توجهات علمانية، وآخر ذو توجهات إسلامية. وترى الدراسة أن العفوية قد لازمت نشأة هذه التشكيلات العسكرية المختلفة، كما أن تشكيلها جاء ردّة فعلٍ على عنف النظام، أكثر منه فعلاً سياسيًّا مقصودا. يضاف إلى ذلك، أن تصدي فئاتٍ غير متعلمة لمهمة تشكيل معظم قيادات هذه التشكيلات العسكرية وقياداتها قد أسهم في عدم وضوح الرؤية لدى أغلبها. تمثل هذه الدراسة محاولةً لتقديم إسهامٍ لسد النقص في الدراسات الأكاديمية، المكتوبة باللغة العربية، حول المعارضة السورية المسلحة.

مقدمة

بعد مرور ما يربو على العامين على انطلاقة الثورة السوريّة، وأكثر من عام على تحوّلها إلى انتفاضة مسلّحة تهدف إلى إسقاط النظام عسكريًّا، بعد أن فشلت في إزاحته سلميًّا، بدأت تتّضح خريطة التشكيلات العسكرية للمعارضة السوريّة. وعلى الرغم من أنّ هذه التشكيلات ما زالت تفتقر في معظمها إلى بنية متماسكة أو سلطة مركزية قادرة على توحيدها، وأنّ أعدادها تتزايد حتى أصبحت تعدّ بالمئات، فإنّه يمكن التمييز بين تيّارين رئيسين في المعارضة المسلّحة السوريّة هما: التشكيلات العسكرية ذات النزعة العلمانية، وهي مرتبطة أو منضوية في معظمها تحت لواء ما أخذ يطلق عليه اسم "الجيش السوري الحر"، والكتائب والألوية ذات الاتّجاهات الإسلامية[1].

يتناول هذا البحث أهمّ تشكيلات المعارضة العسكرية السوريّة الفاعلة على الأرض، ويحاول استقصاء نشأتها والظروف التي أدّت إلى ظهورها، كما يسعى لرصد اتّجاهاتها وجهات تمويلها والعلاقة بين مختلف مكوّناتها. وأخيرًا، يسعى لإلقاء الضوء على سيناريوهات تطوّر العلاقة بين جماعات المعارضة المسلّحة وتبعات ذلك على مسار الثورة السوريّة ومستقبل سورية كلّها. ويخلص البحث إلى أنّ هذه التشكيلات لها هدف واضح، وتتّفق جميعها على التخلص من النظام الاستبدادي، لكنّها تختلف على كل شيء آخر خلاف ذلك، بما فيها هوية الدولة المستقبلية ونظامها السياسي. إنّ العفوية التي رافقت نشأة معظم هذه التشكيلات، وكونها جاءت كرد فعلٍ أكثر منها فعلًا سياسيًا مقصودًا على عنف النظام، فضلًا عن تصدي فئات غير متعلمة لمهمة تشكيل معظمها وقيادتها، كل ذلك ساهم في عدم وضوح الرؤية لدى أغلبها. وبتسليط الضوء على هذه الجوانب، يكون البحث قد ساهم في سدِ ثغرةٍ أساسيّةٍ في الدراسات الأكاديمية التي تتناول المعارضة المسلحة السوريّة باللغة العربية.

 

* هذه الدراسة منشورة في العدد الثاني من دورية "سياسات عربيّة" (أيار/مايو - حزيران/يونيو 2013)، وهي دورية محكّمة تعنى بالعلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة والسياسات العامّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.

 


[1]   حدد هذا البحث في مسودته الأولى تيارًا ثالثًا، وهو فئة المقاتلين الأجانب، لكنّ معظم هؤلاء - على قلة عددهم كما بينت دراسات وتقارير استخباراتية عديدة - ينضوي أيديولوجيًا وينشط عملياتيًّا في إطار الكتائب والألوية الإسلامية. من المهم أيضًا الإشارة إلى أنّ هذا البحث لا يسعى لحصر فصائل المعارضة المسلحة السوريّة، لأنّ عددها كبير، ويتجاوز 600 فصيل، وفقًا لبعض التقديرات، بل يركّز على أكثرها أهمية وفاعلية، وبما يخدم غرض الدراسة. ولا يفوت الباحث في هذه المناسبة أن يعبّر عن امتنانه لمجموعة من الناشطين الميدانيين لما بذلوه من جهد في إنجاز هذه الدراسة، والذين يتعذر ذكر أسمائهم لأسباب أمنية.