عقدت وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمرها السنوي الخامس بعنوان "استراتيجيات الدفاع للدول الصغيرة والقوى الأصغر: التكيفات التكتيكية والابتكارات العملياتية" في الفترة 23-25 شباط/ فبراير 2025، بمشاركة 36 باحثًا وأكاديميًا وخبيرًا ممارسًا من 28 دولة حول العالم. ودرس المؤتمر مجموعة التحديات الأمنية والاستجابات المتاحة للدول الصغيرة والفاعلين غير الدولتيين في 30 دولة صغيرة وحالة دراسية. وبالاستفادة من دراسات الحالة المقارنة والإقليمية – من منطقة البحر الكاريبي إلى جنوب شرق آسيا، بما في ذلك الخليج والشرق الأوسط الأوسع – حلل المشاركون الطبيعة المتغيرة لممارسات الدفاع في الدول الصغيرة والوسائل المبتكرة التي تستخدمها لمواجهة التهديدات الأمنية.

قدّم المؤتمر تحليلا متعدد المستويات – من الابتكارات التكتيكية إلى التحوّلات الاستراتيجية – يربط بين الخبرات الميدانية في الخطوط الأمامية والنقاشات الأكاديمية الأوسع نطاقًا حول بناء التحالفات، والتعبئة، ودور القوى غير الدولتية العابرة للحدود، والعوامل الأخرى المؤثرة في دفاع الدول الصغيرة. كما طرح المؤتمر منظورات مقارنة مستمدة من الجيوش النظامية للدول الصغيرة (أو الأصغر) والقوى غير الدولتية اللانظامية، ما يبيّن كيف تُنتج التحديات المتشابهة – مثل القوى البشرية المحدودة، أو الموارد الاقتصادية، أو النفوذ الجيوسياسي – تكيّفات استراتيجية متنوعة ومفاجئة في بعض الأحيان، وابتكارات عملياتية وتكتيكية. وعالج المشاركون طرق تأطير هذه التطورات لأجندات السياسات الدفاعية الاستراتيجية، والمساهمة في صياغة مواقف الأمن الوطني والإقليمي، وتحويل البنى الأمنية الإقليمية والدولية وكذلك عقائد الدفاع.

الجلسة الافتتاحية

ضمّت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، التي ترأّسها عبد الوهاب الأفندي، رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، مداخلتين قدّمهما أنتوني كينغ، أستاذ دراسات الحرب والأنثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة إكستر، وعمر عاشور، أستاذ الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد الدوحة. في مداخلة بعنوان "الدول الصغيرة في الحروب الحديثة: دور الحرب الحضرية والذكاء الاصطناعي في استراتيجيات الدفاع"، تطرّق كينغ إلى التحديات الماثلة أمام الدول الأصغر حجمًا في العصر الحالي، في ظل التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، مركزًا على دور الحرب الحضرية والذكاء الاصطناعي في صياغة استراتيجية دفاعية للدول الأصغر، مع التطرّق إلى الحالة الأوكرانية.

أمّا عاشور، فهدف في مداخلته "الدفاع الهجين للدول الصغيرة والقوات الأصغر: دروس في الفاعلية القتالية من أوكرانيا وغزة"، إلى الإجابة عن سؤال بحثي رئيس: إن فشلَ الردعُ وتعثرت الدبلوماسية، كيف يمكن الدول الصغيرة أن تدافع عن نفسها في مواجهة خصوم أكبر، متفوقين عليها في العدد والعدة والعتاد؟ وذلك من خلال مفهمة "الدفاع الهجين"، وربطه بمفاهيم "الفاعلية العسكرية" و"الفاعلية القتالية"، ثم تحليل بعض فنون العمليات والتكتيكات التي توظِّفها القوات الأصغر نسبيًا، في حالتَي القوات العسكرية والأمنية الأوكرانية، وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.

غزة ودروس الدفاع

ترأّست الجلسة الأولى من المؤتمر، آيات حمدان، الباحثة في المركز العربي، وكان محورها "الصمود الاستراتيجي: غزة ودروس الدفاع"، وشارك فيها أربعة باحثين. قدّم بلال محمد شلش، الباحث في المركز العربي، ورقةً بعنوان "’طليعة تصنع التاريخ’: تنظيمات المقاومة الفلسطينية بوصفها قوى أصغر (1965-2025)"، تتبّع فيها التطوّر التاريخي للمقاومة الفلسطينية، من لحظتها الثورية الجديدة في عام 1965 إلى تجربتها الأخيرة داخل الأرض المحتلة خلال العقود الثلاثة الماضية، بوصفها قوى صغيرة، مبينًا أن أدبياتها المبكرة، على اختلاف توجهات تنظيماتها وخلفياتها ومراحل نشاطها، عكست نظرتها إلى نفسها، وأهدافها القريبة والبعيدة، ودورها التنفيذي، انطلاقًا من كونها "قوى أصغر" في مواجهة المشروع الاستعماري في فلسطين.

وتناول محمود محارب، الباحث في المركز العربي، في ورقته "قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي: أسباب تراجعها عددًا ونوعيةً"، أهمية قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، ودورها المهم في الحروب التي خاضتها إسرائيل بعد حرب عام 1948، في الأعوام 1956 و1967 و1973 و1982، متتبعًا العوامل التي قادت، في العقود الثلاثة الأخيرة، إلى تراجع دور قوات الاحتياط ومكانتها في الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى تراجع جاهزيتها للقتال وتدنّي مستواها القتالي.

أمّا مجد أبو عامر، الباحث في المركز العربي، فعرض في ورقته "كيف تدافع حماس؟ التكتيكات القتالية والابتكارات العملياتية في حرب غزة 2023-2024"، استراتيجيات الدفاع التي اتبعتها كتائب الشهيد عز الدين القسّام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس") بوصفها قوة أصغر منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مع رصد تكتيكاتها القتالية وفاعليتها، بالتركيز على دور الأنفاق التي وظّفتها قوى المقاومة الفلسطينية أداةً عملياتية زادت من فاعليتها القتالية، متغلبةً على معضلة جغرافيا غزّة الصغيرة والمحاصرة وعدم امتلاك منظومة دفاع جوّي من جهة، وعلى التفوّق العسكري والاستخباراتي ووسائل المراقبة الإسرائيلية، من جهةٍ أخرى.

وفي ورقة بعنوان "حزب الله: مرونة مقاومة إسلامية"، ركّز بشير سعادة، المحاضر في السياسة والدين في جامعة ستيرلنغ، على أهمية الاستشهاد بالنسبة إلى حزب الله اللبناني، ليس فقط لتعزيز هوية أو ثقافة دينية معينة، بل أيضًا في غرس آثار عملية ولوجستية وعسكرية مهمة، والتي مكّنت الحزب من الاستمرار في مواجهة عملية عسكرية جوية وبرية إسرائيلية، من دون أن يتوقف عن إطلاق الصواريخ في شمال فلسطين، رغم الاختراق المعلوماتي الهائل الذي حققته إسرائيل، واغتيال أمينه العام إلى جانب غالبية قادته العسكريين.

دور المرأة في القوات المسلحة الأصغر

عُقدت الجلسة الثانية، التي ترأّستها عائشة البصري، الباحثة في المركز العربي، بعنوان "النساء في المواجهة: دور المرأة في القوات المسلحة الأصغر"، وتضمنت أربع مداخلات، افتتحتها يارا نصّار، الباحثة في المركز العربي، بورقة عنوانها "المرأة في المقاومة المسلحة الفلسطينية: سير ومسارات"، تتبعت خلالها تطور دور المرأة الفلسطينية في المقاومة المسلحة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي منذ انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965، وخاصةً في الفترة التي تلت نكسة عام 1967، التي شهدت انخراطًا مباشرًا للنساء في العمليات العسكرية، مع التطرق إلى دور الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في تدريب النساء وتنظيمهن.

ثم قدّمَت فاطمة النعيمي، الباحثة والمحللة في وزارة الدفاع القطرية، ورقة بعنوان "دور المرأة في القوات المسلحة القطرية: الإمكانات والتحديات"، تناولت فيها تجربة النساء في القوات المسلحة القطرية، مبينةً الأسباب التي دفعت قطر إلى إدماج المرأة في قواتها المسلحة، ومدى تأثير وجودها في فاعلية التنظيم العسكري، ومن ثم قدمت رؤى حول كيفية تعزيز الكفاءة الشاملة من خلال الاستفادة من المهارات والخبرات المختلفة التي تقدمها النساء.

بينما حللت ماريا شيخ، الباحثة الأوكرانية وإحدى المدافعات عن مدينة ماريوبول، في ورقتها "المرأة في القوات المسلحة الأوكرانية: التطور والتحديات والخبرة الميدانية"، الإدماج المتسارع للنساء في القوات المسلحة الأوكرانية، مع التركيز على تطور العقيدة القتالية، والتعقيدات العملياتية، استنادًا إلى البيانات الميدانية المباشرة والمراقبة الميدانية. وبيّنت تفوّق النساء في المهمات الحساسة، من قبيل عمليات القنص، وتحقيق الاستقرار الطبي في الخطوط الأمامية، وزيادة بسط القوة، وتعزيز وتيرة العمليات.

وخُتمت الجلسة بورقة قدّمتها إيفانا كوفاسيفيتش بيكيتش، باحثة دكتوراه في الإعلام والاتصالات في جامعة الشمال في كرواتيا، عنوانها "المرأة في منظومة الدفاع الكرواتية"، حللت فيها عدد النساء في مؤسسات الدفاع في كرواتيا ومكانتهن وحقوقهن، ومساهمتهن في الدفاع عن بلادهن، واللواتي يشكّلن 14 في المئة من قوام الجيش الكرواتي.

استراتيجيات الدفاع لدول الخليج العربية

بحثت الجلسة الثالثة للمؤتمر، التي ترأّسها حيدر سعيد، رئيس وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي، موضوع التكيّفات والابتكارات المتعددة المجالات التي تتبعها دول الخليج لتعزيز أمنها. وقدّم طلب الفليج، فريق ركن متقاعد في القوات المسلحة الكويتية، ورقة عنوانها "استراتيجية الدفاع الكويتية: نحو عقيدة عسكرية تتجاوز التحديات"، تناول فيها التحديات التي تواجهها الكويت بوصفها دولة صغيرة تقع بين دول تكبرها من حيث المساحة وعدد السكان والإمكانيات كيفًا وكمًا. ثم ناقش بنية القوات المسلحة الكويتية والهيكلية التي يجب أن تكون عليها، وفلسفة التدريب الذي يفترض أن تحظى به القوات في مثل هذه الظروف على المستوى التكتيكي، بهدف تطوير عقيدة قتالية تعالج التحديات الكبيرة، في سبيل الحفاظ على كيان الدولة وسيادتها وسلامة أراضيها.

وفي ورقة بعنوان "المرونة الاستراتيجية لسلطنة عمان"، حلل محمد بن سعيد الفطيسي، المحاضر في كلية الحقوق في جامعة البريمي، الاستراتيجية الدفاعية لسلطنة عُمان، وكيفية تعاملها مع محيطها الإقليمي الملتهب بالأزمات، مثل الملف النووي الإيراني، والصراع في اليمن، والقرصنة البحرية، والتحدّيات المستجدة مثل الإرهاب، وعمليات المناطق الرمادية، وغيرها من التهديدات، من خلال ما وصفه الباحث بالحذر والمرونة (التكيف التكتيكي العملياتي) القائمَين على تطوير المجالات السيبرانية والفضائية، وتعزيز القدرة والثقل الدبلوماسي (القوة الناعمة).

أمّا خليفة الكواري، عضو هيئة التدريس في أكاديمية شرطة قطر، فتناول في ورقته "الدفاع السيبراني لدول الخليج الصغيرة: حالتا قطر والإمارات العربية المتحدة"، كيفية تعامل الدول الخليجية الصغيرة، خاصةً قطر والإمارات العربية المتحدة، مع المشهد القانوني المعقّد للدفاع السيبراني، من خلال عدسة القانون الدولي، مبينًا أنّه على الرغم من قيود الموارد، فقد أنشأت الدولتان آليات قانونية متطوّرة للدفاع السيبراني، مع ما تواجهانه من تحدياتٍ مستمرة في مجالات مثل الإسناد والتنفيذ.

وفي السياق نفسه، قدّم راشد المهندي، الخبير في صناعة الدفاع والمستشار في مجال المخاطر الجيوسياسية، في ورقته "من مشترين إلى مطوّرين: سعي دول مجلس التعاون لصناعات دفاعية محلية"، نظرة عامة على صناعات الدفاع في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، محللًا السياسات والاستثمارات الخليجية في الصناعات الدفاعية، خاصةً في المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، مع النظر في المبادرات المحدودة لسلطنة عُمان والكويت.​

أوكرانيا ومعضلات القوات الأصغر

ضمّت أعمال اليوم الثاني للمؤتمر ثلاث جلسات، خُصصت لبحث حالات أوكرانيا، وإستونيا، وقطر، والكويت، وجورجيا، وأذربيجان، وأرمينيا، بمشاركة عشرة باحثين.

عُقدت الجلسة الرابعة للمؤتمر بعنوان "جبهة شرقية؟ أوكرانيا ومعضلات القوات الأصغر"، ترأستها كريستينا باشين، أستاذة مساعدة في الصحافة في جامعة نورثويسترن في قطر، وشارك فيها أربعة باحثين. قدّم فياتشيسلاف سيمينينكو، أستاذ في الأكاديمية العسكرية الأوكرانية، ورقة بعنوان "أوكرانيا: الحرب في المجالين البري والجوي"، تناول فيها استراتيجيات أوكرانيا في التقليل من التفوّق الروسي في العمليات البرية والجوية، بوصفها الدولة الأصغر حجمًا والطرف المدافع في الحرب، مع التركيز على التكيّفات التكتيكية والابتكارات العملياتية التي نفّذتها وحدات النخبة في القوات المسلحة الأوكرانية، وتأثير الاستخدام الواسع النطاق للمسيّرات.

أمّا هانا شيلست، مديرة دراسات الأمن وبرامج التواصل العالمي في مجلس السياسة الخارجية Ukrainian Prism، فقد ركّزت في ورقتها "قوة عدم التناظر: استراتيجية أوكرانيا البحرية نموذجًا لدفاع الدولة الصغيرة"، على استراتيجيات الدفاع البحري المبتكرة للدول الصغيرة، من خلال دراسة حالة الهجوم المضاد الناجح الذي شنّته أوكرانيا ضد القوات البحرية الروسية في البحر الأسود، على الرغم من عدم امتلاكها أسطولًا تقليديًا، بل باستخدام المسيّرات البحرية والمركبات السطحية والتكتيكات المبتكرة للحرب غير المتناظرة.

وفي السياق نفسه، بحث أوليكساندر بوغومولوف، أستاذ اللسانيات العربية في أوكرانيا، في ورقته "كيف تدافع أوكرانيا؟ من مرونة المجتمع إلى الدفاع المتكامل"، استراتيجية الدفاع الشامل التي اتبعتها أوكرانيا عقب الحرب الروسية، وكيفية تمكّن القوات الأوكرانية، بحلول نهاية عام 2022، من تحرير 50 في المئة من أراضيها التي احتلتها روسيا بسبب نوعية قواتها والدعم العسكري من الدول الشريكة.

وأخيرًا، انتقل هنريك براكس، زميل باحث في برنامج الأمن والمرونة في المركز الدولي للدفاع والأمن ICDS، في ورقته "دفاع الدولة الصغيرة: منظور إستوني"، إلى حالة إستونيا، موضحًا أنه وفقًا لموقعها الجيوسياسي، فإنها لا تستطيع بناء أمنها العسكري على أساس الردع التقليدي فحسب، بل يتعيّن عليها بوصفها دولة صغيرة أن تكون مستعدة لوقف العدوان على نحو حاسم باستخدام كافة موارد الدولة وحلفائها، بما في ذلك إشراك جميع مؤسسات الدولة والمواطنين.

نهج قطر في الدفاع والأمن

عُقدت الجلسة الخامسة التي ترأسها راشد حمد النعيمي، قائد مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للقوات المسلحة القطرية، بعنوان "الدفاع الذكي: نهج قطر في الدفاع والأمن"، وشارك فيها ثلاثة باحثين. افتتح خالد الخليفي، دبلوماسي وأكاديمي متخصص في العلاقات الدولية، الجلسة بورقة عنوانها "القوة الذكية للدول الصغيرة: دراسة معمقة حول بناء التحالفات واستراتيجيات الردع لدولة قطر"، حاجّ فيها بأن الفهم العقلاني للقوة الذكية للدول الصغيرة وإمكانية تطبيقها مسألة ضرورية لتعزيز الأمن والسلم الدوليَّين، وتطرّق إلى دور قطر، بوصفها دولة صغيرة، في بناء القدرات والتحالفات لإعادة السلام والاستقرار وتعزيز العلاقات مع المجتمع الدولي.

وقدّمت دانة علي العنزي، باحثة أولى في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية في الكويت، ورقة عنوانها "استراتيجية القوة الناعمة للدول الصغيرة: دراسة مقارنة بين الكويت وقطر"، ناقشت فيها كيفية توظيف الدول الصغيرة استراتيجيات القوة الناعمة، لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، في إطار التحديات الجيوسياسية التي تواجهها، مقارنةً بين أدوات القوة الناعمة التي تعتمدها الكويت وقطر، بما في ذلك الدبلوماسية، والإعلام، والتعليم، والرياضة، والمساعدات الإنسانية.

وخُتمت الجلسة بورقة قدّمها عبد الرحمن سعيد الكواري، باحث دكتوراه في الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا، عنوانها "الدرك خيارًا استراتيجيًا: تعزيز القدرات الدفاعية القطرية في مواجهة تحديات الموارد البشرية"، حاول فيها الإجابة عن سؤال رئيس: كيف يمكن أن تحوّل دولة قطر قوات الدرك إلى قوة عسكرية محترفة، تعوّض نقص الموارد البشرية في سياستها الدفاعية؟ فاستعرض الخيارات التي انتهجتها قطر لتعويض النقص في القوة البشرية، وركّز على تقديم استراتيجية مقترحة لاستخدام قوات الدرك بوصفها قوة احتياطية للقوات المسلحة القطرية، وذلك من خلال تحليل تجارب دولية مماثلة.

الدروس الاستراتيجية من حروب القوقاز

بحثت الجلسة السادسة للمؤتمر، التي ترأسها شعبان كرداش، أستاذ باحث في مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، التطورات التكتيكية والدروس الاستراتيجية في سياقات مقارنة من منطقة القوقاز، بمشاركة ثلاثة باحثين. قدّم روبرت هاملتون، رئيس قسم الأبحاث في برنامج أوراسيا التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية، ورقة عنوانها "الحرب الروسية - الجورجية 2008"، تتبّع فيها كيفية تمهيد سلسلة من التحركات الروسية قبل الحرب، إلى جانب أخطاء جورجيا وشركائها، الطريق لانتصار روسيا. فعلى الرغم من أن الوحدات الجورجية كانت أكثر تدريبًا وتجهيزًا من عدوّها، وكانت تنتصر في العديد من الاشتباكات التكتيكية، فإنها لم تكن ندًّا لحجم القوة الروسية التي واجهتها وسرعتها.

وفي ورقة عنوانها "ثلاثي أذربيجان وتركيا وباكستان وحرب كاراباخ"، حلل فاسيف حسينوف، رئيس قسم الدراسات الغربية في مركز تحليل العلاقات الدولية AIR Center في باكو، دور التعاون الثلاثي بين أذربيجان وتركيا وباكستان في جهود أذربيجان لدحر احتلال منطقة كاراباخ، وأثره في استراتيجية الدفاع والتسليح الأذربيجانية قبل حرب كاراباخ الثانية (2020) وأثناءها.

أمّا ليونيد نرسيسيان، زميل باحث في معهد أبحاث الدفاع في أرمينيا، فقد أشار في ورقته "استراتيجية أرمينيا الدفاعية وحرب ناغورنو كاراباخ الثانية"، إلى أنّ القوات المسلحة الأرمنية خضعت لتحولات جذرية بعد الهزيمة العسكرية في حرب ناغورنو كاراباخ الثانية، في محاولة لإنشاء آلية ردع فعّالة ضد أذربيجان. ونظرًا إلى عدم إظهار روسيا ولا منظمة معاهدة الأمن الجماعي - الحلفاء الرئيسون لأرمينيا - أي دعم مُجدٍ، دُفعت البلاد إلى تنويع مجالها الأمني، فبعد عام 2022، أصبح الشركاء الدفاعيون الرئيسون لأرمينيا هم الهند وفرنسا، وكلتاهما تساهم في بناء القدرات وإمدادات الأسلحة.

​اختتمت اليوم، الثلاثاء 25 شباط/ فبراير 2025، أعمال المؤتمر السنوي الخامس لوحدة الدراسات الاستراتيجية بعنوان "استراتيجيات الدفاع للدول الصغيرة والقوى الأصغر: التكيفات التكتيكية والابتكارات العملياتية"، في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وقد تناول فيه 36 باحثًا وأكاديميًا وخبيرًا ممارسًا من 28 دولة، في عشر جلسات، مجموعةً من التحديات الاستراتيجية والأمنية لثلاثين دولة صغيرة وقوات أصغر، دولتية وغير دولتية.

الأمن في شرق آسيا

ترأسَ هاني عوّاد، الباحث في المركز العربي، الجلسة السابعة للمؤتمر، وشارك فيها أربعة باحثين. استهلها فو-كو ليو، الزميل الباحث في معهد العلاقات الدولية IIR في تايوان، بورقة عنوانها "تعزيز قدرة تايوان الدفاعية في مواجهة حرب محتملة في مضيق تايوان"، بحث فيها سُبل تعزيز الأمن الوطني والقوات المسلحة، ما يُملي على تايوان اختيار الأساليب المناسبة لتعزيز القدرات الدفاعية لردع الصراع المحتمل، لا سيما في ظلّ الجهود التي بذلتها في زيادة ميزانية الدفاع وتسريع التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث سعت حكومة الحزب الديمقراطي التقدمي لدفع الأجندة السياسية بعيدًا عن الصين.

وفي ورقة بعنوان "استراتيجية كوريا الجنوبية الدفاعية ومعضلتها: الأولوية للتحالف أم الاعتماد على الذات؟"، تناول إنسو كيم، أستاذ علم الاجتماع في الأكاديمية العسكرية الكورية بكوريا الجنوبية، فوائد وتكاليف الدفاع القائم على التحالف في تحقيق الأمن القومي للدولة الصغيرة، من خلال تحليل الحالة الكورية الجنوبية، باحثًا أولًا التحالف مع الولايات المتحدة من أجل ردع تهديد كوريا الشمالية، وثانيًا السعي لسياسة دفاعية مستقلة.

في حين درس إنبوم تشون، الفريق الأول المتقاعد، في ورقته "القدرات العسكرية لكوريا الشمالية: من شرق آسيا إلى شرق أوروبا"، تدخّل كوريا الشمالية في الصراع الدائر في أوروبا والدعم الموسع لروسيا؛ ما من شأنه أن يعزز القدرات العسكرية لكوريا الشمالية، لا سيما في مجال المسيّرات. وجادل بأنّ هذا التعاون لا يعزز الجهود العسكرية الروسية فحسب، بل يوفّر أيضًا للقوات الكورية الشمالية خبرة عملية في ساحة المعركة.

أمّا الورقة الأخيرة في الجلسة، فكانت بعنوان "الدفاع الشامل في سنغافورة بعد أربعين عامًا: استجابة تطورية للتهديدات الهجينة وغموض المنطقة الرمادية"، قدّمها أونغ ويتشونغ، رئيس برنامج دراسات الأمن القومي في كلية إس راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، مجادلًا بأهمية التركيز على الاستراتيجيات التي تعزز المرونة الوطنية، كما فعلت سنغافورة من خلال الدفاع الشامل ابتداءً من عام 1984، الذي انتهجته لمعالجة التهديدات الهجينة والخصوم الذين يستغلون غموض المنطقة الرمادية.

الدفاع في البلطيق وإسكندنافيا

اشتملت الجلسة الثامنة، التي ترأسها غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، على ثلاث مداخلات، افتتحتها مارغريتا سيسيلجيتي، مديرة معهد العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة فيلنيوس في ليتوانيا، بورقة عنوانها "حماية خط المواجهة: سياسة الدفاع الليتوانية في سياق النفوذ الجيوسياسي الروسي"، ناقشت فيها استراتيجيات الأمن والدفاع في ليتوانيا بوصفها دولة صغيرة، مع التركيز على التفاعل بين سياقها الجيوسياسي، والشراكات مع الحلفاء، وتعزيز القدرات الدفاعية الداخلية، لا سيما مع النفوذ المتزايد للسياسة الخارجية الروسية، حيث ركّزت ليتوانيا على الدفاع الجوي والدفاع الشامل وعمليات الشراء السريعة لمعالجة التهديدات الناشئة.

أمّا سينثيا بروك، نائبة المدير ورئيسة برنامج أبحاث الشرق الأوسط في المعهد اللاتفي للشؤون الدولية، فبحثت في ورقة بعنوان "استراتيجيات الدفاع للدول الصغيرة: تحوّل القوات المسلحة اللاتفية"، تطوّر استراتيجيات الدفاع اللاتفية بعد الاستقلال، مع التركيز على مستويَين استراتيجيَين: التحالفات العسكرية العابرة للحدود الوطنية وجاهزية القوة وبسط القوة، وتحديث لاتفيا لقواتها المسلحة مع التركيز على نماذج الدفاع الهجينة التي تجمع بين القوات المهنية والتجنيد وتعزيز الأمن الوطني.

وختم مايكل فايسمان، المحاضر الأول في علوم أنظمة الدفاع والأمن في جامعة الدفاع السويدية، الجلسة بورقةٍ عنوانها "تحولات التحالف والدفاع في السويد: التغيرات الاستراتيجية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا 2022"، تناول فيها تأثير البيئة الأمنية الجديدة في السويد ما بعد الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا عام 2022، الذي قاد إلى قرارها التاريخي بالتخلي عن سياسة عدم الانحياز العسكري، التي حافظت عليها بأشكال مختلفة مدة 200 عام، وأن تصبح عضوًا في حلف شمال الأطلسي "ناتو".

من البلقان إلى البحر الكاريبي

ترأس أدهم صولي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا وجامعة سانت أندروز، الجلسة التاسعة، التي جمعت أربعة باحثين. استهلّ الجلسة جوردون أكراب، نائب رئيس جامعة الدكتور فرانجو تودجمان للدفاع والأمن في كرواتيا، بورقة عنوانها "كيف انتصرت كرواتيا في حرب الاستقلال؟ تنظيم القوات المسلحة والمجتمع الاستخباراتي وتحولاتهما"، مستندًا إلى خبرته شاهدًا مباشرًا ومشاركًا في تنظيم القوات المسلحة والمجتمع الاستخباراتي بكرواتيا، لشرحِ عددٍ من العمليات والتحولات التي شهدتها كرواتيا أثناء الصراعات المنخفضة والعالية الكثافة.

وفي ورقة بعنوان "المرونة الدفاعية والاستخباراتية الداخلية للدول الصغيرة: كيف تجنبت مقدونيا الشمالية الحرب الأهلية؟"، تناول زوران إيفانوف، الأستاذ المساعد في جامعة TOBB للاقتصاد والتكنولوجيا بتركيا، مزايا الاستراتيجية المترتبة على تكامل الأطر العسكرية والاستخباراتية التي تجنبت اندلاع حرب أهلية في أثناء تصاعد التوترات الإثنية بين المجتمعَين المقدوني والألباني في مقدونيا، مركّزًا على المرونة بوصفها عنصرًا حاسمًا في إدارة الصراعات الداخلية، ومنع الحرب الأهلية في المجتمعات غير المتجانسة إثنيًا.

أمّا رمضان إلازي، رئيس قسم الأبحاث في مركز كوسوفو للدراسات الأمنية، فقدّم ورقةً بعنوان "بناء القوات العسكرية بعد انتهاء الصراع في غرب البلقان: تحليل مقارن لأداء القوات المسلحة في البوسنة والهرسك وجمهورية كوسوفو"، اعتمد فيها تحليلًا مقارنًا لتطوّر القوات المسلحة في البوسنة والهرسك وكوسوفو وبنيتها وأدائها، وتموقعها في سياق أوسع من ديناميكيات الأمن الإقليمي وبناء الدولة بعد الصراع، حيث نظر نقديًا في التطوّر المؤسسي في كِلا البلدين، بما في ذلك الاستعداد العملياتي، وتخصيص الموارد، والالتزام بمبادئ الرقابة الديمقراطية للقوات المسلحة.

وخُتمت الجلسة بورقةٍ عنوانها "تحولات القوات المسلحة الثورية الكوبية وتطوراتها"، قدّمتها روت ديامينت، الأستاذة في جامعة توركواتو دي تيلا في الأرجنتين، لفتت فيها النظر إلى الحاجة إلى دراسة القوات المسلحة الكوبية وتاريخها وتحولاتها ودورها؛ لأنّها الأقل دراسةً في أميركا اللاتينية من جهة، ولضرورة الاعتماد على دعم بعض قطاعات الجيش إذا كان التحوّل نحو نموذج ديمقراطي في كوبا سيحدث من جهة أخرى.

وفي اختتام المؤتمر، قدّم عمر عاشور، مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي، ملاحظات ختامية، مشيرا ​إلى أنّ مخرجات المؤتمر ستُنشر في كتاب بعنوان "دفاع الدول الصغيرة: التحولات الاستراتيجية والتكيفات التكتيكية"، يجمع فصولًا مختارة من الأوراق المشاركة، يصدره المركز العربي باللغة العربية، إضافةً إلى نسخة باللغة الإنكليزية ستصدر عن دار نشر جامعية غربية، فضلًا عن عددٍ من الأبحاث التي ستُنشر ضمن سلسلة "أوراق استراتيجية" التي يصدرها المركز العربي.