العنوان هنا
تحليل سياسات 20 أغسطس ، 2020

وباء كورونا والأزمة المركّبة وآثارها في لبنان

أديب نعمه

​أكاديمي وباحث لبناني، ومستشار إقليمي سابق في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا".

مقدمة

في الفترة الممتدة بين إنجاز مسوّدة هذه الدراسة ومراجعتها (قبل تحويلها إلى النشر في صيغتها النهائية)، حصلت بعض التطورات المهمة ذات الصلة المباشرة بموضوع بحثنا، نشير إلى ثلاثة منها هي الأكثر أهمية وأثرًا:

  1. حدث، في 4 آب/ أغسطس 2020، انفجار مروع، غير مسبوق، في مرفأ بيروت، أدّى إلى خسائر بشرية ومادّية مباشرة، وغير مباشرة، ذات طابع كارثي. وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات، أُعلِن عن سقوط 171 ضحية، ونحو 40 مفقودًا، وأكثر من 6000 جريح. كما شمل الضرر الكبير الذي يقترب من التدمير عددًا من أحياء بيروت التراثية القديمة (الجميزة، ومار مخايل، والجعيتاوي ... إلخ)، وأحياء أخرى شمال المرفأ (الكرنتينا)، وجهة الجنوب والجنوب الشرقي (وسط بيروت، والخندق الغميق، ومار إلياس، وعائشة بكار ... إلخ). وأدّى الانفجار إلى تضرّر أربعة مستشفيات في بيروت تضرّرًا كبيرًا، وتوقفها عن الخدمة، من بينها مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي الذي يُعتبَر من بين قلّة من المستشفيات الكبيرة في لبنان. ولم تُقدّر الخسائر بعد، لكنها تبلغ مليارات الدولارات (آلاف المنازل والمؤسسات الاقتصادية، إضافة إلى إهراءات (صوامع) القمح وأقسام كبيرة من مرفأ بيروت أدّت إلى تعطيل العمل فيه).
  2. انفجار غضب الشارع بقوة (مظاهرة 8 آب/ أغسطس 2020 في وسط بيروت التي قُدّرت بمئات الآلاف من المتظاهرين الغاضبين)، وهو غضب موجّه ضد المنظومة الحاكمة كلها، ولا سيما بعد أن تبيّن أن الانفجار ناجمٌ عن 2750 طنًا من نترات الأمونيوم[1]، كانت مُخزّنة في أحد عنابر (العنبر رقم 12) المرفأ منذ عام 2014، وذلك بعلم معظم المسؤولين السياسيين والأمنيين الذين لم يقوموا بأي خطوة من أجل التخلّص منها. وتحت ضغط الشارع، وبتأثير من حجم الكارثة، استقالت الحكومة (في 10 آب/ أغسطس) في ظل إلقاء متبادل للمسؤوليات، وفي ظل انعدام ثقة شاملة بالمنظومة الحاكمة كلها، بعد أن كشف هذا الانفجار (وما تلاه من فضائح أخرى) عن حجم فشل الدولة وأجهزتها ومسؤوليها، إلى حد لم يكن متوقعًا. ويعيش لبنان في هذه اللحظات مسارًا سياسيًا ومؤسسيًا مضطربًا جدًا لا يمكن توقع مآلاته.
  3. بداية من تموز/ يوليو 2020، شهد لبنان ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، حيث تضاعف عدد الإصابات بالفيروس مرتين إلى ثلاث مرات، مقارنةً بمرحلة الذروة خلال الشهور الأولى التي تلت الإعلان عن الإصابة الأولى. وليس ذلك ناتجًا، في الدرجة الأولى، من إصابات بين الوافدين بعد فتح المطار، على الرغم من أنه أحد العوامل، بل إن النسبة الأكبر هي إصابات من خلال المخالطة المحلية. وقد بلغ عدد الإصابات رقمًا قياسيًا هو 309 إصابات في 11 آب/ أغسطس 2020[2]. ويمثّل ذلك ضغطًا كبيرًا على النظام الصحي في لبنان، ولا سيما مع توقف أربعة مستشفيات عن العمل، كما ذكرنا سابقًا. ومع وجود أكثر من 6000 مصاب بسبب الانفجار، عولج عدد كبير منهم في المستشفيات. وسوف نعود إلى هذا الموضوع في متن الدراسة.

تنطلق المنهجية المُتّبعة في هذه الدراسة من اعتبار التداخل الشديد بين الأزمة الاقتصادية - المالية - الاجتماعية التي يمر بها لبنان على نحو حاد منذ صيف 2019، والمترافقة مع أزمة سياسية ومؤسسية ازدادت حدّة بعد انفجار الرابع من آب/ أغسطس، وآثار أزمة كورونا، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية منها، حيث تبرز صعوبة واقعية في عزلها عن آثار العوامل الأخرى.

تستند الدراسة إلى المعطيات الرسمية كلما كان ذلك مُتاحًا في كل ما يخص انتشار الوباء، وكذلك في ما يتعلّق بمؤشرات الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية. ويتم التعامل مع هذه المعطيات على نحو نقدي وتحليلي، ولا سيما لجهة ربطها بالسياسات والخطط الحكومية المقترحة، وبمواقف الأطراف المتعددة منها. ويزيد من صعوبة مهمتنا أن الأوضاع في لبنان سريعة التغير، وتؤثر فيها عوامل وأطراف لا يمكن توقعها بدقة، الأمر الذي يدفعنا إلى لفت انتباه القارئ إلى أنه كما تبدّل الوضع على نحو محسوس بين المسوّدة الأولى والنهائية لهذا الدراسة، قد يحصل أن تطرأ تبدّلات لها أهمية أيضًا بين موعد إنجاز المسوّدة النهائية وموعد نشرها؛ وإذ لا يمكن إعادة كتابة الدراسة، فإن المسوّدة النهائية ستُحافظ على المضمون والسياق الأصليين، مع إضافة التحديث الضروري للمعطيات، أو إضافة أي أفكار تحليلية أو مُعطيات مُستجدّة.



[1] لا يزال التحقيق جاريًا من أجل تحديد السبب المباشر الذي أدّى إلى تفجير نترات الأمونيوم، وإن كان الأمر سيقتصر على الإهمال، أم ثمة عمل تخريبي أو اعتداء.

[2] عدد الإصابات المعلن عنها يوم 6 آب/ أغسطس بلغ 2020، إلّا أن هذا الرقم يشمل 4-5 آب/ أغسطس معًا، حيث إن انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس حالَ دون نشر عدد الإصابات اليومية في ذلك اليوم.