العنوان هنا
تقدير موقف 17 يناير ، 2012

إسرائيل والمشروع النوويّ الإيرانيّ

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

مقدمة

ما انفكّت إسرائيل منذ ما يقارب عقدين تُولي المشروع النوويّ الإيرانيّ الأهميّة القصوى وتضعه في مقدّمة أجندتها الأمنيّة والسياسيّة. ويضع المشروع النوويّ الإيرانيّ - وفق المنظور الإسرائيليّ - حدًّا لاحتكار إسرائيل السّلاح النوويّ في المنطقة مما يحدث تغييرًا إستراتيجيًّا في ميزان القوى في الشّرق الأوسط بصورة جذريّة وغير مسبوقة، ويخلق واقعًا جديدًا تصبح فيه إيران دولةً إقليميّة قويّة وذات مكانة ونفوذ في المنطقة، وتصبح محورًا قويًّا يواجه إسرائيل ويقلص مكانتها ودورها وسطوتها في المنطقة.

ينْصبّ الجهد الإسرائيليّ منذ سنواتٍ طويلة على كيفيّة منع إيران من تطوير مشروعها النوويّ. فكانت الدّولة الصهيونيّة ولا تزال المحرّك الأساس للجهد الدوليّ من أجل وقف المشروع النوويّ الإيرانيّ. ولكن إسرائيل تحاول دومًا ألّا يظهر أنّ دورها هو الأساس في تحريك الحملة الدوليّة ضدّ برنامج إيران النوويّ، وتطرح المشروع على أنّه مشكلة تهمّ المجتمع الدوليّ وليس مشكلة إسرائيل وحدها. وما برحت تعمل، من أجل ذلك، على إظهار المشروع النوويّ الإيرانيّ على أنه بالدّرجة الأولى خطرٌ على السّلم العالميّ وعلى الدّول العربيّة الخليجيّة المجاورة لإيران؛ ويخلّ بالاستقرار في المنطقة؛ ويعرّض وجود إسرائيل للخطر؛ ويفتح الباب على مصراعيه لسباق تسلّح نوويّ في الشّرق الأوسط، قد تشارك فيه بشكل خاصّ كلٌّ من السعوديّة ومصر وتركيا. وبناءً على ذلك، ترى إسرائيل أنّ على المجتمع الدوليّ وخاصّةً الولايات المتّحدة وأوروبا اتّخاذ الإجراءات الملائمة والكفيلة بوقف المشروع النوويّ الإيرانيّ. ومن أجل تحقيق هذا الغرض، تدعو إسرائيل إلى فرض عقوباتٍ مؤلمة ومستمرّة على إيران تحت مظلّة مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة. ولكن إذا تبيّن أنّ هذه العقوبات لم تحقّق الهدف المنشود واستمرّت إيران في تطوير مشروعها النوويّ، رغم العقوبات، فإنّ على المجتمع الدوليّ وخاصّةً الولايات المتّحدة استعمال القوّة العسكريّة لمنع إيران من الوصول إلى صنع السّلاح النوويّ. وما انفكّت الدّولة الصهيونيّة تؤكّد منذ إثارتها مشكلة المشروع النوويّ الإيرانيّ وحتّى اليوم أنّها تحتفظ لنفسها بخيار توجيه ضربة عسكريّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة كملاذٍ أخير، في حال فشلت العقوبات المختلفة في وقف المشروع النوويّ الإيرانيّ، وقبل اللّحظة التي تقترب فيها إيران من القدرة على إنتاج سلاحٍ نوويّ[1].


موقف نتنياهو وبراك

تهدف إسرائيل من خلال تأكيدها المستمرّ على أنّها تحتفظ لنفسها بخيار توجيه ضربة عسكريّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة إلى الضّغط على الدّول المهمّة في العالم للمضيّ قدمًا بخطًى أسرع نحو فرض المزيد من العقوبات المؤلمة على إيران، من أجل تجنّب انفجار حربٍ في هذه المنطقة الإستراتيجيّة، إذا ما قامت بمهاجمة المنشآت النوويّة الإيرانيّة[2]. في هذا السّياق، جاءت في الفترة الأخيرة التصريحات المتكررة لكلٍّ من رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو ووزير الدّفاع إيهود براك، التي لوّحت مجدّدًا بإمكانيّة استعمال القوّة العسكريّة الإسرائيليّة ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة، والتي رافقتها موجة غير مسبوقة في زخْمها من الحديث والنّقاش الصّاخب في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيليّة بشأن المشروع النوويّ الإيرانيّ، في الأسابيع القليلة التي سبقت صدور تقرير الوكالة الدوليّة للطّاقة النوويّة في تشرين الثّاني / نوفمبر المنصرم عن الملفّ النوويّ الإيرانيّ، كما رافقت صدوره. فقد بادر كلٌّ من نتنياهو وبراك ومساعديهما إلى تسريب معلوماتٍ وتحليلات وأخبار للعديد من الصّحافيّين الذين يحظون بمكانة مهمة في وسائل الإعلام العبريّة، بهدف طرح مخاطر المشروع النوويّ، ليس فقط على جدول الاهتمام الإسرائيليّ وإنّما على رأس أجندة الاهتمام الدوليّ أساسًا[3]، من أجل الضّغط في اتّجاه فرض عقوباتٍ دوليّة جديدة ومؤلمة على إيران. علاوةً على ذلك، سعى نتنياهو وبراك إلى التّقليل من "الأضرار" التي ألحقتها بالرّدع الإسرائيليّ للمشروع النوويّ الإيرانيّ تصريحات مئير داغان، رئيس جهاز الموساد السّابق.

وكان داغان قد أدلى بتصريحاتٍ عدّة منذ استقالته من رئاسة جهاز الموساد في كانون الأوّل / ديسمبر 2010، أكّد فيها معارضته توجيه ضربةٍ عسكريّة إسرائيليّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة، وحذّر فيها من النّتائج السلبيّة لمثل هذه الضّربة على إسرائيل، وقال إنّه تمّ التّشويش على المشروع النوويّ الإيرانيّ وعرقلته، وأنّ إيران لن تكون قادرة على تركيب قنبلة نوويّة قبل سنة 2014. ورأى باراك ونتنياهو أنّ هذه التّصريحات قد أضرّت كثيرًا بالمصالح الأمنيّة وبالمساعي لفرض عقوباتٍ مؤلمة على إيران[4].

حملت تقارير الصحافيّين الإسرائيليّين وتحليلاتهم التي استندت إلى تسريبات نتنياهو وبراك ومساعديهما رسالةً واضحةً، وفحواها أنّ إيران تقترب كثيرًا من امتلاك القدرة على صنع السّلاح النوويّ، وأنّه لا مفرَّ من استعمال القوّة العسكريّة الإسرائيليّة ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة لمنع إيران من صنع السّلاح النوويّ.

لم يتطرّق نتنياهو وبراك وأنصارهما بصورةٍ صريحة إلى سؤالٍ مهم يتردّد دومًا، وهو: هل بإمكان إسرائيل توجيه ضربة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة من دون الحصول على الموافقة الأميركيّة؟ وأقصى ما صرّح به إيهود براك في هذا الشّأن قوله: "قد تنشأ حالات ينبغي لإسرائيل فيها الدّفاع عن مصالحها بنفسها والتمسّك بقضاياها الحيويّة، من دون أن تتّكئ على قوّة أخرى"[5].

رأى العديد من المحلّلين الإسرائيليّين[6] أنّ نتنياهو وبراك يناوران في حديثهما عن توجيه ضربةٍ للمنشآت النوويّة الإيرانيّة، وأنّهما يشنّان حربًا نفسيّة على قادة العالم لابتزازهم ودفعهم لفرض عقوباتٍ اقتصاديّة مؤلمة من النّوع الذي يصعب على إيران تحمّله، مثل فرض عقوباتٍ على البنك المركزيّ الإيرانيّ وعلى قطاع النّفط الإيرانيّ.


موقف المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة من الضّربة العسكريّة

لايزال هناك اتّفاق صهيونيّ - سواء في المستوى العسكريّ أو المدنيّ - على أنّه يجب الحفاظ دومًا على "حقّ إسرائيل" في توجيه ضربة منفردة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة كخيار. ولكن يدور الخلاف والنّقاش بين وجهتي النّظر في إسرائيل على مسألة تفعيل هذا الخيار، والعوامل والمتغيّرات التي تؤثّر في تفعيله. ويأتي في مقدّمة هذه العوامل والمتغيّرات: موقف الولايات المتّحدة الأميركيّة من الضّربة الإسرائيليّة ومسألة التّنسيق معها والحصول على موافقتها الواضحة عليها، ومسألة توقيت الضّربة والمرتبط بمقدار اقتراب المشروع النوويّ الإيرانيّ من امتلاك القدرة على صنع السّلاح النوويّ، ومسألة تقييم نتائج الضّربة العسكريّة على إسرائيل والمنطقة والعالم، ومسألة ردود فعل إيران وحلفائها في المنطقة، ومسألة تطوّرها - وردود الفعل عليها - إلى حربٍ شاملة ليس فقط بين إسرائيل وإيران وإنّما أيضًا مع حزب الله ولبنان وحماس، وربّما سورية. وكذلك، مسألة وجود بدائل فعليّة للضّربة الإسرائيليّة التي من شأنها وقف البرنامج النوويّ أو عرقلته أو التّشويش عليه، والتي تشمل عقوباتٍ اقتصاديّة دوليّة قاسية ضدّ إيران وعمليّات إحباط يقوم بها جهازا المخابرات العسكريّة (أمان) والموساد في حرب الفضاء الإلكترونيّ ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة[7]، وعمليّات تخريب مخابراتيّة ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة، واغتيال العلماء الإيرانيّين.

في مقابل موقف نتنياهو وبراك المندفع؛ كما يظهر من تصريحاتهما العلنيّة؛ والذي يضغط في اتّجاه تفعيل الضّربة العسكريّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة في أقرب فرصة، يُستفاد من التّسريبات التي تنشر في وسائل الإعلام الإسرائيليّة أنّ المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة الإسرائيليّة تعارض توجيه ضربةٍ عسكريّة إسرائيليّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة في الوقت الحاضر، وتطالب بالتأنّي والحذر وعدم التسرّع واستنفاد جميع الوسائل الأخرى، والتّفكير في نتائج الضّربة وما قد تقود إليه من إشعال حربٍ في المنطقة، ونتائج ذلك على إسرائيل. وتُولِي المؤسّسة العسكريّة الأمنيّة أهميّةً قصوى للموقف الأميركيّ بشأن قيام إسرائيل بضرب المنشآت الإيرانيّة. وفي كلّ الأحوال تعتقد المؤسسة العسكرية الأمنية أنّه يجب عدم اللّجوء إلى الضّربة العسكريّة إلّا كملاذ أخير وعندما "تلامس السكّين الرّقبة" - على حدّ تعبير داغان -، وبالتّنسيق الكامل مع الولايات المتّحدة. ويتبنّى وجهة النّظر هذه - بشكل عامّ - قادة المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة الحاليّون، وفي مقدّمتهم كلّ من رئيس هيئة الأركان العامّة للجيش الإسرائيليّ، ورئيس جهاز المخابرات العسكريّة (أمان)، ورئيس جهاز المخابرات الخارجيّة (الموساد)، ورئيس جهاز المخابرات العامّة (الشاباك).


مصاعب الضّربة العسكريّة الإسرائيليّة وتعقيداتها

بذلت إسرائيل جهدا حثيثا في استكمال الاستعدادات اللّازمة - من حيث التزوّد بالأسلحة والتّدريبات - لتوجيه ضربة عسكريّة ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة. وباتت إسرائيل منذ فترة تمتلك القدرة على القيام بالضّربة العسكريّة، باستخدام سلاحها الجويّ وصواريخها بعيدة المدى. ولكن وعكس السهولة التي وجدتها إسرائيل في تنفيذ الضّربتين العسكريّتين اللّتين وجّهتهما لكلٍّ من المفاعل النوويّ العراقيّ في سنة 1981، وللمنشأة النوويّة السوريّة - وفق الادّعاء الإسرائيليّ - في دير الزّور في سنة 2007، تواجه العمليّة العسكريّة ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة تحدّياتٍ عمليّاتيّة صعبةً وخطيرة ومشاكلَ كثيرة تزيد من تردّد متّخذ القرار الصهيونيّ. وأهمّ هذه الصعوبات: بُعد المنشآت النوويّة الإيرانيّة عن إسرائيل والذي تتراوح مسافته ما بين 1200 و1500 كيلومتر؛ وانتشار هذه المنشآت في أماكنَ مختلفة في إيران، الأمر الّذي يتطلّب التّنسيق لضرب عدّة أهداف في الوقت نفسه لضمان المفاجأة؛ وضرورة التزوّد بالوقود في الجوّ مرّةً واحدة إذا عبرت الطّائرات الإسرائيليّة الأجواء الأردنيّة والعراقيّة والسعوديّة، ومرّتين إذا عبرت البحر الأحمر فالمحيط الهنديّ، الأمر الذي يعقّد العمليّة ويزيد من خطورتها بسبب إمكانيّة إسقاط طائرات التّزويد بالوقود. ولكون المنشآت النوويّة الإيرانيّة محصّنة جيّدًا وهناك جزء كبير منها تحت الأرض ولديها دفاعات من الصّواريخ والمدافع والطّائرات، فإنّ ذلك كلّه يوجب أن تكون القوّة المهاجمة الإسرائيليّة كبيرة نسبيًّا - تزيد على مئة طائرة على الأقلّ -، وأن تشمل طائرات هجوميّة وطائرات اعتراض وطائرات تزويد بالوقود في الجوّ. وقد أجْرت إسرائيل في السّنوات الماضية تدريبات وتمارين كثيرة على تنفيذ هذه العمليّة في منطقة البحر المتوسّط، وجهّزت طائراتها بالمعدّات اللّازمة، وسَعَت إلى جمع المعلومات الدّقيقة باستخدام أقمارها الصناعيّة التي أُطلق بعضها أساسًا لتحقيق هذا الغرض، وكذلك عبر أجهزة مخابراتها. وحرصت إسرائيل كذلك على تزويد طائراتها بالقنابل الذكيّة ذات القدرة على اختراق المواقع المحصّنة تحت الأرض، وبالقنابل ذات القدرة التدميريّة الهائلة التي يصل وزنها إلى طنَّين. ولكن رغم هذه الاستعدادات، ثمّة شكٌّ في نجاح الضّربة الجويّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة في تحقيق أهدافها. ويسود اعتقاد أنّه إذا وجّهت إسرائيل ضربةً إلى المنشآت النوويّة فإنّ نتائجها ستكون محدودة، نظرا لقِصر المدّة التي ستمكثها الطّائرات الإسرائيليّة في الأجواء الإيرانيّة بسبب بعد المسافة والحاجة إلى التزود بالوقود. علاوةً على ذلك، من غير المتوقّع أن تنجح غارةٌ أو غارتان في إلحاق أذًى حقيقيّ بالمنشآت النوويّة الإيرانيّة، فهي محصّنة وجزء منها تحت الأرض ومنتشرة في أماكنَ كثيرة. وربّما يستدعي تدميرها غاراتٍ كثيرة ومتواصلة ليس بوسع إسرائيل القيام بها. أضف إلى ذلك أنّ هناك إمكانيّة نجاح إيران في إخفاء منشآتٍ نوويّة عن أعين المخابرات الإسرائيليّة والدّول الغربيّة، والتي تستمرّ في العمل على الرّغم من الضّربة العسكريّة.

ظهرت إلى جانب موقف مئير داغان المعارض لتوجيه ضربة إسرائيليّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة في الوقت الرّاهن، مقالات وتحليلات كثيرة عالجت الملفّ النوويّ الإيرانيّ. وانتقدت موقف نتنياهو وبراك المتسرّع، وعارضت توجيه ضربة إسرائيليّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة في الوقت الحاضر، وبعضها عارض أن تقوم إسرائيل بضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة. ولعلّ مقال الجنرال المتقاعد هرتسل شبير يتقاطع بشكل عامّ في القضايا التي طرحها مع الرّؤية العامّة السّائدة حاليًّا في قيادة المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة. وقد قدّم هرتسل شبير مؤخّرا دراسةً عن الملفّ النوويّ الإيرانيّ إلى كلٍّ من وزير الدّفاع ورئيس أركان الجيش الإسرائيليّ[8]، ونشر أيضا في تشرين الأوّل / أكتوبر 2011 مقالا[9]، تحت عنوان: "على إسرائيل ألّا تهاجم إيران"، ذكر فيه أنّ توجيه إسرائيل ضربةً للمنشآت النوويّة الإيرانيّة سيشعل حربًا في المنطقة. وحلّل ردود فعل إيران المحتملة، وذكر أنّها قد تشمل الآتي:

1 - إطلاق صواريخ على إسرائيل وعلى أهداف أميركيّة في المنطقة.

2 - مهاجمة سلاح الجو الإيراني لإسرائيل، وهذا احتمال ضئيل.

3 - تفعيل سلاح البحريّة الإيرانيّ ضدّ أهداف إسرائيليّة وأميركيّة.

4- الإيعاز لحزب الله وحماس بقصف إسرائيل.

5 - مهاجمة أهداف أميركيّة في العراق.

6 - القيام "بأعمال إرهابيّة" في العالم ضدّ أهداف يهوديّة وإسرائيليّة وأميركيّة.

7 - تخفيض كمّيات تصدير النّفط والغاز، ما يؤدّي إلى ارتفاع سعرها.

8 - ضرب السّفن التي تعْبر مضيق هرمز أو الموجودة في الخليج.

9 - إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النّفط، والذي يمرّ منه ما يقارب 40% من صادرات النّفط في العالم.

وأشار هرتسل شبير في مقالته إلى أنّ الدّراسات التي أجْرتها مؤخّرا مراكز أبحاث أميركيّة بطلب من مجلس الأمن القوميّ الأميركيّ، تؤكّد أنّه على كلّ من يريد أن يهاجم منشآت إيران النوويّة أن تكون لديه إمكانيّة الردّ على جميع ردود فعل إيران المحتملة، ومن ليس لديه هذه الإمكانيّة (وإسرائيل ليس لديها هذه الإمكانيّة) فعليه ألّا يهاجم إيران. ويستخلص هرتسل شبير من ذلك أنّه إذا حصل هجومٌ في المستقبل على المنشآت الإيرانيّة فإنّ الولايات المتّحدة هي من سيقوم به، فهي الوحيدة التي تمتلك حلولا وردودًا على ردود فعل إيران المحتملة. ويضيف هرتسل شبير أنّه إذا قرّرت الولايات المتّحدة مهاجمة المنشآت النوويّة الإيرانيّة فإنّ استهدافها - كما تسرّب عن الخطة - بغرض ردع إيران، ستكون:

1 - ضرب الأسطول الإيرانيّ وقواعده وكلّ وسائل إيران الحربيّة التي قد تُستخدم في إغلاق مضيق هرمز.

2 - ضرب أنظمة الدّفاع الجويّ ومراكز القيادة والسّيطرة الإيرانيّة.

3 - ضرب سلاح الجوّ الإيرانيّ وقواعد الصّواريخ الإيرانيّة، خاصّة منها الصواريخ بعيدة المدى.

4 - ضرب المنشآت النوويّة[10].


إسرائيل وإيران النوويّة

في خضمّ النّقاش والجدل الجاري في إسرائيل عن الملفّ النوويّ الإيرانيّ، نشر العديد من المختصّين الإسرائيليّين مقالاتٍ ودراسات استخلصت أنّ إيران ستتوصّل إلى صنع السّلاح النوويّ على الرّغم من كلّ المصاعب، وطالبوا القيادة الإسرائيليّة برسم سياسة إسرائيليّة تتجاوب مع إيران النوويّة. فقد نشر الخبير في الشّؤون الأمنيّة ريؤوفين بدهتسور مقالًا ذكر فيه أنّه إذا لم تهاجم أميركا المنشآت النوويّة الإيرانيّة، فإنّه لن يمرّ وقتٌ طويل حتّى تطوِّر إيران سلاحًا نوويًّا. واستبعد بدهتسور أن توجّه أميركا ضربةً للمنشآت النوويّة الإيرانيّة، لذلك دعا متّخذي القرار في إسرائيل إلى المباشرة في رسم سياسة إسرائيليّة بمقدورها أن تتجاوب مع إيران نوويّة، "بدل الانشغال في الإعداد لعمليّةٍ عسكريّة احتمالات نجاحها في منع إيران من تطوير سلاح نوويّ ضئيلة للغاية". وأضاف بدهتسور: "إنّ سلاحًا نوويًّا في طهران لا يعني نهاية العالم. والاستعداد الملائم، وسياسة سليمة وحكيمة بهذا الشّأن، هما الضّمانة لردع حكّام إيران"[11].

وكذلك نشر أفرايم أسكولاي، الباحث في معهد دراسات الأمن القوميّ وأهمّ المختصّين الإسرائيليّين بالشّأن النوويّ الإيرانيّ - والذي كان قد عمل في لجنة الطّاقة النوويّة الإسرائيليّة أكثر من أربعة عقود - دراسةً ذكر فيها أنّ إيران قد وصلت في منتصف سنة 2011 إلى القدرة الفعليّة - من حيث كمّية الموادّ اللازمة والمقدرة التكنولوجيّة - على تركيب قنبلة أو قنبلتين نوويّتين خلال عام إذا أصدرت القيادة السياسيّة الإيرانيّة أمرًا بذلك. وشكّك أفرايم أسكولاي في قدرة الضّربة العسكريّة الإسرائيليّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة على إيقاف المشروع النوويّ الإيرانيّ أو التّأثير فيه بشكلٍ جدّي. وأضاف أنّ الولايات المتّحدة وحدها "أو تحالف مجموعة من الدّول مثل حلف النّاتو، باستطاعتهم تحقيق نتيجة إستراتيجيّة بالهجوم العسكريّ. وحتّى الآن هناك اتّفاقٌ عامّ، كما يبدو، برفض هجمات من هذا النّوع، والبديل الذي بقي هو العيش مع التّهديد الإيرانيّ"[12]. واستخلص أفرايم أسكولاي أنّه على إسرائيل الاستعداد لذلك ورسم سياسة إسرائيليّة تتجاوب مع العيش مع إيران النوويّة.

وكان أفرايم كام الباحث في معهد دراسات الأمن القوميّ قد نشر كتابًا[13]، دعا فيه إلى رسم سياسة إسرائيليّة تتجاوب مع إمكانيّة تحوّل إيران إلى دولةٍ نوويّة إذا فشلت جميع المساعي في منعها من الوصول إلى السّلاح النوويّ، على أن تستند هذه السياسة على الآتي:

1 - تعزيز قدرة الرّدع النوويّ الإسرائيليّ، وتقوية مركّبات قدرات "الضّربة النوويّة الثّانية الإسرائيليّة".

2 - توقيع اتفاقيّة دفاع مشترك مع الولايات المتّحدة الأميركيّة.

3 - انضمام إسرائيل إلى حلف النّاتو.

4 - إعادة النّظر في سياسة إسرائيل النوويّة الضّبابيّة، والإعلان في الوقت المناسب بعد التّشاور مع الولايات المتّحدة أن إسرائيل دولة نوويّة.

5 - إقامة قنوات اتّصال مباشرة أو غير مباشرة مع إيران بعد أن تصبح دولة نوويّة، من أجل التّفاهم معها على السّياسة النوويّة ولتوضيح الخطوط الحمراء.


نتنياهو وبراك وقرار توجيه الضّربة

يواجه رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو ووزير الدّفاع إيهود براك معارضة جدّية في داخل إسرائيل لسياستهما بخصوص توجيه ضربة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة في الوقت الحاضر. وتقف حتّى الآن كلٌّ من المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة الإسرائيليّة وزعامة حزب كاديما وحزب العمل وجزء هامّ من قادة حزب الليكود ضدّ توجيه ضربة عسكريّة إسرائيليّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة، في الوقت الحاضر.

ووفقًا لقوانينها، لا يمكن لإسرائيل أن تشنّ حربًا أو تقوم بعمليّة عسكريّة كبيرة من شأنها أن تسبّب حربًا، إلّا بعد تصديق الحكومة. وحتّى الآن، لا يملك نتنياهو وبراك أغلبيّة لا في "كابنت الثّمانية" ولا في الحكومة، إذ توجد فيهما - في الوقت الحاضر - أغلبيّة ضدّ توجيه ضربة عسكريّة لمنشآت إيران النوويّة كعملٍ منفرد. ويحتاج نتنياهو وبراك إلى بذل جهد كبير ومتنوع، بما في ذلك تغيير معارضة كلّ من المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة المحلّية والإدارة الأميركيّة أو تحييدها أو التّخفيف منها، لكي يتمكنا من تمرير القرار الذي يريدانه إلى الحكومة. ولكن، يبدو أنّ هذا الأمر صعب المنال في هذه المرحلة.


الخاتمة

ليست هذه أول مرة تفرض فيها إسرائيل موضوع خطر المشروع النوويّ الإيرانيّ على قمّة جدول أعمالها وتحاول فرضه كموضوع رئيس على جدول أعمال المجتمع الدوليّ، بواسطة التّهديد بتوجيه ضربة عسكريّة ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة. وأهدافها من وراء هذا التّهديد في هذه الفترة: أوّلًا- الضّغط على الدّول المهمّة في العالم لفرض المزيد من العقوبات الاقتصاديّة الدوليّة القاسية على إيران، إذ تطالب إسرائيل بإلحاحٍ مستمرّ بفرض عقوبات اقتصاديّة دوليّة على البنك المركزيّ الإيرانيّ ورفض التّعامل معه إطلاقا، وعلى قطاعي النّفط والغاز الإيرانيّين، ومقاطعة هاتين السّلعتين الحيويّتين للاقتصاد الإيرانيّ. ثانيًا- تهيئة النّخب السياسيّة في الدّول المهمّة، وتهيئة الرّأي العامّ الدوليّ، لتقبّل فكرة قيام إسرائيل وأميركا بتوجيه ضربة عسكريّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة. ثالثًا- السّعي للتوصّل إلى تفاهم مع الإدارة الأميركيّة على الخطوط الحمراء التي يُمنع على المشروع النوويّ الإيرانيّ تعدّيها، والحصول على تعهّدٍ أميركيّ واضح يلتزم بتوجيه ضربة عسكريّة أميركيّة ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانية، إذا تخطّى المشروع النوويّ الإيراني هذه الخطوط الحمراء واقترب من صنع القنبلة النوويّة.

إلى جانب ذلك، تقوم إسرائيل في الوقت نفسه، وبالتّعاون مع العديد من أجهزة المخابرات الغربيّة، بالعمل على عرقلة المشروع النوويّ الإيرانيّ وإحباطه بواسطة نشاطات سرّية مكثّفة ومتعدّدة الجوانب والوسائل (وهذا ما ينادي به مئير داغان وقادة المؤسّسة الأمنيّة)، تشمل الحرب في الفضاء الإلكترونيّ وعمليّات تجسّس وتخريب ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة والمرافق المختلفة المرتبطة بها، واغتيال علماء إيرانيّين على علاقة بالمشروع النوويّ الإيرانيّ.


[1] أفرايم كام، إيران نووية (إيران غرعينيت)، (تل أبيب: معهد دراسات الأمن القومي، 2007). انظر كذلك في: تمار غينزبورغ وموطي كريستال (محرران)، إيران نووية: التحدّي والتعامل الدولي (إيران غرعينيت: هااتجار فههتموددوت هبينليؤميت)، (تل أبيب، معهد دراسات الأمن القومي، 2010).

[2] انظر مثلا مقال: أفرايم كام، "إلى أين يقود التقرير حول إيران"، إسرائيل اليوم، 13/11/2011.

[3] يوسي ملمان، "مناورة نووية"، هآرتس، 4- 11- 2011:
http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1556810

[4] المصدر نفسه.

[5] عاموس هارئيل، "النقاش حول إيران خرج من الغرف المغلقة - والميدان السياسي دخل إلى دوخان"، هآرتس، 2/11/2011:
http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1545766

[6] انظر مثلا في: يوسي ملمان، "مناورة نووية"، مصدر سبق ذكره. وكذلك في: عوفر شيلح، "نلتقي في الربيع القادم"، معاريف، 21/11/2011:
http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/305/026.html?hp=1&cat=479

[7] للاطّلاع على المزيد عن حرب الفضاء الإلكتروني ضدّ المشروع النووي الإيراني انظر في: شموئيل إيفن ودافيد سيمان طوف، حرب في الفضاء الإلكتروني: اتّجاهات وتأثيرات على إسرائيل، (تل أبيب: معهد دراسات الأمن القومي، 2011).

[8] عوفر شيلح، "نلتقي في الربيع القادم"، مصدر سبق ذكره.

[9] هرتسل شبير، "على إسرائيل ألّا تهاجم إيران"، هآرتس، 19/10/2011:http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1526311

[10] المصدر نفسه.

[11] ريؤوفين بدهتسور، "واجه الذرة من دون هجوم"، هآرتس، 13/11/2011:http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1564795

[12] أفرايم أسكولاي، "التّعامل مع القدرة النوويّة الإيرانية"، مجلة عدكون إستراتيجي، معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، المجلد 14، عدد 3، تشرين الأوّل / أكتوبر 2011. كذلك انظر إلى دراسة آدم راز، "إزاء إيران النووية: إيجابيّات سياسة الغموض الإسرائيلية"، مجلة عدكون إستراتيجي، معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، المجلد 14، عدد 3، تشرين الأوّل / أكتوبر 2011.

[13] أفرايم كام، إيران النووية، مصدر سبق ذكره.