العنوان هنا
تحليل سياسات 30 أكتوبر ، 2014

هل تنساق الولايات المتحدة الأميركية إلى حرب برية جديدة في الشرق الأوسط؟

الكلمات المفتاحية

أسامة أبو ارشيد

يعمل أسامة أبو ارشيد باحثًا غير مقيم مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسيّة والفلسفة من جامعة لفبرة / بريطانيا، ويقيم حاليا في واشنطن في الولايات المتحدة. نشر العشرات من المقالات والدارسات باللغتين العربية والإنكليزية، كما شارك في تأليف كتابين باللغة العربية عن حركة حماس والمعاهدة الأردنية الإسرائيلية. شارك في العديد من المؤتمرات الأكاديمية، وله كتاب باللغة الإنجليزية في مرحلة الإعداد للطباعة عنوانه: "جدلية الديني والسياسي في فكر وممارسة حركة حماس" وسيصدر عن Cambridge Scholars Publishing.

مقدمة


وجدت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسها، بعد كثير من التردد والمماطلة، متورطةً في حرب جديدة مفتوحة في الشرق الأوسط ضدّ "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). ولا تقتصر ساحة الحرب مع هذا التنظيم على العراق فحسب، بل إنها توسعت لتشمل سورية أيضًا.

المفارقة في هذا السياق أنّ باراك أوباما كثيرًا ما جادل، عبْر ما يوصف بـ "مبدأ أوباما" في السياسة الخارجية، بأنّ الولايات المتحدة الأميركية ليست مضطرةً إلى الدخول في حروب استنزاف جديدة مباشرة في العالمين العربي والإسلامي، وبأنها قادرة على مواجهة كثير من التحديات من خلال دعْم حلفائها على الأرض بالسلاح والتدريب، كما كانت الحال في العراق قبل انهيار الجيش العراقي في الموصل في شهر حزيران/ يونيو الماضي، وهو ما عُدَّ ضربةً موجعةً لذلك المرتكز في مقاربته للسياسة الخارجية.

إدارة أوباما تجادل بأنّ هذه الحرب الجديدة لا تعني حربًا بالمعنى التقليدي، كما كانت الحال في أفغانستان والعراق، أثناء إدارة الرئيس السابق جورج بوش، بقدر ما تدخُل في إطار "الحرب على الإرهاب". كما أنها تشدّد على أنّ الدور العسكري الأميركي سيبقى مقتصرًا، إضافةً إلى التدريب والتوجيه والتسليح، على غارات جوية منظمة مكثفة ومتواصلة، ضدّ مواقع داعش في كلٍّ من العراق وسورية؛ وذلك بهدف إفساح المجال أمام القوات العراقية والكردية، فضلًا عن قوات "المعارضة السورية المعتدلة"، لإحراز تقدُّم ضدّها على الأرض، وهزيمتها كليًّا لاحقًا.

ظلّت هذه الإدارة أيضًا وفيةً على الأقل، إلى حدّ الآن، لأحد مرتكزات سياستها الخارجية، المتمثّلة بأنها ستتجنب قدر الإمكان المغامرات العسكرية المنفردة، إلا إذا استدعت مصالح الولايات المتحدة وأمنها ذلك مباشرةً، واجتهدت من أجل ذلك في تشكيل تحالف دولي واسع، يضم دولًا عربيةً سنّيةً؛ لتكون شريكةً معها في هذا الصراع، حتى لا يُقال إنّ هذه الحرب حرب أميركية جديدة على العالمين العربي والإسلامي.

النقطة المركزية لإستراتيجية إدارة أوباما، في سياق محاولاتها إبرازَ تميُّزها من إستراتيجية إدارة بوش السابقة، هي أنّ الولايات المتحدة لن تتورط أبدًا في إرسال قوات برِّية إلى كلٍّ من العراق وسورية، وأنّ دورها سيقتصر، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، على تقديم الدعم والإسناد الجوّي والتسليحي والتدريبي. في حين تقوم قوات عراقية وسورية بخوض المعارك البرِّية. غير أنّ تأكيدات أوباما وإدارته تلك أصبحت محلّ تشكيك كبير، سواء من خصومه السياسيين، أو حتى من قادته العسكريين الذين يؤكِّدون أنّ تحقيق نَصْر حاسم ضدّ داعش لن يتمّ من دون قوات برِّية، خصوصًا في ظلّ التقدم الذي مازال يحرزه داعش على جبهات القتال المختلفة في كلا البلدين على حساب قوات الحكومة العراقية (في إقليم الأنبار على نحوٍ خاصّ)، والأكراد السوريين (في عين العرب "كوباني" على الحدود التركية)، وذلك على الرغم من غارات الولايات المتحدة وحلفائها، على مواقع داعش لإضعافه ونقْل زمام المبادرة إلى خصومه من الحلفاء الأميركيين.

تُفضي المقاربة المسْحية الكلية السابقة إلى التساؤل: هل كان لإدارة أوباما أن تظلّ قادرةً فعلًا على تجنُّب تورط عسكري أميركي برِّي في معركتها ضدّ داعش في كلٍّ من العراق وسورية؟

هذا هو الأمر الذي ستحاول هذه الورقة الإجابة عنه. ولكن نشير قبل ذلك، باختصار، إلى خلفية تردُّد أوباما في استخدام القوة العسكرية الأميركية البرِّية في صراعات المنطقة، مرورًا بالملامح العامة لإستراتيجيته المعلنة في حربه على داعش.