تشكّل خيبات الأمل المتكررة للشعوب في مستقبلٍ أفضل، وما يتبعها من مرارة ممزوجة بالحنق، التربة الخصبة التي يترعرع فيها الديماغوجيون. وتأتي خطاباتهم الشعبوية النارية كـ "السم في الدسم"؛ فهم العدو الأول للديمقراطية بسعيهم الدائم لتحطيم الضوابط التي وضعها الدستور منعًا لإساءة استخدام السلطة. ويعدّ عدم التصدي لهذه الظاهرة إيذانًا بعودة الاستبداد في أثوابٍ أخرى؛ ففي الظاهر هناك ديمقراطية، ولكنها وهمٌ وسراب، إذ يكون للمواطن حق في التصويت أو الانتخاب، ولكن لا تغيير يلوح في الأفق، والأغنياء يزدادون ثراءً وسطوة، في حين يرزح السواد الأعظم من الشعب تحت نير الفاقة والعجز، وتبقى أيديهم مكبّلة تجاه القرارات الكبرى التي تصوغ مجرى حياتهم.
في عالمنا المليء بالاضطرابات، وعند سؤال أيّ مواطن عن حال الديمقراطية في بلاده، يتفق الملايين على اختلاف مشاربهم على الإجابة عينها: إنهم يلعنون السياسيين، ويتذمرون من سوء الأداء الحكومي، ويعربون عن مخاوفهم من أن ديمقراطياتهم تهوي بهم إلى مكان سحيق. ويُعرِب أولئك من مشارق الأرض ومغاربها عن قلقهم الشديد من عدة قضايا، مثل انعدام المساواة والتباين الاجتماعي والخلل السياسي وصعود الزعماء المتطرفين، ولا تنفكّ ذاكرتهم تستحضر هول أحداثٍ كتلك اللحظة التي حبس فيها العالم أنفاسه، في 6 كانون الثاني/ يناير 2021 في الولايات المتحدة الأميركية، عندما اقتحم متظاهرون مسلحون وغاضبون، بتحريضٍ من رئيس ديماغوجي وزمرته، مبنى الكابيتول (الكونغرس)، في محاولة منهم لإلغاء نتيجة الانتخابات.