العنوان هنا
تقييم حالة 05 مارس ، 2024

تداعيات عدم تنفيذ إسرائيل للتدابير المؤقتة لمنع الإبادة الجماعية في غزة

نزار أيوب

حاصل على الدكتوراه في القانون الدولي (معهد الدولة والقانون، موسكو 1998)، والماجستير في إدارة النزاعات والوساطة (جامعة تل أبيب، 2019). محامٍ ينشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، متخصص في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. عمل محاميًا وباحثًا قانونيًّا في مؤسسة «الحق» الفلسطينية في رام الله (2000-2013). له العديد من الدراسات التي تعنى بنظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري في فلسطين التاريخية، والوضع القانوني للأراضي العربية المحتلة (فلسطين والجولان) منذ عام 1967، وعلى نحو خاص سياسة التطهير العرقي في القدس، والمكانة القانونية للمدينة ومواطنيها الفلسطينيين. نشر العديد من الدراسات عن النزاع في سورية، منها: «النزاع المسلح في سورية وسبل محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية»، و»التدخل الدولي الإنساني في سورية ومسؤولية الحماية»، و»عدالة انتقالية أم سياسة انتقالية؟ أسس العدالة الانتقالية في سورية».

مقدمة

قدمت جمهورية جنوب أفريقيا، في 12 شباط/ فبراير 2024، طلبًا عاجلًا إلى محكمة العدل الدولية، دعتها بموجبه إلى فرض تدابير مؤقتة إضافية وعاجلة ضد إسرائيل لمنع المزيد من الانتهاكات لحقوق الفلسطينيين في حربها الانتقامية المستمرة ضد قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وأتى هذا الطلب في ضوء تنصّل إسرائيل من تنفيذ أمر التدابير المؤقتة الذي أصدرته المحكمة في 26 كانون الثاني/ يناير 2024 في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لإلزامها باحترام تعهداتها بما يتماشى مع أحكام اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، ومنع ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في القطاع.

لكن لم تستجب المحكمة لطلب جنوب أفريقيا هذه المرة، وأعادت التأكيد مجددًا على ضرورة تنفيذ إسرائيل فورًا للتدابير المؤقتة التي فرضتها في 26 كانون الثاني/ يناير 2024 في كامل قطاع غزة، بما فيه منطقة رفح، مشيرة إلى المستجدات الخطيرة الحاصلة على الأرض، وإلى ضرورة امتثال إسرائيل الكامل لالتزاماتها وفقًا لاتفاقية منع الإبادة، بما يضمن سلامة السكان الفلسطينيين وأمنهم في غزة.

على الرغم من كل ذلك، ما زالت حكومة الاحتلال مصممة على اقتحام منطقة رفح، جنوب قطاع غزة، متجاهلةً المطالب الدولية لثنيها عن شن هذه العملية، لما سيترتب عليها من كارثة إنسانية غير مسبوقة في حال حدوثها، خاصة أن رفح تأوي نحو مليون ونصف من الفلسطينيين، غالبيتهم ممن هجّرتهم قوات الاحتلال قسرًا من مناطق أخرى في القطاع. وعلى الرغم من الواقع المرير الذي يعيشه سكان غزة والتحذيرات الدولية من استمرار الحرب، نفذت الولايات المتحدة الأميركية تهديداتها باستخدام حق النقض "الفيتو" ضد قرار جديد، قدمته الجزائر في مجلس الأمن التابع للأمم لمتحدة، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية. وهذه المرة الثالثة التي تستخدم فيها واشنطن حق النقض لمنع صدور قرار يطالب بوقف القتال في غزة، معللةً موقفها بأن هذا القرار قد يؤدي إلى تعطيل المفاوضات بخصوص الرهائن؛ ما حدا بممثل الجزائر الدائم لدى مجلس الأمن إلى وصف الرفض الأميركي بالموافقة على التجويع وسيلةَ حربٍ ضد الفلسطينيين.

تقدم هذه الورقة قراءة تحليلية لتبعات عدم استجابة المحكمة لطلب جنوب أفريقيا بالإشارة إلى تدابير مؤقتة إضافية، وذلك في ضوء عدم تنفيذ إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لأوامر التدابير المؤقتة التي فرضتها المحكمة في 26 كانون الثاني/ يناير لمنع جريمة الإبادة، والتداعيات الخطيرة لاستمرار حربها الانتقامية على القطاع، وتصميمها على اجتياح منطقة رفح؛ ما يُنذر بتفاقم مأساة الفلسطينيين ومعاناتهم.