العنوان هنا
تقييم حالة 16 مايو ، 2022

إصلاح القطاع الأمني في مرحلة ما قبل الانتقال الديمقراطي في السودان

سعيد علي السفران المري

​باحث، ماجستير في برنامج الدراسات الأمنية والدفاعية، قسم الشؤون الدولية في جامعة قطر.

مقدمة

يرتبط إصلاح القطاع الأمني بالشمولية الإجرائية وعلاقته بالحوكمة والقانون والمساءلة والحريات، ويعني كفاءة مؤسسات الدولة في القطاعات الأمنية والعسكرية والقطاع العام، وعدالتها، واحترامها لمواطنيها، وتقييدها باللوائح والحقوق. وتتنوع تطبيقاتها باختلاف ظروف البلدان، سواءً في النظم السلطوية العسكرية أو مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية. في الحالة الأولى، تسيطر حسابات الجيش ومواقف قيادته على مخرجاتها، بينما تعاني في الثانية مشكلات تسييس العلاقات المدنية – العسكرية. تعد حالة السودان من نماذج تسييس عملية إصلاح القطاع الأمني؛ إذ أدت التباينات في تحديد ماهيتها إلى اختلاف الأطراف الفاعلة وإعادة سيطرة الجيش على السلطة السلطة[1]. في هذا السياق، شهدت شراكة السلطة الانتقالية بين المكون العسكري والمكون المدني خلافًا إزاء إجراءاتها، حيث يرى العسكر بأنه لا حاجة إلى إصلاح القطاع الأمني كما ينادي به المدنيون، باعتباره شأنًا عسكريًا صرفًا. وهناك تيار ثان يعتقد بشمولية إصلاح القطاع الأمني.

تهدف هذه الورقة إلى معرفة إشكالية إصلاح القطاع الأمني في السودان، وكيف يمكن أن يحدث التغيير، وما يتصل به من أجهزة الدولة ومؤسساتها وممارساتها العامة والخاصة، بالتركيز على تحليل الفترة الانتقالية الأخيرة. كما تهدف إلى تقديم اقتراحات استنادًا إلى قراءة معمقة للتجارب السودانية الماضية، كونها تمثل فرصة لاختبار فرضية الدراسة، التي تذهب إلى أن إصلاح القطاع الأمني في السودان بحاجة إلى التوزان بين المؤسسات الأمنية والعسكرية ومصالحها من ناحية، ومصالح القوى السياسية المدنية من ناحية أخرى، حتى يتم الوصول إلى اتفاقٍ مرضٍ للأطراف المدنية والعسكرية. بتعبير آخر، كلما زاد الاتفاق بين المدنيين والعسكر، زادت فرص إصلاح القطاع الأمني الشامل، وفرض نموذج الحوكمة والحريات والحقوق وعدالة القانون وكفاءة المؤسسات.

أولًا: أزمة القطاع الأمني في السودان

عانى السودان لسنواتٍ طويلة عدم الاستقرار السياسي، بفعل الحرب الأهلية، وفشل جميع محاولات إصلاح القطاع الأمني، التي كانت بداياتها الأولى إبان عهد الرئيس جعفر نميري عقب التوقيع على اتفاقية أديس أبابا للسلام 1972، بين الحكومة السودانية والمتمردين في جنوب السودان (قبل انفصال الأخيرة عام 2011). فقد نصت الاتفاقية على إدماج قوات التمرد ضمن صفوف القوات المسلحة النظامية تنفيذًا لبنود الترتيبات الأمنية، كمطلب للاستقرار وتحقيق السلام آنذاك[2]، بينما كان الجانب المدني للاتفاقية، يركز الحديث على الحريات العامة والدينية والإفراج عن المعتقلين السياسيين، لتتناسب الإصلاحات مع طبيعة المرحلة الجديدة. لكن بعد أقل من عقد من السنوات، اندلعت الحرب الأهلية السودانية الثانية (1983-2005)، وتراجعت بنود الإصلاحات جراء مناخ الحرب، فلم يكتب النجاح لهذه التجربة. وفي عام 2005، إثر توقيع اتفاقية السلام الشاملة بين الحكومة السودانية وحركة التمرد "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، ناقش المفاوضون إصلاحات القطاع الأمني ضمن الاتفاقية، وبرتوكولاتها الخاصة بالجوانب العسكرية؛ مثل وضعية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى، وإدماج أي قوات بخلاف القوتين الرئيستين؛ الجيش الشعبي والجيش السوداني. إضافة إلى ذلك، أشارت الاتفاقية إلى تحسين أداء مؤسسات الدولة المدنية، ورفع القيود عن العمل السياسي ونشاط منظمات المجتمع المدني. بدأ العمل، خلال هذه المرحلة، على الإطار الدستوري، الذي أجيز بمسمى "دستور السودان الانتقالي للعام 2005"، الذي أكد على هذه الإصلاحات وعلى الحقوق والحريات[3]. لكن بسبب أزمة غياب الثقة بين أطراف الاتفاقية – حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية - تعذّر تنفيذ الإصلاحات؛ لأن بنية التحالف الحاكم، وقتها، كانت تعيش في ظل أجواء الحرب[4]. فالمؤسسات المتصلة بالسلطة والقانون في البلدان الخارجة من إرث الحرب، مثل السودان، تكون في وضعٍ تختلف فيه كليًا عن المؤسسات الحكومية في أوقات السلم والاستقرار. من ثمّ، فإن إصلاح القطاع الأمني يكون عملية غير مكتملة، ولا تؤدي إلى حدوث التغيير؛ إذ تحتاج المؤسسات إلى إعادة توجيه ما كانت تقوم به ليتناسب مع مرحلة ما بعد الصراع، غير أن ذلك لم يحدث إبان الشراكة الانتقالية، لغياب الإرادة السياسية وتباين المصالح[5]. ينطبق الأمر نفسه على الفترة الانتقالية الأخيرة في السودان، في ظل وجود المتمردين السابقين في الائتلاف الحاكم بموجب تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

ثانيًا: تحديات الفترة الانتقالية (آب/ أغسطس 2019 – تشرين الأول/ أكتوبر 2021)

واجه السودان عقبات كثيرة خلال هذه الفترة، أولها كانت الخلافات حول "لجنة إزالة التمكين"، التي شكلها رئيس المجلس السيادي الفريق أول بعد الفتاح البرهان[6]، بهدف مراجعة سجلات التعيين والتوظيف وكشف حالات الفساد. فقد رأى تيارٌ أن تشكيل هذه اللجنة يُعد من أبرز محاولات الإصلاح في القطاع المدني، بينما عارضتها تيارات أخرى، أغلبها من قبل القوى المؤيدة لنظام البشير[7]. وثاني هذه العقبات، الصراعات، التي شهدتها الفترة ذاتها، بين العسكريين والمدنيين، في القرارات الخاصة بتسيير أعمال وزارات الدولة؛ إذ رفض العسكريون تبعية وزير الدفاع والداخلية لرئيس مجلس الوزراء المدني، بحجة أنها خارج اختصاص رئيس الوزراء، وأن وزيري الدفاع والداخلية ومدير جهاز المخابرات يتبعون مباشرة للقائد العام للجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، الذي يرأس، أيضًا، مجلس السيادة[8]. هذا الاختلاف في تفسير الاختصاصات والصلاحيات كان مؤشرًا إلى عدم رغبة المكون العسكري في الخضوع لسلطة مدنية؛ فهم لا يريدون إحداث أي تغيير في بنية ومؤسسات الدولة، ويعملون على إفشال خطط وبرامج التغيير والإصلاح المنصوصة عليها. يبرز هنا إرث سنوات الحكم العسكرية وانتشار الفساد في العهود الماضية، كتحدٍ رئيس أمام إجراء الإصلاحات. تسببت قوى متحالفة بعودة الجيش إلى السيطرة التامة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021[9]، عندما خرج البرهان ببيانه الانقلابي قائلًا إنهم في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية رأوا بإن "التّشاكُس والتكالب على السلطة والتحريض على الفوضى دون النظر إلى المهددات الاقتصادية والأمنية، شكّل إنذار خطر يهدد البلاد"[10].

تسبب فشل إصلاح القطاع الأمني في العودة إلى الحكم العسكري المتحالف مع فئة من المدنيين، وهو الانقلاب الذي رفضه الشارع السوداني. ولا تزال المظاهرات الشعبية المنددة بالحكم العسكري والانتهاكات ضد حقوق الإنسان مستمرة، وهي من التداعيات المباشرة لفشل الإصلاح في القطاع الأمني. إلى جانب ذلك، أدى التوظيف السياسي في الفترة الانتقالية إلى اضطراب الدولة السودانية وشللها وعدم قدرتها على بسط الاستقرار، نتيجة عدم إصلاح منظومة الحكم، السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، والفشل في إيجاد توافقٍ قومي. لذلك فإن استمرار مطالب إصلاح القطاع الأمني على مدى أكثر من ستة عقود من الحكم الوطني، في فترات العهود العسكرية أو التجارب الديمقراطية السودانية، أدت إلى غياب الديمقراطية واستمرار التداخل بين الجيش والسياسية من جهة، وأزمات الشرعية ومحاولة النخبة السياسية الالتجاء إلى وسائل غير ديمقراطية في ممارستها من جهة أخرى. المحصلة النهائية، أن هذه الصراعات لم تترك مجالًا لبناء الديمقراطية والإصلاحات، إضافة إلى التعذر الدستوري والسياسي والقانوني، واتساع رقعة الشقاق بين العسكر والمدنيين.

ثالثًا: الانتقال إلى الأمام: إصلاح القطاع الأمني

نبعت الأزمة السودانية من ظروف عدم الاستقرار الذي شهدته البلاد على مدار تاريخها منذ الاستقلال. لذلك من الضرورة علاج هذه المشكلات، التي هي في الأصل ذات طبيعة سياسية. وبناء عليه، من أجل إصلاح القطاع الأمني في السودان، يجب اتخاذ مجموعة من الخطوات والتغيير في بنية الدولة ومؤسساتها.

1. معالجة مشكلات النظام السياسي والمؤسسات المدنية

بدأ تنافس الأحزاب السياسية السودانية مبكرًا، منذ مرحلة ما قبل الاستقلال، وحدثت الصراعات للسيطرة على السلطة والثروة، لذلك نشأت مشكلات السودان. فبنية النظام السياسي الذي تركه الاستعمار لم تستطع النخبة الوطنية تطويرها لتتلائم مع حاجات السودان[11]، فبرز تسييس مؤسسات الدولة من طرف النظام السياسي؛ ما قاد البلاد إلى الفشل الديمقراطي والتحالف مع الأنظمة العسكرية الاستبدادية التي تقودها فئة من ضباط الجيش. غالبًا ما حدثت الانقلابات في السودان بالتحالف مع القوى المدنية سواءً من اليمين أو اليسار[12]، ومن أجل معالجة هذا الوضع يجب مراعاة ما يلي:

  • معالجة الفشل الحزبي: بعد أكثر من سبعة عقود من نشأة الأحزاب السودانية، اتضح عدم ديمقراطيتها، لذلك فإن أي معالجة لها لا بد من أن تستند إلى إصلاح الأحزاب السياسية، وممارستها الديمقراطية الداخلية حتى تستطيع أن تحكم وفق موجبات الحكم الرشيد.
  • عدم تسييس المؤسسات البيروقراطية: أشارت الوثيقة الدستورية المنظمة للفترة الانتقالية الأخيرة، وكذلك نصوص اتفاقية جوبا للسلام، إلى ضرورة إجراء الإصلاحات في مؤسسات الدولة البيروقراطية، وإيقاف تسييسها في مجالات التوظيف أو الترقية والتدريب والتطوير.
  • تطوير أداء مؤسسات الدولة المدنية: رفع كفاءة أداء مؤسسات الدولة المدنية بالاستناد إلى معايير الشفافية والنزاهة المهنية لخدمة المواطن.
  • الحقوق والحريات العامة: كفالة حقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات الخاصة بالحقوق وحريات المواطنين في الدستور والقوانين المحلية والعالمية وحفظ كرامة الشعب.
  • تحديد أولويات الدولة: لكي تتمكن السلطة من إنفاذ مبادئ إصلاح القطاع الأمني في المؤسسات المدنية، يجب عليها وضع خطط استراتيجية تنموية ترتكز على التنمية الاقتصادية والبشرية لمعالجة أسباب الحروب والنزوح واللجوء ووقف هجرة الكوادر الوطنية إلى الخارج.
  • معالجة العلاقات المدنية - العسكرية: يجب على القوى السياسية والعسكرية التوافق على مجموعة من الأهداف وبرامج العمل والتخصصية المهنية، ونبذ الاستقطاب الحاد[13].

2- إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية

لم تكن دعاوى الإصلاحات في القطاع الأمني والعسكري وليدة التجربة الانتقالية الأخيرة، بل هي مسألة متجددة. فالأجهزة العسكرية والأمنية والشرطة، التي نشأت في سودان ما بعد الاستقلال، ظلت تتعرض للاتهامات تارة بعدم انتماءها القومي، وتارة أخرى بانحيازها إلى السلطة بسبب الصراعات السياسية وآثارها على الجيش والشرطة والمخابرات؛ إذ تسببت مشاركة الجيش السوادني في السلطة إلى حدوث تداعيات كثيرة في التجربة الوطنية للحكم[14]. لذا، فإن دعاوى الإصلاح تأتي في سياق البحث عن الحلول المقترحة التالية:

  • ضبط العلاقات المدنية - العسكرية: إن تعدّد الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهي الصيغة التي باتت تقود السودان الآن، بحاجة إلى ضبط علاقتها مع القوى المدنية، على الرغم من خلافها المستمر مع القوى المدنية بشأن الإصلاحات المطلوبة في القطاع الأمني[15]، والسجال حول حدودها وماهيتها، إذ لا مجال للتباعد، بل يجب الوصول إلى اتفاق حيال الإصلاحات في الأجهزة العسكرية والأمنية، إضافة إلى العودة إلى التخصصية المهنية لكل من الجيش والمدنيين[16].
  • دمج القوات المسلحة في قيادة مركزية موحدة: إن تعدد قيادة الأجهزة العسكرية والأمنية كما موضح في الشكل، يمثل إشكالية كبرى، بوجود قوات غير نظامية من الميليشيات المسلحة، وهو وضع يضر بأي مؤسسة عسكرية نظامية وبالدولة نفسها. لذلك، فإن أهم مطلب الآن هو دمج كل هذه القوات تحت قيادة وسيطرة واحدة وهيئة أركان وتسلسل هرمي يخضع للقانون والمساءلة.

شكل يوضح تعدد الأجهزة العسكرية والأمنية

تعدد الأجهزة العسكرية والأمنية في السودان

المصدر: الرسم من إعداد الباحث بالاستناد إلى الوثيقة الدستورية واتفاق جوبا لسلام السودان 2022[17]. يُنظر: حكومة السودان، "اعتماد الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية"، العدد 981، الخرطوم، 3/10/2019، ص 18–20.

  • المساءلة والقانون: تنفيذ إجراءات المساءلة القانونية للانتهاكات، التي حدثت من طرف الأجهزة العسكرية والأمنية ضد المتظاهرين والشعب السوداني، ومعالجة أداء هذه الأجهزة وتعاملها مع الشعب، والالتزام بواجبها كما هو منصوص عليه في الدستور وقانون القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى.
  • نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج: وفق مواد الوثيقة الدستورية الإطارية المُنظمة لأعمال الحكومة الانتقالية منذ آب/ أغسطس 2019، الوارد ذكره في فصلها الثامن والتاسع والعاشر، هناك ضرورة لإجراء الإصلاحات في الأجهزة العسكرية والقوات النظامية الأخرى والقضائية، والنيابة العامة[18]. فتعددها الراهن يزيد من عدم الاستقرار الأمني والمجتمعي في السودان.

رابعًا: الأولويات والخطوات لإصلاح القطاع الأمني؟

في سياق الإجابة عن سؤال الورقة، فإن الأولويات والخطوات لتحقيق إصلاح القطاع الأمني ينبغي أن تقوم على أساس تقييم المخاطر والتحديات، ومن ثمّ وضع الخطط والاستراتيجيات الشاملة، وممارسة الشفافية قبل تنفيذ عملية الإصلاحات وأثناءها وما بعدها، وفتح آفاق المشاركة السياسية. وبعد تحديد الخطوات والأولويات، يمكن القيام بما يلي لإصلاح القطاع الأمني:

  1. صياغة إطار دستوري وقانوني، بحيث يجب أن تستند إلى المرجعية الدستورية والقانونية ومبادئ الحوكمة والقانون والمساءلة والعدالة والحريات.
  2. تعزيز كفاءة المؤسسات العامة المدنية، وتقييدها بالقوانين واللوائح، وحفظ الحريات والحقوق بأنواعها كافة؛ فالقيام بإصلاح القطاع الأمني كفيل بتحقيق الاستقرار.
  3. إصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية النظامية، من أجل الوصول إلى مرحلة الاحترافية العسكرية والأمنية وفق مبادئ القانون والعدالة والمساءلة.
  4. اتخاذ الإجراءات الإدارية والتنفيذية والتشريعية لإصلاح قطاع الأمن، بحيث تكون لجميع الأطراف؛ السلطات التنفيذية والتشريعية والقضاء والمؤسسات والشعب، أدوار فاعلة في تحديد السياسات والقرارات.
  5. توفير الحريات والمساءلة في حال انتهاك الحقوق في ظل النظام الديمقراطي، حيث يضطلع أعضاء البرلمان بالإشراف والرقابة، بينما تمارس منظمات المجتمع المدني الدور الرقابي أيضًا.
  6. تعزيز دور القطاعات الأخرى، مثل قطاع العدل ومؤسسات المالية وإدارة الهجرة والجمارك وغيرها من الإدارات البيروقراطية في الدولة، وذلك لممارسة الدور الفاعل داخل الحكومة في إصلاح القطاع الأمني.
  7. مشاركة القطاع الخاص والدعم الخارجي لإنجاز إصلاح القطاع الأمني، فهناك منظمات مثل الأمم المتحدة تملك الخبرة والقدرة على تقديم المساعدة في حال الحاجة إليها.
  8. مراجعة خطوات إصلاح القطاع الأمني بصورة دورية مستمرة؛ لأن عملية إصلاح القطاع الامني هي عملية مستمرة وليست ثابتة بل هي في تطور مستمر.

خاتمة

إن تجربة إصلاح القطاع الأمني في السودان لا تزال تتعرض لانتكاسات، المرة تلو الأخرى، حيث لم تترسخ محاولاتها، بل اتسع الشقاق بين مختلف الفاعلين في العملية السياسية، ومن ثمّ يظل الاستقطاب المانع الأساسي لكل الإصلاحات[19]. كما أدى الصراع على السلطة إلى إدخال المؤسسات المدنية والعسكرية المختلفة إلى تغليب التجزئة والتسييس والولاءات الذاتية. امتد هذا الفشل ليشمل النظام السياسي والأحزاب والجيش وأجهزة بيروقراطية الدولة، وصارت عملية إصلاح القطاع الأمني مرهونة بموقف الجيش منها. من جهة أخرى، بات الدور الخارجي يمثل مؤثرًا في راهن السودان بما يرسم مسارًا يختلف عن الدور الخارجي في العهود السابقة؛ ما يعني أن تعدد مراكز التأثير والقوة ومواقف الفاعلين المحليين والإقليميين تضغط على واقع السياسة في السودان والإصلاحات المرتبطة بها.

إن القيام بالإصلاحات، كما تقدم، كفيل بإصلاح القطاع الأمني في السودان، والذي يشمل إصلاح الأجهزة المدنية والعسكرية، والقوات المسلحة النظامية، وتنفيذ الإدماج، ونزع السلاح، وإعادة التسريح للقوات المختلفة بما فيها قوات الحركات المتمردة السابقة، وبناء جيش تحت قيادة واحدة بسلطة هرمية تسلسلية قيادية، إضافة إلى ضرورة توافر الإرادة السياسية للتغيير والإصلاح، لمعالجة المظاهر السلبية مثل الفساد والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية وعجز البيروقراطية. على جميع الفاعلين العمل على التوافق حول شمولية هذه الإصلاحات، لأنها تقود إلى التغيير العام، والذي من المرجو منه أن يشكل قطيعة مع ممارسات العهود السابقة.


[1] في 11 نسيان/ أبريل 2019، أعلن الفريق أول عوض بن عوف، النائب الأول للرئيس عمر البشير، انحياز المؤسسة العسكرية إلى مطالب الشعب وإلقاء القبض على البشير وتعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان وتشكيل المجلس الانتقالي برئاسته. وفي اليوم التالي، تنحى بن عوف وجرى اختيار الفريق عبد الفتاح البرهان رئيسًا للمجلس العسكري ورئيسًا لمجلس السيادة فيما بعد، في إطار شراكة مع المكون المدني باتفاق سياسي في آب/ أغسطس 2019، الذي تحكمه الوثيقة الدستورية الانتقالية والتي انتهت أيضًا بانقلاب البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

[2] The Sentry Team, “Sudan’s Anti-Corruption Whitewash: The Bashir Regime’s Hollow Commitment to Combating Illicit Finance,” (April 2019), accessed on 19/3/2022, at: https://bit.ly/3xARu1U

[3] أمين مكي مدني، "وثيقة الحقوق الدستورية في السودان: نحو ضمانات موضوعية ووعي فعال للحقوق"، ورقة قدمت في مؤتمر الحماية الدستورية لحقوق الإنسان في السودان: تحديات ورؤى مستقبلية، 15/1/2014، ص 8–9.

[4] The Sentry Team, p. 12.

[5] عبد الرحيم خليفة، "السودان: تحديات وفرص الانتقال"، تحليل السياسات، معهد واشنطن (حزيران/ يونيو 2021)، شوهد في 19/3/2022، في: https://bit.ly/3JMbgtH 

[6] "لجنة إزالة التمكين في السودان.. أداة لتطهير الفساد أم للانتقام من الخصوم؟"، الجزيرة نت، 11/10/2021، شوهد في 19/3/2022، في: https://bit.ly/3voJvlZ

[7] "لجنة إزالة التمكين السودانية في مرمى قرارات البرهان"، وكالة الأناضول، 29/10/2021، شوهد في 19/3/2022، في: https://bit.ly/3JRkpRV

[8] "السودان.. هواجس إزاء غموض وضعية القوات النظامية بالإعلان الدستوري"، الجزيرة نت، 7/8/2019، شوهد في 19/3/2022، في:

 https://bit.ly/3OiBvvm

[9] ماهر أبو جوخ، "لماذا استهدفوا لجنة التفكيك؟"، التغييرالإلكترونية، 20/4/2022، شوهد في 21/4/2022، في: https://bit.ly/3MnHvB6

[10] "انقلاب السودان: هل بدت مبررات البرهان لحل حكومة حمدوك والسيادي مقنعة لكم؟"، بي بي سي عربي، 25/10/2021، شوهد في 26/2/2022، في: https://bbc.in/3OgQtlA 

[11] أحمد إبراهيم أبو شوك وصلاح الدين الزين محمد، "الانتقال الديمقراطي في السودان (2019–2022): التحديات والآفاق"، تقرير، مركز الجزيرة للدراسات، 26/5/2022.

[12] المرجع نفسه.

[13] "انقلاب السودان: هل ينجح البرهان في فرض حكومة الأمر الواقع على السودانيين الرافضين"، بي بي سي عربي، 16/11/2021، شوهد في 19/3/2022، في: https://bbc.in/3MfgX5d

[14] "ندوة بأكاديمية (نميري) توصي بإبعاد الجيش عن السياسة وتسريع التوافق بين الأحزاب"، سودان تريبيون، 15/3/2022، شوهد في 7/4/2022، في: https://bit.ly/3xANoH4

[15] لوكا بيونغ دي كول، "إصلاح القطاع الأمني في السودان: الحاجة إلى وضع إطار عمل"، مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، 10/10/2020، شوهد في 19/3/2022، في: https://bit.ly/3KQA4Cn

[16] "البرهان يدافع عن شركات الجيش ويتمسك برفع علم السودان في حلايب وشلاتين"، القدس العربي، 24/8/2021، شوهد في 19/3/2022، في: https://bit.ly/3xzrrIr

[18] حكومة السودان، "اعتماد الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية"، العدد 981، الخرطوم: 3/10/2019، ص 18 – 20.

[19] ريهام أحمد خفاخي، "الإصلاح في السودان بين مطالب الداخل وأطروحات الخارج: حالة دارفور"، أمتي في العالم، العدد 2006، 31/12/2006، ص 2.