مقدمة
كان التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب السورية، في 30 أيلول/ سبتمبر 2015، أول عملية عسكرية واسعة النطاق، بعد العملية الخاطفة الأولى في شبه جزيرة القرم في عام 2014، قامت بها روسيا في الخارج منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. شكّل هذا التدخل نوعًا من المفاجأة للمراقبين والمحللين والسياسيين الذين كانوا يعتقدون أن روسيا والولايات المتحدة الأميركية ستستمران، على الرغم من الخلافات العميقة بينهما، في السعي لإيجاد نقاط توافق بينهما على التسوية السياسية للمسألة السورية؛ ذلك أن روسيا لم تقدّم للنظام السوري قبل التدخل، ما خلا العقود العسكرية والدعم السياسي، سوى مساعدات هامشية؛ فقد كان لديها حتى لجوئها إلى التدخل المباشر، حينما تطورت التهديدات المحلية والإقليمية والدولية ضد بشار الأسد، قائمة من الخيارات السياسية، مثل العمل مع الولايات المتحدة بصفة ثنائية أو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتوسط في تسوية سلمية بين النظام والمعارضة.
لماذا تحولت روسيا من نطاق الدعم السياسي والدبلوماسي للنظام السوري، وتوفير الحماية له ضد مشاريع العقوبات الغربية، ومن الضغط عليه لقبول مشاريع التسوية السياسية، إلى نطاق التدخل العسكري المباشر لحمايته والحفاظ على بقائه؟ وما دلالات توقيت التدخل في أيلول/ سبتمبر 2015 وليس قبله؟ وما الأسباب والعوامل التي حكمت ذلك؟ أو ما المتغير التفسيري للتدخل؟
أسهبت غالبية الدراسات في عرض المصالح التي دفعت روسيا إلى التدخل، ويمكن تكثيف أبرزها فيما يلي: الأهمية الجيوسياسية لعودة روسيا إلى الشرق الأوسط من البوابة السورية، والأهمية الاستراتيجية للبحرية الروسية (قاعدة طرطوس)، والمصالح التجارية والتجارية العسكرية الروسية، والمصالح الطاقية، والحنين التاريخي الروسي إلى العودة إلى المياه الدافئة بحسب ما أشارت إليه بعض الدراسات. في حين لم تُعطَ المصالح الأمنية المباشرة إلا حيزًا محدودًا، إذ تطرّقت إليها دراسات كثيرة عرَضًا في سياق التحليل بوصفها أحد العوامل، فلم تهتم هذه الدراسات بدور المنظومة الفكرية (الفلسفية) والأدائية في عقيدة فلاديمير بوتين عمومًا، وعقيدته الأمنية خصوصًا، إلا على نحو محدود. أما المقاربة البحثية المعتمدة في هذا الدراسة فتقوم على أن تلك المصالح، التي تسهب الدراسات في التركيز عليها، لا تتمتع، سواء بالنظر إلى كلٍ منها على حدة أو إلى مجموعها، بكفاية تفسيرية، ويمكن تقدير أنها كانت عناصر مؤثرة، لكنها ليست حاكمة. وترى أن المصالح الأمنية القومية الروسية المباشرة، وتحديدًا أولوية المصالح الأمنية الداخلية الروسية على أيّ مصالح أخرى كما يدركها صانع القرار الروسي، هي التي تفسّر التدخل، وتمثّل من ثمّ المتغير التفسيري. وفي مقابل ذلك، نجد أن ما حصلت عليه روسيا أو عززته من مصالح أخرى كان من نتائج التدخل، فهذه المصالح هي نتائج، وليست أسبابًا دافعة.