العنوان هنا
أوراق استراتيجية 29 نوفمبر ، 2023

القبة الحديدية في مواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية: القدرة والمحدودية

أحمد قاسم حسين

باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومدير تحرير دورية "سياسات عربية"، ومدير تحرير الكتاب السنوي "استشراف للدراسات المستقبلية". عمل أستاذًا مساعدًا في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق. حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة فلورنسا بإيطاليا. له العديد من الأبحاث والدراسات المنشورة في مجال العلاقات الدولية. تتركز اهتماماته البحثية في نظريات العلاقات الدولية. صدر له كتاب "الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية: القضايا الإشكالية من منظور واقعي" (المركز العربي، 2021). حرّر العديد من الكتب، منها: "ليبيا: تحديات الانتقال الديمقراطي وأزمة بناء الدولة" (المركز العربي، 2022)؛ "حرب حزيران/ يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها" (المركز العربي، 2019)؛ "استراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح" (المركز العربي، 2018).

مقدمة

أطلقت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، نحو 5000 صاروخ وقذيفة في اتجاه منطقة غلاف غزة في إطار هجوم عسكري أطلقت عليه اسم "طوفان الأقصى"، ركّزت فيه على قصف مقر "فرقة غزة" والقواعد العسكرية التابعة لها. وقد كان هدف المقاومة من إطلاق هذا العدد الكبير من الصواريخ مقارنة بعددها في المواجهات السابقة (2008/ 2009، 2012، 2014، 2021) التغطية على عملية المناورة التي قام بها مقاتلو كتائب القسام الذين انطلقوا في اتجاه القواعد العسكرية والكيبوتسات في منطقة غلاف غزة. واللافت في هذه المناورة أنها المواجهة العسكرية البرية الواسعة الأولى بين كتائب القسام وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ما يعني تغييرًا جذريًا في قواعد الاشتباك التي كانت قائمة بين الطرفين سابقًا. وقد حقق مقاتلو كتائب القسام، وفق الخطة العملياتية للهجوم، عنصري المفاجأة والصدمة، ما ساهم في تأخر استجابة الجيش الإسرائيلي لهجوم القسام والرد على الكثافة الصاروخية عبر نُظم الدفاع الإسرائيلي، وعلى رأسها نظام "القبة الحديدية".

بعد أن استوعبت "إسرائيل" الصدمة، شنّت هجومًا عسكريًا، برًا وبحرًا وجوًا، على قطاع غزة، وحددت هدفًا له هو القضاء على حماس وحكمها في القطاع. وتجدر الإشارة، في هذا المقام، إلى أن هذه المواجهة العسكرية غير متناظرة Asymmetrical Warfare؛ لأننا لسنا بصدد حرب بين دولتين لهما جيشان نظاميان، بل أمام مواجهة بين حركة تحرر وطني لها جناح عسكري مسلح من جهة، وجيش نظامي من جهة أخرى، وهذا ما يظهره التفاوت في القدرات العسكرية للطرفين، والتكتيكات والاستراتيجيات التي تتبعها قوى المقاومة الفلسطينية في مواجهة القوة الغاشمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

كان رد قوى المقاومة الفلسطينية على الحرب المفتوحة على غزة، وفق بياناتها العسكرية، قصف المدن الإسرائيلية في غلاف غزة ومدن أخرى ردًا على سياسة القصف العنيف التي اعتمدها جيش الاحتلال الإسرائيلي في استهداف المباني والمدنيين على نحو انتقامي، إلى جانب تقدّمه البري المحدود في بعض المحاور في قطاع غزة. وقد تطور الهجوم البري، فقابلته قوى المقاومة بمقاومة شرسة إلى جانب استمرارها في توجيه رشقات من الصواريخ المحلية الصنع في اتجاه المدن الإسرائيلية. وما إن تطلق المقاومة رشقة صاروخية حتى تطلق صفارات الإنذار تحذيرات لسكان المدن الإسرائيلية، ويُفعّل فورًا نظام "القبة الحديدية" الذي يُعدّ نظام الدفاع الرئيس لحماية الإسرائيليين في مواجهة صواريخ المقاومة. ومع ذلك، سقطت صواريخ المقاومة على مدن غلاف غزة، ومدن إسرائيلية أخرى (تل أبيب الكبرى، والقدس، وصفد، وإيلات)، وألحقت أضرارًا مادية وبشرية لا يمكن مقارنتها بما تُحدثه آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة. وبناءً عليه، تُطرح تساؤلات عن قدرة المقاومة على تطوير صواريخها التي كانت في البدايات تفتقر إلى نظام توجيه دقيق إلى صواريخ ذات قدرة تدميرية كبيرة نسبيًا ونظام توجيه دقيق إلى حد بعيد، وعن مدى قدرة نظام القبة الحديدية وكفاءته في مواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية، وإذا ما كان يصلح لحماية سكان المدن الإسرائيلية في حال توسّع دائرة المواجهة الحالية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أو مستقبلًا، خاصةً في حال دخول حزب الله ومعه فصائل فلسطينية الحرب وإطلاق صواريخ من الجبهتين الشمالية والجنوبية لإسرائيل.