مقدمة
شكلت عملية طوفان الأقصى ضربة قاتلة لفكرة الجدار الحديدي الإسرائيلية، التي تأسست على مفاهيم القوة العسكرية الهجومية والدفاعية، وانبثقت منها منظومة الردع الإسرائيلية. وتحاول إسرائيل بوحشية ترميم جدارها الحديدي من خلال العدوان على قطاع غزة ولبنان، لما يحمله تصدّع الجدار من تهديد
وجودي للدولة، وهو ما تناقشه هذه الورقة. وليس من قبيل الصدفة أن يطالب رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بتغيير اسم الحرب/ العدوان من "السيوف الحديدية" إلى حرب "النهضة" أو "القيامة"، استحضارًا لأحد الأسماء التي أطلقت على حرب "استقلال" إسرائيل عام 1948، في دلالة على أنها تعيش لحظة فارقة من تأسيس ثانٍ لوجودها؛ فإذا كانت حرب النهضة عام 1948 ردًا على الكارثة اليهودية، فحرب النهضة الثانية هي الرد على كارثة طوفان الأقصى.
اعتمدت فكرة "الجدار الحديدي" على مقالَين للقيادي في الحركة الصهيونية، زئيف جابوتنسكي، نُشرا في تشرين الثاني/ نوفمبر 1923. شكلت فكرة الجدار العمود الفقري لعقيدة الأمن الصهيونية - الإسرائيلية. وتتمحور هذه الفكرة حول مفهوم القوة العسكرية؛ أي إنّ على المشروع الصهيوني الاعتماد على القوة العسكرية المتفوقة على العرب، وإلحاق الهزيمة بهم حتى يصلوا إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكنهم هزيمة المشروع الصهيوني، وعليهم أن يقبلوه. ففي مقال له بعنوان: "حول الجدار الحديدي: نحن والعرب"، يكتب جابوتنسكي، "استيطاننا يجب أن يتوقف أو يستمر بخلاف إرادة السكان الأصليين، وبناءً على ذلك فإنه يمكنه التوسع والتطور فقط من خلال قوة حامية، والتي ليست متعلقة بالسكان المحليين؛ إنه جدار حديدي لا يمكن للسكان المحليين إحداث تصدع فيه".
وخلافًا للخطاب السائد في المجال العمومي الإسرائيلي، وفي صفوف النخب السياسية، فإن جابوتنسكي يقرّ في مقالاته بأن الصهيونية مشروع استعماري، وأنّ الفلسطينيين سكان البلد الأصليون، وأنهم سيستمرون في مقاومة هذا المشروع ولن يقبلوه، لكن بصدّ هجماتهم المرة تلو الأخرى فقط وهزيمتهم المتكررة سوف يقبلون هذا المشروع. بناءً على ذلك، تقوم كل فكرة الجدار الحديدي على القوة والمناعة العسكريتين، وقتل الأمل لدى العرب والفلسطينيين في قدرتهم على إلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني في فلسطين.