العنوان هنا
دراسات 17 يناير ، 2011

علاقات مغاربية إيرانية مضطربة

الكلمات المفتاحية

راشد الغنوشي

من أهم رموز الفكر الإسلامي المعاصر، وهو حاليا رئيس حركة النهضة التونسية. اهتم الشيخ راشد بالتأسيس النظري والتأصيل الشرعي للديمقراطية والمشاركة السياسية في الفكر الإسلامي السياسي وكذا التأسيس لفكرة الحرية والمواطنة. وللشيخ راشد، وإلى جانب ذلك، العديد من المؤلفات المهتمة بالفكر الإسلامي عموما وحقوق المرأة والأقليات في الإسلام كما أن له اهتماما خاصا بالقضية الفلسطينية. وقد ترجمت له العديد من الكتب كما أُلّفت في شأنه مجموعة من البحوث الجامعية في عدد من دول العالم. وهو من المؤسسين للعديد من الهيئات العربية والإسلامية مثل المؤتمر القومي الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي وحلقة الأصالة والتقدم كما أنه نائب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.

لم تعرف علاقات دول المغرب مع إيران ما هو غير معتاد من علائق بين دول تنتمي الى ساحة حضارية اسلامية مشتركة باعدت بينها الجغرافيا فلا احتكاك ولا تنازع على حدود، حتى اندلع زلزال الثورة سنة 1979 فهز الكيان الايراني والشيعي من الاعماق بما غير تضاريسه وتعريفه لنفسه ولمصالحه ولمكانه ورسالته في العالم، قاذفا بعلائق ايران مع العالم ومنه هذه المنطقة في مهبّ من العواصف تراوحت بين مفاجآت قطع العلائق وبين مفاجآت استعادة الود المفقود. فما هي الخلفيات السياسية والفكرية التي حكمت مسيرة هذه العلاقات منذ اندلاع ذلك الزلزال؟

1- منذ القرن السادس عشر تبلورت المعالم الأساسية لإيران باعتبارها دولة فارسية شيعية، فكان احتكاكها على ذلك الأساس مع محيطها السني ممثلا خاصة بالسلطنة العثمانية الممثل الأبرز لعموم المسلمين، ورثت إيران البهلوية المعالم الأساسية لهذه الشخصية بما هي معالم ثقافية وطموحات للزعامة في المنطقة.

ولم تكن الهوية الشيعية هنا لتثير إشكاليات مع المحيط السني بقدر ما كانت تثيره الطموحات التوسعية السياسية، باعتبار التشيع لم يكن يمثل الايدولوجية الأساسية لدولة تعرف نفسها أنها أساسا دولة قومية حديثة هي أقرب الى العلمانية، فكان تشيعها باردا ولك أن تقول خفيفا فرديا أو مجتمعيا مقصى الى حد بعيد من المجال العام، وهو نمط قريب مما كان ولا يزال سائدا في جملة المنطقة السنية من علائق بين الدين والدولة، حيث الدين في خدمة الدولة وليس العكس، تستدعيه متى شاءت وتوقف أثره عند الحد الذي تريد، فلم يكن عجبا أن يرى الحاكم العربي ومنه المغاربي صورته في أنموذج الشاه ،حاكما قويا حديثا.

 إيران هذه الشيعية الفارسية الحديثة لم تكن لتثير مجانبة ولا حساسية لدى معظم حكام العرب والمسلمين عدى ما كانت تثيره تحالفات الشاه الدولية مع المعسكر الغربي وطموحاته الاقليمية من عداوات لدى المنضوين ضمن تحالفات مضادة (المعسكر الاشتراكي ) أو لدى دول مجاورة مستهدفة بالتوسع، ومع ذلك لم يثر احتلال الشاه للجزر الاماراتية ردود أفعال تذكر، سواء لدى دول الخليج أو بقية الدول العربية بما في ذلك الدولة المعنية الاولى، بل الدول المغاربية التي قطع بعضها العلائق مع ايران هذه الايام احتجاجا على تصريح مسؤول ايراني تم التراجع عنه، يذكّر بحق ايران في البحرين!!. فما الذي تغير؟

2- لقد تغير الكثير. لقد اندلع في إيران أكبر زلزال هز عالم الاسلام في القرن العشرين بل هو من أعظم أحداثه أعني ثورة 1979 محدثا أكبر التحولات التي شهدتها إيران، ولا يفوقها غير حدث سقوط الامبراطورية الساسانية على يد الفاتحين المسلمين، أو ولادة الدولة الصفوية في القرن السادس عشر التي نقلت الهضبة الايرانية من المذهب السني الى التشيع حاجزة له دولة، قد أعملت فيها الحداثة تفكيكا وتهميشا، فجاءت الثورة لتحدث أعظم انقلاب في الدولة وفي المذهب في الآن ذاته، جاعلة منها خادما له -الى حد بعيد - حاملة لرسالته الى العالم، مبشرة به باعتباره الصورة الأمثل والأنقى للاسلام إن لم تكن الصورة الوحيدة المقبولة، ورغم ما طفح به دستور الثورة من معاني وقيم اسلامية عامة ملزمة للدولة إلآ أن واضعيه لم يستطيعوا ولم يسعهم أن يكتفوا بالحديث العام عن الاسلام الجامع فقد كانوا مشبعين بالروح المذهبية الخاصة فنصوا في أكثر من موضع بداية بالمادة الثانية من الدستور "الجمهورية الاسلامية نظام يقوم على الامامة والقيادة .. ..وفي المادة 12"الدين الرسمي لإيران هو الاسلام والمذهب الاثنى عشري.

 وهذه المادة غير قابلة للتغيير". "وهذا النظام يقوم على أساس الكتاب وسنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين". وينص الدستور على أن "جيش الجمهورية جيش عقائدي"، كما ينص قسم رئيس الجمهورية "أن يكون حاميا للمذهب" (مادة 21). للجمهورية نظرية في الحكم الاسلامي محورها مفهوم ولاية الفقيه. وفي المادة الخامسة من الدستور الإيراني "في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، تعتبر ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير"، وهذه النظرية السياسية في الدولة هي امتداد ومحاولة توفيقية بين نظام الدولة الحديثة القائم على إرادة الامة وبين التصور الشيعي للحكم على أنه امتداد للنبوة واصطفاء الهي لعلي وبنيه من فاطمة ضمن تسلسل لأثني عشر إماما حيل بينهم وبين ممارستهم حقهم الالهي من قبل حكام الجور ما اضطر آخرهم للغيبة في انتظار الظروف المناسبة لعودته ليملأ الارض عدلا.

 وفي غيبته التي طالت اقترح الخميني أو قل أحيى الخميني فكرة تولي فقيه جمع الشرائط المذكورة شؤون الحكم، نائبا عن الامام الغائب، مع اختلاف في ولايته هل هي مطلقة، أم مقيدة بالقانون والدستور. نحن في كل الاحوال إزاء دولة تواجه الدنيا مواجهة عقدية"، حسب تعبير الخميني وتصوره للاسلام ولتاريخه تصورا يكاد يحتكره ويسلب الشرعية عن فتوحاته وأمجاده ودوله - عدا- سنوات محدودة من حكم الامام علي، وهو ما يجعل تبشير المسلمين قبل غيرهم بالدين الصحيح الرسالة الأعظم للدولة.

3- كما يقيم علاقة عقدية بين الولاء للمذهب والولاء للدولة القائمة مشروعيتها عليه، وهو ما يقيم اشكالية بين الولاء للوطن ودولته وبين الولاء لسلطة مرجعية خارجهما لا سيما إذا كانت تجمع بين مرجعية الفقه والسياسة مثل مرجعية الولي الفقيه. ومع أن للاسلام علاقة بالسياسة، إذ كان نبيه مبلغا عن الله وحاكما، إلا أن التمييز بينهما كان واضحا. فالنبوة تبليغ عن الله والسياسة حق للامة واجتهاد بشري في حدود الشريعة ومقاصدها، بما يجعل الحكم الاسلامي - في التصور الاسلامي غير الشيعي مدنيا من كل وجه- والحاكم وكيلا للامة خادما لها لا شرعية له يتمتع بها غير ما تخوله له.

4- هذا التصور لعلاقة الدين بالدولة كما أفصح دستور الجمهورية والذي سيثير اشكاليات عدة حول طبيعة سلطة الولي الفقيه هل هي سلطة دستورية مقيدة أم هي سلطة فوق مؤسسات الدولة، كان له أبعد الأثر في إعادة صياغة جملة سياسات الدولة الداخلية والخارجية، فعلى الصعيد الخارجي لم تعد الجغرافيا عاملا محددا في رسم علاقات الدولة فهي "تواجه العالم مواجهة عقدية" قيمية ارتبط فيها المذهب بمبادئ نصرة المستضعفين والدفاع عن استقلالية القرار عن القوى الدولية من أجل ظهور عالم جديد لا هيمنة فيه للقوى الدولية على أمم الارض.

5- في ضوء ذلك أين تتنزل علاقات الجمهورية الاسلامية مع دول المغرب العربي؟

أ‌- لقد فرض الوضع الاقليمي المشبع بالطائفية والانحياز للمعسكر الغربي معسكر المستكبرين حصارا خانقا على الثورة الايرانية عند اندلاعها مشجعا داعما العدوان عليها لإجهاضها في المهد، وكان لذلك إسهام كبير في تفجير الأبعاد الطائفية للثورة ردا على تأجيج المعتدين للمخزون الطائفي، فكان مفهوما من أجل القفز فوق هذا المحيط المعادي الملوث بالصراعات الطائفية، البحث عن مجالات حيوية نظيفة حتى خارج البلاد الاسلامية في أمريكا اللاتينية، وإفريقيا حيث تختزن تلك الشعوب آلاما جساما من مواريث ما سلط عليها من مظالم غربية، ومن باب أولى الاتجاه الى عالم الاسلام حيث القلوب سليمة من سموم الصراع الطائفي للبحث فيها عن مجالات حيوية ومحاولة الارتقاء بالتشيع العاطفي الذي تختزنه الشعوب سواء أكان حبا لآل البيت أم إعجابا بصمود إيران في مواجهة الحصار والعدوان الغربيين ودعمها الجسور والثابت لقضية الامة المركزية قضية فلسطين مقابل خذلان وتواطئ الدول العربية، أم كان إعجابا ببطولات حزب الله في دحر الغطرسة الاسرائلية التي خنع العرب في مواجهتها، (أكثر من 70%ممن تشيعوا في المغرب تاثروا بنموذج حزب الله وشخصية زعيمه)، الارتقاء بذلك التشيع العاطفي والسياسي الى تشيع عقدي وولاء سياسي أثبت وأكثر صمودا، يعزز ذلك الامل ما عرفته هذه المنطقة في القرن العاشر من مولد لأكبر دولة شيعية، الدولة الفاطمية، رغم انتمائها الى فصيل شيعي آخر يعتبر تحريفيا، ومع ذلك يعطي الامل في استئناف تلك المسيرة التي كانت مجللة بالفتن والدماء.

ب‌- ولربما يزيد الاغراء الايراني بهذه المنطقة في إمكان الارتقاء بالتشيع العاطفي والسياسي الى تشيع عقدي أن أدبيات الحركات الاسلامية القائمة في الساحة المغاربية خاصة تخلو من كل مادة طائفية بسبب غياب المذهبي الآخر، بما جعلها موضوعيا قد مهدت الطريق أمام دعاة الشيعة باكتفائها بالحديث عن اسلام عام خال من كل نفس مذهبي، الآخر في هذه الساحة ليس هو الشيعي فهو غير موجود ليجادل وإنما الشيوعي والعلماني عامة الذي يسيطر على الفكر والثقافة والسياسة.

 والجدير بالملاحظة هنا أن من دعوا أنفسهم ب"المستبصرين" وهم المنتقلون من المذهب السني، الى الشيعي فاتحين أعينهم بعد عمى مهتدين بعد ضلال"!! لا يذكرون بخير من مهدوا لهم الطريق بل هم لا يفرطون فرصة في التقرب الى الحكام الظلمة مستفيدين من الفراغ الذي خلفه اضطهاد الحركات الاسلامية الكبرى، باذلين وسعهم في إنكار أي شرعية لها.

ت‌- ومع أن البعد العقدي عامل رئيسي في توجيه جملة السياسات الايرانية، تبقى إيران دولة قومية محكومة بمنطق الدولة بما يحفظ بقاءها ومقومات أمنها القومي، وهو ما يجعل سياساتها متأرجحة بين المبادئ والمصالح، ومن ذلك علائقها بالدول المغاربية.

6- تعرضت علائقها بالأقطار المغاربية الثلاثة تونس والجزائر والمغرب لهزات شديدة بسبب العامل الديني لدرجة قطع العلاقات:

أ‌- في خضم مواجهة النظام التونسي للحركة الاسلامية "حركة الاتجاه الاسلامي"، في بداية الثمانينات، أقدم النظام التونسي على قطع علاقاته بالجمهورية الاسلامية متهما إياها بدعم الحركة الاسلامية، وعزز قناعته ما أقدمت عليه هذه الاخيرة من حماس منقطع النظير في المنطقة للثورة الاسلامية وتبشيرها بشعاراتها ورموزها التي حملت صورهم منشوراتها على الأغلفة، فحجبتها نهائيا وشنت حملات شعواء على قياداتها وكوادرها، وظلت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة طوال الثمانينيات.

 ولم تستأنف إلا في أوائل التسعينات، بعد أن اطمأن النظام على تخضيده شوكة الحركة الاسلامية، وأنها لم تعد تمثل أي خطر داخليا. فاتجه الى محاصرتها في الخارج، من خلال ملاحقة أفرادها بالبوليس الدولي، راميا إياهم بتهمة الارهاب، ومن خلال محاصرتهم لدى من يعتقد أنهم أصدقاؤهم، وأساسا النظام الايراني، والنظام السوداني، أعاد معهما العلاقة على أساس الامتناع عن أي علاقة لهما بالحركة الاسلامية. وبرز ذلك خلال امتناع استقبال رئيس الحركة ضمن وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. يعتقد أن ذلك وفاء للتعهدات.

 تطورت العلاقات بين النظامين التونسي، والايراني، وتكثفت الزيارات، والمبادلات، التجارية والاقتصادية، ترعاها لجنة يرأسها الوزير الاول الاول التونسي، ونائب رئيس الجمهورية الايرانية تجتمع كل ستة أشهر لتطوير العلاقات في مختلف المجالات. ولقد أخذت تظهر على السطح الآثار الثقافية لهذا التطور العلائقي، ممثلا في ظهور حركة تشييع لأول مرة في تاريخ البلاد منذ القرن العاشر، فأفسح المجال أمام منشورات وحظرت أخرى وحظرت وطوردت جمعيات وتأسست جمعية دعيت جمعية أهل البيت لها ناطقون باسمها ومواقع في الانترنات ونما الابتعاث الطلابي الى قم وأمثالها. ورغم أن عدد المتشيعين غير محدد، إلا أن بعض رموزهم يؤكد أنهم آلاف، بل مئات الآلاف، مع ما قد يكون في ذلك من مبالغة. ولم يتردد دعاتهم من اتخاذ تسفيه رموز الصحابة والفاتحين، وأئمة الفقه هزؤا، سبيلا لتفكيك البنيان واقتناص الجاهلين.

ب‌- في الجزائر: تعرضت العلاقة بالجمهورية الاسلامية لاضطراب مماثل لأسباب مشابهة، وذلك رغم ما تمثله جزائر الثورة في المخيال الايراني الثوري من جاذبية ملهمة، ورغم الدور الجزائري الدبلوماسي المؤثر في حل النزاعات الايرانية الشائكة، إن في عهد الشاه حيث توصلت الى حل للنزاع الايراني العراقي حول شط العرب، أو في عهد الثورة حيث وفقت الجزائر في الوصول الى حل الدبلوماسيين الامريكان المحتجزين في ايران.

 لقد مثل انقلاب الجيش على صناديق الاقتراع في بداية التسعينيات وماتلاها من حملات استئصالية على الجبهة الاسلامية للانقاذ، نقطة تحول في علاقة الحكم العسكري مع ايران، قاطعا معها العلاقات، متهما إياها بدعم الجبهة الاسلامية للانقاذ. وكما لم يقدم النظام التونسي دليلا على الدعم المزعوم، لم يقدم نظيره الجزائري شيئا من ذلك، اللهم غير الدعم الاعلامي، ومع ذلك ظلت العلاقات مقطوعة، حتى جاء الرئيس بوتفليقة وتم استئنافها واضعا إياها على طريق النمو السريع والاستراتيجي وذلك بعد زيارات على أعلى المستويات بين الرؤساء والمسؤولين الكبار.

 فاجتمعت سنة 2003لجنة للتعاون بين البلدين انتهت الى وضع اتفاقيات في 19 مجالا للتعاون الزراعي والصناعي والعلمي والثقافي وفي مجال البناء والمياه وفي مجال الطاقة وفي المجال النووي.

ت‌- غير أن هذا التعاون لم يمض بعيدا حتى أخذت بعض آثاره الجانبية تظهر في الساحة وتتمثل في ظهور للدعوة الشيعية على السطح في بعض الاحياء في العاصمة، وفي مدن داخلية. ومن ذلك ما اتخذه وزير التربية من طرد عدد من المدرسين أظهروا سب عدد من الصحابة، أحالهم على مناصب إدارية، وتكرر ذلك في أكثر من مدرسة.

كما نقلت مصادر تقديم ايران ألف منحة دراسية لطلبة جزائريين، الى جانب توزيع مصادر ومنشورات دعائية للفكر الشيعي. وأشار موقع شيعة الجزائر أن أسرا بكاملها دخلت في التشيع، وأن المذهب يزداد انتشارا في قطاعات واسعة من المجتمع الجزائري. ويفسر الدكتور محمد بريكة هذه الظاهرة بغياب المرجعية الدينية في الجزائر وضعف المناعة الثقافية. وهو الامر ذاته يصدق على تونس .وبعيد أن يرتقي الامر الى كونه ظاهرة.

ث‌- في المغرب: لا شك أن هذا التعاون الاستراتيجي بين الجزائر وإيران، مقلق للمغرب بسبب انعكاساته السلبية على مسالة الصحراء، وما يروج من وجود علاقات بين الايرانيين والصحراويين. ولا يبعد أن يكون من وراء ارتقاء الجزائر بعلاقتها بإيران رسالة موجهة الى حليفيها فرنسا والولايات المتحدة احتجاجا على ما تعبتره انحيازا من قبلهما لجهة المغرب.

 ورغم أن علاقات المغرب بايران ظلت صامدة حتى في زمن دعمها لصدام في معركته مع ايران، فقد انهارت أخيرا. والخلفية الظاهرة لهذا الانهيار الذي فاجأ ايران ما ذكرته المغرب من احتجاجها على ما صرح به مسؤول ايراني من أن البحرين ولاية ايرانية!! وهو أمر على حماقته وغروره، لم يتسبب في قطع دول الخليج المعنية أكثر بالامر ولا حتى البحرين ذاته ولم تبادار الى قطع العلاقة، وهو ما يجعل المضمر المقدم من الاحتجاج، أقل أهمية من المؤخر الذي عبر عن قلق المغرب أساسا من التغلغل الايراني في جملة المنطقة بما يشبه حصارا للمغرب من كل الجهات تقريبا، من الجزائر ومن موريطانيا حيث تكثفت العلاقة مع ولد عبد العزيز العائد من طهران مبتهجا جدا بما حظي به من تكريم ومساعدات.

 كما تكثفت قبل ذلك علاقة طهران بالسينيغال، وتعززت باتفاقيات كبرى بين البلدين. ويزيد الامر سوء ما تحققه ايران من اختراقات عقدية في جملة المنطقة لا يستثنى من ذلك المغرب وبلغت العناصر "المستبصرة "من الثقة في نفسها ومن الجرأة أن خرجت في مكناس في مسيرة معتمري عصائب سوداء مكتوب عليها: "ياحسين"، وحاملين رايات سود .. ويبدو أن تعميما نزل الى رجال الامن بفحص حجم الظاهرة والتصدي لانتشارها .. ومن ذلك القيام بحل حزب البديل الحضاري وسجن بعض رموزه بتهمة علاقاته مع عناصر حزب الله.

هناك خشية من تنامي أرضية لفتن طائفية في بلد برئ منها قرونا متلاحقة. أما الاستاذ أحمد الريسوني فيعتبر أن حركة التشيع بالمغرب ليست خطرا في ذاتها، ولا مستقبل لها، ووجودها الآن مرتبط بهشاشة الحالة الدينية والثقافية والسياسية بالمغرب، وفي غالبية الدول السنية.

وهون الدكتور البوكيلي كذلك من خطر الخطاب الشيعي إلا أنه شدد على خطورة التشيع التي تكمن في كونه لا يقتصر على الجانب العقدي وإنما أيضا يشمل الجانب السياسي، فكل من غير ولاءه المذهبي يغير معه ولاءه السياسي ليتبع مرجعية قم الايرانية. إن استراتيجية المدرسة الشيعية تقوم على الاستقطاب كأداة من أدوات الصراع والاعتماد على السؤال السياسي المرتبط بإشكالية الخلافة التي يعتبرونها جزء من الاصول العقدية". وهو ما شدد في إنكاره مستبصر تونس مؤكدا ولاءه للرئيس ابن علي.

والخلاصة من كل ذلك" تستنتج من نوع الاجابة على السؤال التالي: هل الحضور الايراني السياسي والثقافي في المغرب العربي يمثل مصدر تهديد لها أم عامل توازن مع الحضور التقليدي الغربي؟

ويمكن طرح القضية من زاوية أخرى :بأي شروط يمكن للحضور الايراني القوي في المنطقة أن يكون عامل إيجابي لها؟ الجواب هو عامل توازن إيجابي عندما تكون المنطقة قوية أي موحدة مغاربيا وعربيا، وإلا أكلت سواء من هذه الجهة أم تلك. و في أسوإ الاحوال لأن نكون رعاة للابل عند ابن تاشفين خير من أن نكون رعاة للخنازير عند الفونوس حسب تعبير ابن عباد.