العنوان هنا
دراسات 17 يناير ، 2011

علاقات إيران الدولية والإقليمية وتأثيراتها على الأمن القومى العربى

الكلمات المفتاحية

نيفين عبد المنعم مسعد

باحثة مصرية في العلوم السياسية. ماجستير من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة عام 1983 في موضوع "الصهيونية والقوى الضاغطة في فرنسا". دكتوراه من الكلية نفسها عام 1987 في موضوع "الأقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي". أستاذة في كلية العلوم الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة القاهرة منذ عام 1997. أمينة الشؤون التعليمية في معهد البحوث والدراسات العربية منذ عام 2001. الدكتورة نيفين عضو في العديد من اللجان والمنتديات منها عضو لجنة المشاركة السياسية في المجلس القومي للمرأة منذ عام 2000. ومنتدى الحوار في الهيئة القبطية الإنجيلية منذ عام 2002. مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت) منذ عام 2002. عضو لجنة العلوم الإنسانية في مكتبة الإسكندرية منذ عام 2003. عضو مجلس أمناء مجلة الدراسات الفلسطينية. شاركت الدكتورة نيفين في العديد من المؤتمرات المحلية والدولية. لها العديد من المؤلفات والأبحاث في مجال الفكر السياسي والعلاقات الدولية كما أن لديها كتابا حول صنع القرار في إيران والعلاقات العربية-الإيرانية.

 

تمهيد

حدد القائمون على ندوة " إيران والعرب" مهام الباحثين المشاركين فى المحور الذي يحمل عنوان: "الأمن القومي العربى والبعد الدولى في العلاقة مع إيران" بدراسة نقطتين اثنتين هما: ما إذا كان ثمة تهديد من إيران للأمن القومي العربي ، وما هى أدوار القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا والصين والقوى الإقليمية كتركيا والهند وتأثيراتها على علاقة العرب بإيران.

 ومع أن القراءة الأولى لمضمون هذا المحور تعطي الانطباع بوجود موضوعين مختلفين، هما تهديد إيران للأمن القومي العربي وعلاقات إيران الدولية والإقليمية وتأثيراتها على علاقاتها العربية، إلا أنه يوجد ترابط وثيق بين الموضوعين ، وذلك أن ما قد ينشأ من تنسيق بين إيران والقوى المذكورة قد يأتى فى جانب منه على حساب المصالح العربية ، والأمر نفسه يصح وبشكل أوضح إذا وقع صدام بين إيران وواحدة أو أكثر من تلك القوى فى ظل ما هو معلوم من عوامل الجوار الجغرافي والتشابك التاريخي والديموغرافي مع العرب فضلاً عن عامل التمدد السياسي والأمني والاقتصادي لإيران في عدد من الدول العربية. هذه واحدة.

والأخرى أن المتغير الإسرائيلى متغير حاكم لتطور علاقة إيران بالقوى الدولية والإقليمية المذكورة وبالتالي بعلاقاتها العربية. ولذلك فإنه -أي المتغير الإسرائيلي- وإن لم يظهر فى تحديد أبعاد هذا المحور من محاور الندوة، إلا أنه من المفهوم أن قضية محورية مثل قضية تسلح إيران بمساعدة روسيا والصين وكوريا الشمالية ، أو تطوير البرنامج النووي الإيراني بمساعدة روسيا تتأثر إلى حد بعيد بالضغوط التى تمارسها إسرائيل مباشرة وعبر الولايات المتحدة، وهذا بدوره يتحكم فى توازن القوى فى الشرق الأوسط وفى قضايا ضبط التسلح (أو التسابق عليه ) لدول المنطقة.

وعلى ضوء الفهم السابق لمضمون هذا المحور البحثي من محاور الندوة، يمكن تقسيم الورقة إلى قسمين رئيسين على النحو الآتي:

أولاً: تفاعلات إيران الدولية والإقليمية :

فى الخطة العشرينية التى ارتبطت بوصول الرئيس محمود أحمدي نجاد للسلطة، والتي استهدفت أن تكون إيران بحلول عام 2025 " فى المركز الأول اقتصادياً وعلمياً وتقنياً على الصعيد الإقليمي"، تم تحديد مفهوم هذا الإقليم بأنه منطقة جنوب غرب آسيا التى تشمل كلاً من آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط ودول الجوار .

وعندما ناقشَت صحيفة " كيهان" الناطقة باسم مرشد الثورة الإيرانية الخطة المذكورة من خلال مقالة نشرتها، أشارت إلى أن الأولوية الأولى لإيران في تلك المنطقة هي للخليج (الذي وصفته بالفارسي) لأسباب تتعلق بالنفط وبالموقع الاستراتيجي وبأن أغلبية سكان الدول المطلة عليه تتحدث بالفارسية و مذهبها شيعي، واعتبرت أن هذا الأمر من شأنه " أن يعمق من نفوذ إيران فى المنطقة"، خاصة أن "نجاح نموذج الديمقراطية الدينية كنموذج محلي وديني في العراق سيكون مبشراً بنفوذ معنوي متزايد لإيران في هذا النظام".

أما فيما يخص الشرق الأوسط (الذي وصفته المقالة بالعربي ) فقد جعلته يأتي في الأولوية الثانية في إطار منطقة جنوب غرب آسيا بسبب السياسة التوسعية الصهيونية وتهديد مصالح إيران، وبسبب وجود "الحزام الذهبي لإيران والعراق وسوريا ولبنان وهو في الواقع نوع من الائتلاف المذهبي السياسي والاقتصادي والاستراتيجي"، ولأن دعم إيران للبنان وفلسطين يزيد من نفوذ إيران فى المنطقة، وأخيراً لأن قضايا الإرهاب والتسلح أدت إلى احتدام التنافس الإقليمى.

مثل هذا التفوق المطلوب لإيران بعد خمسة عشر عاماً من الآن حسب الوثيقة، والمؤسس على قاعدة قومية مذهبية وفق مقالة كيهان، يعنى أن تشتبك إيران مع الوطن العربى عبر دائرتين أساسيتين: دائرة الخليج، ودائرة الشرق الأوسط.

لكن الدائرتين المذكورتين تتقاطعان مع دوائر أخرى أوسع وتستدعيان من أجل التأثير فيهما دخول إيران فى شبكة من العلاقات متفاوتة الأهمية والقوة، الأمر الذي يسمح بتسجيل مجموعة الملاحظات التالية:

1- تمثل الولايات المتحدة المتغير الرئيس المؤثر فى علاقة إيران بعديد من القوى الدولية كالصين وروسيا، والإقليمية كالهند وتركيا وأفغانستان وباكستان وجمهوريات وسط آسيا.

2- يوجد توظيف متبادل فيما يخص القضية الإيرانية بين الولايات المتحدة وبين القوى الإقليمية والدولية المشار إليها. وهذا التوظيف يتمثل فى استغلال الولايات المتحدة بعض عناصر التناقض فى مصالح إيران مع مصالح بعض تلك القوى من أجل استنفار الأخيرة ضد الجمهورية الإسلامية. وعلى الجانب الآخر فإن القوى المذكورة لا تتورع عن اتخاذ مواقف تتميز بدرجة معينة من الاستقلالية حيال إيران من أجل الضغط على الولايات المتحدة فى ساحات أخرى وقضايا مختلفة.

فى إطار مثل هذا التوظيف المتبادل يمكن أن نفهم ما يبدو لغير المتعمق من تناقض فى السياسة الروسية تجاه قضايا الملف النووي الإيراني وتسليم صفقات الأسلحة المتعاقد عليها لإيران والدور الإيرانى فى وسط آسيا.

 وقريب من ذلك تفاوت موقف الصين ما بين الإقرار بحق إيران فى الطاقة النووية السلمية وبين تصويتها بالإيجاب على حِزم العقوبات المتتالية. كما نفهم حاجة دولة مثل الهند إلى الانفتاح على إيران لضبط نشاط القاعدة فى أفغانستان وباكستان، وخشيتها فى الوقت نفسه من أن يضعها سلاح نووي إيراني في المستقبل بين شقي رحى بينما تتنامى فيه التوترات بين الهندوس والمسلمين.

 ونفهم كيف يمكن لدولة مثل تركيا أن تلعب دوراً أساسياً فى التوصل لاتفاق مع إيران والبرازيل حول تخصيب اليورانيوم فى شهر أيار (مايو) الماضي ثم بعد ستة أشهر من هذا التاريخ تقبل نشر الدروع الصاروخية على أرضها اتقاء لأي هجوم صاروخي من أي مصدر كان، بما فى ذلك إسرائيل.

3- على الرغم مما يبدو أن الملف النووي الإيراني هو جوهر التفاعل بين الجمهورية الإسلامية وبين الولايات المتحدة بحيث تتدخل للتأثير فيه لدى قوى عديدة، إلا أن هذا الاستنتاج السابق لا يقدم إلا تفسيراً جزئياً للواقع. أما الجزء الآخر من التفسير فإنه يرتبط بالتوجهات الخارجية للنظام الإيراني حيال بعض القضايا بالغة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة ومنها: القضية العراقية، الموقف من حركات المقاومة الإسلامية لإسرائيل، السياسة الإيرانية حيال التطورات على الساحتين الأفغانية والباكستانية.

لقد قبلت الولايات المتحدة أن يشرع نظام الشاه فى بناء مفاعل بوشهر النووي لأنه كان يؤدي وظيفة شرطي الخليج. كما أنها بالطبع تحرص على تكريس التفوق النووي الإسرائيلي لردع النظم "المارقة" على مستوى الشرق الأوسط. وتغض الطرف ولو على مضض عن القوة النووية للهند وبدرجة أقل لباكستان.

 وفى كل تلك الحالات لم تُرفع شعارات تحذر من سباق التسلح، أو من احتمال وصول قوى الأصولية الإسلامية المتشددة إلى السلاح النووى. لكن عندما شرعت الجمهورية الإسلامية فى استئناف العمل فى بناء مفاعل بوشهر النووي مع ما هو معلوم من التناقض الذى نشأ بعد الثورة بين المصالح الإيرانية والمصالح الأمريكية، آن لهذه الشعارات أن تخرج إلى العلن.

4- الملاحظة الأخيرة فى القسم الأول من الورقة تتصل بأنه من غير الصواب افتراض رغم كل ما قيل عن محورية الدور الأمريكي في التأثير السلبي على علاقات إيران الإقليمية والدولية، استخلاص وجود عداء أبدي بين الطرفين الأمريكي والإيراني، فالمتابع لتطور العلاقات الأمريكية- الإيرانية يجد أنها مرت بعدة مراحل منذ عام 1979، وأن السياسة الأمريكية على سبيل المثال منذ مطلع التسعينيات انتقلت إزاء إيران من الاحتواء المزدوج لها ولكوريا الشمالية والعراق، إلى محاولة إسقاط النظام على غرار ما حدث فى العراق، إلى إشراك إيران جزئياً فى التعامل مع قضايا المنطقة وبالذات القضيتين العراقية والأفغانية، وإلى الجمع بين أكثر من بديل من البدائل السياسية السابقة.

 ومعلوم أنه فى أثناء حرب الخليج الأولى كانت الولايات المتحدة وسيطاً فى صفقة سلاح لإيران كما أن دخولها الحرب ضدها برفع الأعلام على السفن الكويتية كان بداية النهاية لتغيير مسار المعارك الحربية لغير صالح إيران.

ثانياً: أثر تفاعلات إيران الدولية والإقليمية على الأمن القومى العربى

يكشف العرض السابق عن أن النظام العربى يمثل ساحة أساسية من ساحات التجاذب بين إيران والقوى الدولية والإقليمية المختلفة، وهو ما لفتت إليه النظر المقالة المشار إليها فى صحيفة كيهان وما يشهد به واقع الحال وفى هذا الخصوص يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات الآتية:

1- هناك مجموعة كبيرة من التطورات التى ألمت بالنظام العربى وأدت إلى سهولة اختراقه من الخارج، وأبرزها حرب الخليج الأولى وتوزع الدول العربية فيها ما بين تأييد إيران ودعم العراق. واحتلال الكويت بما أدى إليه من تكثيف الوجود الأجنبي العسكري فى الخليج وإخراج العراق من معادلة القوة فى حدود الأمد المنظور. واحتلال العراق وما أدى إليه من استباحة العراق وسيادته وتحويله إلى ميدان للتنافس الأمريكي الإيراني.

 وعجز النظام العربى عن إدارة الصراع مع إسرائيل وعن رأب الصدع بين كلٍ من السلطة الوطنية وحركة حماس الأمر الذى سمح ليس فقط لأطراف إقليمية كتركيا وإيران بالدخول على الخط، لكن أيضاً بتكوين جبهة منهما تنضم إليها قوى دولية تحررية تقع فى قلب القارة الأمريكية نفسها كما هو الحال مع فنزويلا على سبيل المثال.

2- أنتج هذا الاختراق سلسلة من التفاهمات والمصادمات بين مصالح إيران والقوى الإقليمية والدولية أثر بعضها على الأمن القومي العربي وبعضها لا زال أثره قيد التشكيل والتكوين. ومن قبيل ذلك التنسيق الأمريكي- الإيراني فى احتلال العراق وإطاحة نظام صدام حسين، وفى دفع العملية السياسية ومن آخر تجلياتها الاتفاق على شخص نوري المالكي رئيساً للوزراة مع أن إياد علاوي إضافة إلى كونه صاحب أكبر عدد من أصوات الناخبين، فإن له طرح وطني يسمو على الطائفية رغم علاقاته الوثيقة بالولايات المتحدة.

وكما يأتي التنسيق الأمريكي- الإيراني في العراق على حساب سيادته ووحدته، فإن صراع الطرفين يأتي على حساب استقراره. وفى هذا الإطار يشار إلى دور إيران فى دمج الميلشيات المسلحة فى قوى الأمن وضلوع تلك الميلشيات فى العديد من أعمال العنف بهدف رفع تكلفة الوجود العسكري الأمريكي. علماً بأن أكثر تلك الأعمال يتخذ طابعاً عشوائياً وطائفياً. كما أن استهداف إيران بضربة عسكرية إسرائيلية لا يؤدي بالقطع إلى رد فعل إيراني عنيف فى العراق وفى ساحات أخرى.

وثمة مثال آخر يتصل بالعلاقة الإيرانية- التركية وأثرها على الأمن القومي العربي. فالتشعب والتطور فى أبعاد تلك العلاقة لا يحجب التناقض القائم بين مصالحهما فيما يتصل بالملفات العربية. وكمثال تؤيد تركيا نهج التفاوض مع إسرائيل وتحتفظ بعلاقة مع كلٍ من السلطة الوطنية وحركة المقاومة الإسلامية على حين ترفض إيران نهج التسوية. كما أن إيران تركز فى إدارة الملف اللبنانى على قوى الثامن من آذار على حين تنفتح تركيا على قوى الثامن والرابع عشر من آذار.

 وبينما تعمد إيران إلى إضعاف المكون العربى للهوية العراقية من خلال دعم تحالف شيعي- كردي مؤيد لها، لا تمثل عروبة العراق تحدياً لتركيا. وفى كل الأحوال فإن هذا يؤدي إلى قسمة العرب إلى موقفين أحدهما أقرب للموقف التركي والآخر أقرب للموقف الإيراني.

وهكذا فإنه فى غياب الإرادة والفعل العربي سوف يظل التنسيق بين إيران والقوى ذات الصلة وكذلك خلافها معها عاملاً من عوامل تهديد الأمن القومي العربي وعلى حساب المصالح العربية.

3- تقود الملاحظة السابقة إلى ضرورة أن ينشأ حوار بين العرب للاتفاق على مجموعة من المبادئ الرئيسة التى يستند عليها مفهوم الأمن القومي العربي، والتي من المهم أن تكون حاضرة فى علاقتهم مع إيران وغيرها من القوى الإقليمية والدولية، ومحددة لمسار تلك العلاقة وتطورها.

ومن المنتظر أن يكون رد الفعل الفوري على هذا الطلب هو الإشارة إلى صعوبة التنسيق بين الدول العربية، وتعذر اتفاقها على أسس من الأمن القومي العربي. ولا أحد ينكر هذه الصعوبة لكن الحوار العربي-العربي لم يعد رفاهية بعد الانفصال المنتظر لجنوب السودان، ودعوة رئيس إقليم كردستان لإعمال حق الأكراد فى تقرير مصيرهم، وشبح الحرب الأهلية المخيم على لبنان، ونذير انفلات العنف فى اليمن، والتطورات المتعلقة بقضية الصحراء الغربية، وغموض مستقبل النظام فى مصر. ففي مواجهة تحديات بهذا الحجم لا بد من تفعيل مبدأ تجميد التناقضات الثانوية من أجل التفرغ لإدارة التناقض الرئيس.

4- لقد سبق للأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى أن اقترح في قمة سرت العادية في مارس 2010 رابطة لدول الجوار العربية تبدأ بتركيا وتشاد و تخضع مسار انضمام إيران إلى هذه الرابطة للتشاور و ترفض إدماج إسرائيل. وقد نوقشت الفكرة فى قمة سرت الاستثنائية فى أكتوبر 2010 دون التوصل إلى حل.

 لكن هذه الفكرة ما زالت تحتاج إلى مزيد من البحث و التطوير ، وتحتاج أن يتم التهيؤ لها بتنقية الأجواء العربية و الوعي بأن عامل الزمن يعمل ضد مصلحة الدولة القطرية نفسها دع عنك مسألة