العنوان هنا
مقالات 15 نوفمبر ، 2012

الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة.. ماذا حدث، وماذا بعد؟

أسامة أبو ارشيد

يعمل أسامة أبو ارشيد باحثًا غير مقيم مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسيّة والفلسفة من جامعة لفبرة / بريطانيا، ويقيم حاليا في واشنطن في الولايات المتحدة. نشر العشرات من المقالات والدارسات باللغتين العربية والإنكليزية، كما شارك في تأليف كتابين باللغة العربية عن حركة حماس والمعاهدة الأردنية الإسرائيلية. شارك في العديد من المؤتمرات الأكاديمية، وله كتاب باللغة الإنجليزية في مرحلة الإعداد للطباعة عنوانه: "جدلية الديني والسياسي في فكر وممارسة حركة حماس" وسيصدر عن Cambridge Scholars Publishing.

جاءت نتائج الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في السادس من شهر تشرين الثاني / نوفمبر مفاجِئةً من ناحيةٍ، ومتوقّعةً من ناحيةٍ أخرى. كيف ذلك؟

تمثّلت المفاجَأة في أنّه، ومنذ الحرب العالميّة الثانية، لم يُعد انتخاب رئيس أميركيّ ونسبة البطالة تتجاوز حاجز 7.1%. أمّا في حالة باراك أوباما، فإنّ نسبة البطالة قبل توجّهه إلى الانتخابات بلغت 7.9%. كما أنّ مستوى التّأييد الشعبيّ لسياسات أوباما كان دون الـ50% قبل إجراء الانتخابات. وتعدّ هذه النّسبة، النسبة السحريّة لأيّ رئيسٍ كي يربح الانتخابات. أضف إلى ذلك، أنّ كثيرًا من استطلاعات الرّأي كانت تشير إلى مسألتين مقلقتين لأوباما ومشجّعتين لمنافسه الجمهوريّ ميت رومني؛ الأولى، أنّ بعض الاستطلاعات كانت تضعهما في حالة منافسة شديدة في الانتخابات بتقدّم هذا الطّرف أو ذاك على الآخر بنقطة أو بضع نقاط قليلة تقع ضمن هامش الخطأ. أمّا المسألة الثانية التي كانت تثير قلقًا كبيرًا لدى هيئة حملة أوباما، فتمثّلت في ما أشارت إليه بعض استطلاعات الرّأي من أنّ قاعدة أوباما الانتخابيّة من الليبراليّين وفئة الشّباب والأقلّيات، وتحديدًا ذوي الأصول اللاتينيّة والسّود، تفتقد الحماس الذي كانت عليه في عام 2008، وذلك عندما حقّق أوباما فوزًا سهلًا وكبيرًا على المرشّح الجمهوريّ حينئذٍ، السناتور جون مكين.

وبناءً على هذه المعطيات مجتمعةً، فإنّ حملة رومني كانت مُؤمِنةً بشكلٍ كلّي بأنّ مرشّحها سيكسب الانتخابات، ليس فقط في بعض الولايات المرجّحة أو المتأرجحة، وتحديدًا أوهايو وفلوريدا، بل أيضًا في بعض الولايات المحسوبة على الديمقراطيّين كبنسلفينيا وويسكونسن.


سيناريو الفوز

كانت هذه المعطيات التي ذكرناها الأساس الذي يقوم عليه وصف "المفاجئة" بالنسبة إلى نتائج الانتخابات. ولكن النّتائج لم تكن بالضرورة مفاجِئةً على نحوٍ كلّي، وذلك إذا ما نظرنا بعين الاعتبار إلى المعطيات الأخرى التي تجعل من نتيجة الانتخابات منطقيّة.

لا نريد أن نستغرق كثيرًا هنا في بعض العوامل المساندة لترجيح كفّة أوباما على رومني، من قبيل مواقف رومني المتقلّبة ما بين الاعتدال (خلال حكمه لولاية ماسيشيوسيتس الليبراليّة في الفترة ما بين 2003-2007)، واليمينيّة التي أبان عنها في انتخابات الحزب الجمهوريّ التمهيديّة في محاولة لكسب أصوات أقصى اليمين في الحزب، وبعد أن أصبح المرشّح الرسميّ للحزب، وقع على كاهله عبء التوجّه نحو الوسط من جديد، وذلك في مسعى لكسب أصوات المستقلّين. كلّف هذا التقلّب في المواقف رومني الكثير، فهو من ناحيةٍ استثار بعض من يفترض أن يكونوا قاعدته التصويتيّة اليمينيّة في الحزب الجمهوريّ، وأخاف - من ناحية أخرى- المستقلّين ومن يصنّفون أنفسهم على أنّهم معتدلون، من أنّ الرجل متقلّب المواقف بحسب مصلحته ويصعب تحديد المبادئ التي يؤمن بها.

لعب الديمقراطيّون على هذا الوتر في رسم صورةٍ لرومني، فاستفادوا من تصريحات له مسرّبة يتّهم فيها 47% من الشعب الأميركيّ بالاعتماد على الحكومة في حياتهم المعيشيّة. كما أنّ معارضته السابقة خطّة الإنقاذ الاقتصاديّ لصناعة السيّارات في ولايتي ميتشغان وأوهايو المعتمدتين بشكلٍ كبير في اقتصادهما على هذه الصّناعة، كلّفته بالتأكيد ولاية أوهايو المتأرجحة.

كانت هذه إذن، بعض العوامل المساندة التي عزّزت من فرص أوباما في الفوز، لكن المشهد أكثر تعقيدًا من ذلك. فهو مرتبط أيضًا بالتغيّر الديمغرافيّ الذي تشهده الولايات المتّحدة، كما أنّه متعلّق بأيديولوجيا الحزب الجمهوريّ وهويّته. فكيف ذلك؟

ببساطة، بدأ الحزب الجمهوريّ الآن - خصوصًا مع تصاعد النّفوذ اليمينيّ فيه - يتحوّل تدريجيًّا إلى حزبٍ للبيض، وتحديدًا لكبار السنّ منهم. كما أنّه يخاطر بتحوّله إلى حزب "الجنوب الأميركيّ" إن لم يتوصّل إلى معادلة يتمكّن من خلالها من استيعاب الأقلّيات الصّاعدة في أميركا ودحض الانطباع السّائد عنه بأنّه معادٍ لهم.

لو حاولنا الآن أن نفهم هذا المعطى بلغة الأرقام فإنّ المشهد سيزداد وضوحًا. فمثلًا، واستنادًا إلى معطياتٍ إحصائيّة، كانت نسبة البيض من مجموع الذين صوّتوا في الانتخابات الأخيرة 72%، وهي أقلّ بنقطتين مئويّتين ممّا كانت عليه عام 2008، ويتوقّع أن تقلّ بنسبة نقطتين مئويّتين أيضًا في انتخابات عام 2016. وكانت نسبة من صوّتوا من البيض لمصلحة أوباما 39% فقط مقارنةً بـ 59% لرومني.

جاء انتصار أوباما هنا بسبب تصاعد نسب المصوّتين السود واللاتينيّين. فإذا ما أخذنا في الاعتبار أنّ نسبة المصوّتين الأميركيّين السّود من المجموع الكلّي للمصوّتين بلغت 13% في حين بلغت نسبة المصوّتين من أصولٍ لاتينيّة من مجموع المصوّتين 10%، وإذا ما علمنا أنّ 90% من أصوات السود ذهبت لأوباما، و71% من أصوات اللاتينيّين كانت في مصلحته كذلك، حينها نفهم حجم التغيير الكبير في التركيبة السكانيّة في الولايات المتّحدة، وهو الأمر الذي كان بكلّ وضوح في مصلحة أوباما.

لا تتوقّف معضلة الجمهوريّين على التّغيير الكبير في المعادلة الديمغرافيّة في الولايات المتّحدة، بل إنّها تشمل أيضًا معضلةً أيديولوجيّة. يتمثّل جزء من هذه المعضلة في موقفهم غير الودّي من الأقلّيات وقوانين الهجرة، لكنْ ثمّة بعدٌ آخر لهذه المعضلة ويتمثّل في خسارتهم لأصوات الشبّان والنّساء في أميركا. فأوباما ربح أصوات الفئة العمريّة ما بين 18-29 بأكثر من عشرين نقطة مئويّة، كما أنّه ربح أصوات النساء (القلقات على بعض حقوقهنّ المكتسبة كحقّ الإجهاض) بفارق 18 نقطة مئويّة. ويرسّخ هذا - مرّةً أخرى - الانطباع السّائد عن الحزب الجمهوريّ بأنّه يتحوّل تدريجيًّا إلى "حزب الرجال البيض المسنّين".

وأثبتت الانتخابات الأخيرة أيضًا، أنّ غالبيّة الأميركيّين لا تمانع في تولي الحكومة الفدراليّة دورًا أكبرَ في إدارة الأوضاع الاقتصاديّة وضمان حدٍّ أدنى من شبكة الأمان لهم.


تحدّيات أمام فترة أوباما الثّانية

الآن، وقد وضعت الحملات الانتخابيّة أوزارها، ومع تجديد النّاخب الأميركيّ الثقة لأوباما سنوات أربعٍ أخرى في البيت الأبيض، فإنّ هذا لا يعني أنّ أوباما قد تحلّل كليًّا من الأثقال التي ينوء بها كاهله. فالرّجل يواجه تحدّياتٍ داخليّةً وخارجيّة غير مسبوقة.

أوّلًا: التحدّيات الداخليّة

تتمثّل أولى القضايا الداخليّة الملحّة التي ترزح تحتها إدارة أوباما، في اقتراب البلد من شفير ما يُعرف بـ"حافة الهاوية الماليّة" The Fiscal Cliff. فإن لم يتمكّن أعضاء الحزبين الجمهوريّ والديمقراطيّ في الكونغرس، بالتوافق مع الإدارة؛ من الاتّفاق قبل نهاية هذا العام على تجديد الخصومات الضريبيّة للطبقة الوسطى والاتّفاق على اقتطاعات في جدول المصروفات الأميركيّة؛ فإنّ نسبة الضّرائب ستشهد ارتفاعًا كبيرًا، وستكون هناك اقتطاعات تلقائيّة من برامج دفاعيّة واجتماعيّة مهمّة، قد تؤدّي بالاقتصاد الأميركيّ إلى دخول مرحلة ركودٍ جديدة.

أمّا التحدّي الآخر الذي تواجهه إدارة أوباما فيتعلّق بإيجاد حلٍّ لمشكلة البطالة وخفضها من النسبة الحاليّة 7.9% إلى 5.2% على الأقلّ. وهناك أيضًا مشكلة المديونيّة العامّة التي اقتربت من 17 ألف مليار دولار، وأيضا عجز الموازنة السنويّة. كما أنّ هناك تحدّيات تتعلّق بالإصلاح الضريبيّ وقوانين الهجرة وسدّ بعض الثّغرات والعيوب في قانون الرعاية الصحيّة الذي نجح أوباما في تمريره في دورته الرئاسيّة الأولى، ...إلخ.

لن يكون بمقدور إدارة أوباما والديمقراطيّين التّعامل مع كلّ هذه التحدّيات بسهولة، في ظلّ سيطرة الجمهوريّين على مجلس النوّاب، وعدم امتلاك الديمقراطيّين أغلبيّة مطلقة في مجلس الشّيوخ (لتحقيق الأغلبيّة المطلقة، فإنّ الديمقراطيّين في حاجةٍ إلى 60 صوتًا من أصل 100، لكن يبدو أنّهم يحظون الآن بـ55 صوتًا فقط) تمكنهم من صدّ أيّ محاولة من الجمهوريّين لإعاقة إصدار تشريعات.

ثانيًا: خارجيًّا

تواجه إدارة أوباما تحدّياتٍ كثيرة على الصعيد الخارجي، تترافق مع التغييرات التي سيجريها على طاقمه الوزاريّ وهيئة مستشاريه في مجلس الأمن القوميّ الأميركيّ. فقد تأكّد الآن مغادرة كلّ من هيلاري كلينتون وزارة الخارجيّة، وليون بانيتا وزارة الدّفاع، كما أنّ الفضيحة الجنسيّة للجنرال ديفيد بتريوس مدير الـ"سي. آي. إيه" أضافت عبئًا جديدًا على الرئيس يتمثّل في ضرورة إيجاد بديلٍ له.

ومن بين التحدّيات الخارجيّة التي تواجه إدارة أوباما الثانية صعود الصين في منطقة جنوب شرق آسيا وتهديدها للنّفوذ الأميركيّ هناك. وهو الأمر الذي أوضحته إدارة أوباما من قبل، سواء على لسان الرئيس نفسه، أو عبر وزيرَي الدّفاع والخارجيّة الأميركيّين، اللذين أكدّا أنّهما لن يسمحا بتقليص النّفوذ الأميركيّ في تلك المنطقة الحسّاسة للأمن والمصالح القوميّة الأميركيّة. ولكن التشدّد الأميركيّ مع الصّين في هذا السّياق يبقى محكومًا بتوازنٍ دقيق نظرًا لأهمّية الصّين في استقرار الاقتصاد الأميركيّ من حيث أنّها أكبر قابض للسّندات الأميركيّة.

وهناك التحدّي الذي تمثّله "روسيا بوتين" الطامحة إلى استعادة أمجاد النّفوذ السوفييتيّ الغابرة. وتعدّ سورية إحدى أوضح ساحات التّنافس الأميركيّ - الروسيّ اليوم. إضافةً إلى الأزمة الاقتصاديّة الأوروبيّة، والتي إن لم يجر التّعامل معها بنجاح فإنّها قد تؤدّي إلى حدوث ركود اقتصاديّ أميركيّ جديد. أضف إلى ذلك مسألة الانسحاب من أفغانستان في أواخر عام 2014، بحسب الجدول الزمنيّ المقرّر مسبقًا، واحتمالات عودة البلاد إلى حربٍ مفتوحة ما بين طالبان والنظام الحاليّ الحليف للولايات المتّحدة.


تحدّيات الشّرق الأوسط

تمثّل منطقة الشّرق الأوسط تحدّياتٍ كبيرة. فهناك أوّلًا، الصّراع العربيّ - الإسرائيليّ، وتعثّر العمليّة السلميّة الفلسطينيّة - الإسرائيليّة. إذ فشلت إدارة أوباما في سنواتها الأربع الماضية في الضّغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو لتجميد الاستيطان كشرطٍ وضعه الفلسطينيّون للعودة إلى طاولة المفاوضات. وبسبب تعنّت نتنياهو، لم يتمكّن أوباما من دفع الطّرفين للتوصّل إلى اتّفاقٍ ينتهي بإقامة دولة فلسطينيّة، كما وعد في خطابه في القاهرة في حزيران / يونيو سنة 2009.

ويبدو أنّ إدارة أوباما الثانية ستميل لمصلحة التخفيف من انخراطها في هذا الملفّ، إذ تشير بعض التقديرات إلى أنّ أوباما لا يريد أن "يلطّخ" رئاسته بفشلٍ آخرَ في ملفّ الصّراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ ينضاف إلى فشل سابقيه؛ بيل كلينتون في كامب ديفيد عام 2000، وجورج بوش في أنابوليس عام 2007. ويبدو أنّ إدارة أوباما ستحاول التّركيز أكثر على إدارة الصّراع ومحاولة التحكّم في نطاقه ومداه وضمان عدم تفجّره وخروجه عن السّيطرة، فضلًا عن محاولة التركيز على تحقيق إنجازات صغيرة في نطاق العمليّة السلميّة دون أن تمسّ القضايا المعقّدة، كاللاجئين والقدس. لكن، يجب ألّا نقلّل هنا من حقيقة أنّ القضيّة الفلسطينيّة دائمًا ما تجد طريقة ما لفرض نفسها على أجندات الجميع، سواء إقليميًّا أو دوليًّا.

أمّا فيما يتعلّق بالأزمة السوريّة، فإنّ الولايات المتّحدة التي دعا رئيسها مرارًا وتكرارًا إلى ضرورة استقالة الرئيس السوريّ بشّار الأسد، لم تُقْدم على إِتْباع ذلك بدعمٍ عسكريّ للثوّار السوريّين، أو على الأقلّ فرض منطقة حظر جوّي، كما حصل في التجربة الليبيّة.

عزت الولايات المتّحدة موقفها ذاك في السابق، إلى عدم توحّد قوى المعارضة السوريّة، وإلى تخوّفها من هويّة بعض المقاتلين "الجهاديّين". ومن أجل ذلك، ضغطت الولايات المتّحدة مؤخّرًا عبر وزيرة خارجيّتها هيلاري كلينتون، لتوحيد المعارضة الداخليّة والخارجيّة، وهو ما تمّ فعليًّا في الدوحة تحت لافتة "الائتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة"، والذي اعترف به أوباما يوم الأربعاء 14/11/2012، كممثّلٍ شرعيّ (ليس وحيدًا) لـ"تطلّعات السوريّين".

ومع ذلك، فإنّ الولايات المتّحدة لا تزال متردّدةً في كيفيّة التعامل مع الملفّ السوريّ، مع تأكيدها إلى حدّ هذه اللحظة على أنّها ضدّ تقديم أيّ عتاد عسكريّ ثقيل للثوّار، بذريعة أنّها لا تعرف حقيقة خلفيّاتهم. ويبدو أنّ هذا التردّد الأميركيّ، مرتبط من ناحية بتخوّفات أميركيّة إسرائيليّة من الشكل الذي ستكون عليه سورية في حال سقوط نظام الأسد، وهم لا يريدون التعجيل بإحداث تغيير فيها قبل الحصول على ضمانات تتعلّق بما ستكون عليه سورية ما بعد الأسد.

أمّا فيما يتعلّق بالتّعامل مع الثورات العربيّة، فيبدو أنّ الحماس الأميركيّ لها قد خفّ. فمن ناحية، استوعبت الإدارة الأميركيّة المفاجأة الآن؛ ومن ناحية أخرى، هي تريد أن تكون حاضرة في توجيه مخرجات الثورات العربيّة، وذلك بشكل أكبر ممَّا كانت عليه الحال في كلٍّ من تونس ومصر وليبيا. ويتوقّع أن تسعى الإدارة الأميركيّة إلى احتواء التّغييرات التي وقعت في بعض دول الربيع العربيّ دون أن تصطدم بها. بمعنى أن تعمل الإدارة الأميركيّة على أن لا تنتج هذه التّغييرات في المنطقة أنظمة معادية لها أو أن تسعى لقلب قواعد اللعبة مع إسرائيل جذريًّا، خصوصًا في الحالة المصريّة.

ويبقى الملفّ النوويّ الإيرانيّ بكلّ تعقيداته وحساسيّاته، أحد أبرز التحديات الخارجية في الفترة الرئاسية الثانية. فإدارة أوباما قاومت على مدى السّنوات الأربع الماضية ضغوطًا إسرائيليّة لشنّ هجومٍ عسكريّ على إيران، وفضّلت بدلًا من ذلك فرض عقوبات اقتصاديّة وماليّة محكمة عليها.
وترى إدارة أوباما أنّ هذه العقوبات قد بدأت تُؤتي أُكلها، ولذلك ضغطت لمنع إسرائيل من القيام بقصفٍ جوّي منفرد للمواقع النوويّة الإيرانيّة.

ومن المتوقّع أن تحافظ إدارة أوباما على السّياسة ذاتها التي اتّبعتها في السنوات الأربع الماضية، بمعنى تشديد العقوبات أكثر فأكثر على إيران، وعدم إغلاق الباب أمام الحلول الدبلوماسيّة إن وُجدت، مع إبقاء الخيار العسكريّ على الطاولة في حال قالت التقديرات الاستخباراتيّة الأميركيّة إنّ إيران تقف على عتبات الدخول إلى النادي النوويّ. ولكن، يبقى التحدّي الرئيس أمام إدارة أوباما متمثّلًا فيما إذا كانت ستنجح في لجم نتنياهو عن شنّ هجوم على إيران، وذلك في حال فوزه برئاسة الوزراء مجدّدًا في الانتخابات الإسرائيليّة القادمة في مطلع العام 2013.


خاتمة

في المحصّلة، وعلى الرّغم من أنّ الولايات المتّحدة لا تزال القوّة الأولى عالميًّا، فقد يحدّ حجم التحدّيات التي تواجهها داخليًّا وخارجيًّا وتعدّدها، من قدرتها على التحرّك بفعاليّة كبيرة في الكثير من الملفّات الخارجيّة، خصوصًا إذا كانت تلك الملفّات تحتاج إلى تدخّلٍ عسكريّ، كما هي الحال مع إيران. فآخر شيء يريده أوباما الآن هو أن يشعل حربًا جديدة (دون أن ننفي إمكانيّة وقوع ذلك) توهن اقتصاد بلاده الهشّ أكثر فأكثر، خصوصًا وهو الذي أعلن في خطاب النّصر الانتخابيّ "أنّ عقدًا من الحروب ينتهي".