العنوان هنا
دراسات 23 يونيو ، 2022

عن السياسة ما بعد الدولية: تعايش بين نظامين أم عصر وسيط جديد؟

محمد حمشي

باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة - قطر. عمل سابقًا أستاذًا في العلاقات الدولية، قسم العلوم السياسية في جامعة أم البواقي في الجزائر. حاصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة باتنة في الجزائر. نشر العديد من الدراسات والأوراق البحثية باللغتين العربية والإنكليزية في عدد من المجلات العلمية المحكمة.

عادل زقاغ

أستاذ التعليم العالـي في العلوم السياسية، جامعة باتنة 1، الجزائر.

مقدمة

لا تعني نسبة السياسة الدولية إلى الدولة، بوصفها فاعلًا رئيسًا فيها، فهمَ لفظ الدولي على سبيل النعت الذي يعود إلى الدولة. يعود أول استخدام لمصطلح International الذي يقابله في اللغة العربية الدولي، إلى فيلسوف القانون الإنكليزي جيريمي بينثام Jeremy Bentham (1748-1832) الذي استخدمه في نهاية القرن الثامن عشر للتمييز بين القانون المحلي (أي الوطني) والقانون الدولي الذي جرت العادة في اللغة الإنكليزية آنذاك على تسميته قانون الأمم Law of nations. ولمّا كانت الدولة في تلك الحقبة من التاريخ الأوروبي مرادفةً للأمة، جاء المصطلح على هذا النحو International لوصف كل ما يتصل بالعلاقات بين الأمم أو الدول[3]. ولم يواجه منذئذ عقبات تُذكَر ليتحوّل إلى مصطلح راسخ، خاصة مع شيوع مصطلح آخر يعبّر عن الفاعل الرئيس في ما صار يُعرف بالنظام الدولي، هو الدولة-الأمة nation-state.

في اللغة العربية، ينبغي التمييز بين التفكير في الدولي باعتباره ما يتعلق بالدولة أو ما يُنسب إليها من ناحية أولى، وباعتباره ما يتصل بالعلاقات بين الدول، أو بالأحرى بين مجموعة من الدول، من ناحية ثانية (وهو المفهوم من مصطلح السياسة الدولية)، ومن ناحية ثالثة، باعتباره العالمي الذي يشمل دول العالم كلها؛ ففي حين أن اعتبار المياه دوليةً يعني أن تلك المياه تكون فيها حقوق الدول كلها متساوية، بمعنى أنها تخص دول العالم كلها؛ وفي حين أن تسمية وحدة القياس دولية، يعني أن تلك الوحدة يتعامل بها المنتجون والمستهلكون في كل مكان من العالم؛ ولا يناسب هذا المعنى القاضي بأن المنعوت بالدولي يشمل دول العالم كلها مصطلحات جمة في العلاقات الدولية، فالاتفاقية/ المعاهدة الدولية قد تقتصر على مجموعة محدَّدة من الدول (قد لا تتعدى الدولتين)، والعقوبات الدولية لا تتبنّاها بالضرورة دول العالم كلها.

هذا ما جعل باري بوزان Barry Buzan وريتشارد ليتل Richard Little يُقرَّان بأن مصطلح ما بين الدول interstate، أقدمُ استخدامًا من مصطلح الدولي international، قد يكون أدق دلالةً وأفصح تعبيرًا عن النظام الدولي كما يجري تداوله في حقل العلاقات الدولية. ومع ذلك، نجدهما يثنيان على "مرونة" مصطلح الدولي الذي سكّه بينثام، ويؤكدان في الوقت نفسه أن هذا النعت "ما عاد يشير إلى العلاقات بين [مجموعة من] الدول فحسب، لكنه يغطي أي علاقة تمتد عبر حدود [مجموعة من الدول]، سواء أكانت مباراة ’دولية ‘في كرة القدم أو هجرة ’دولية‘ للأفراد"؛ فمباراة كرة القدم الدوليةُ لا تجمع فرقَ العالم الوطنيةَ كلها (بل في الواقع لا تجمع أكثر من فريقَي دولتيْن اثنتيْن)، مثلما أن حركة الهجرة الدولية للأفراد لا تتخطى ملايين الكيلومترات من الحدود التي تفصل دول العالم كلها، إحداها عن الأخرى.


* هذه الدراسة منشورة في العدد 54 (كانون الثاني/ يناير 2022) من دورية "سياسات عربية" (الصفحات 7-24)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل شهرين.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.