مقدمة
كنتُ قد شرعتُ في الإعداد لكتابة هذه المقالة، وقبل أن أنتهي منها، نشر عبد الوهاب الأفندي مقالة لافتة على موقع الجزيرة بالإنكليزية، بعنوان "أين هي ’مسؤولية الحماية‘ في غزة؟". ولا شك في أن الأفندي قد أتى على جلّ ما ينبغي أن يأتي عليه المرء حين يفكر في سؤال: أين توارى المدافعون عن مبدأ مسؤولية الحماية وقواتُ الاحتلال الإسرائيلي تعيث في الفلسطينيين إبادةً وتطهيرًا ممنهجَين؟
درج الأكاديميون على البدء بتعريف المفهوم وسياق بروزه وتطوره. ولن أنساق هنا خلف هذه العادة، لسببين على الأقل. يتمثل أولهما في أن لدينا فيضًا في الأدبيات التي تتصدى لذلك؛ ويأتي ثانيهما من سؤال: ما الجدوى؟ فهذه المقالة ليست معدَّة للنشر في دورية علمية، بقدر أنها تأملاتٌ في سؤالٍ عينيٍّ دقيق من بين الأسئلة ذات الصلة بمبدأ مسؤولية الحماية. لا أتساءل عن الجدوى من استنفاد مساحة المقالة في مناقشة التعريف بسبب طبيعة هذا النص فحسب، بل لأنني أستذكر أيضًا ما ناجيتُ به أحد الزملاء أيامًا بعد بدء الحرب الإسرائيلية القذرة على غزة؛ أن أنَّى لنا الآن أن نلج قاعة الدرس ونواجه الطلاب اليافعين ومنهم فلسطينيون بالقول: "درسُنا اليوم عن التدخل الإنساني ومسؤولية الحماية". قد لا أكون محقًا، لكن زميلي من دون شك كان محقًا وهو يعقب عليّ قائلًا: "سيكون مَثَلُنا كمَثل من يدخل مأتمًا ليُعزّي رجلًا بفقدِ طفله الوحيد، فيشرع في الحديث عن نعمة الأطفال وبهجتهم".
سأركز أكثر، في هذه المقالة، على النقاش القانوني بشأن مدى "ملاءمة" مبدأ مسؤولية الحماية لقطاع غزة، وبقية فلسطين المحتلة؛ ولأستعملَ لغة النقاش نفسه، مدى "انطباق" مبدأ مسؤولية الحماية على حالة قطاع غزة. وليس هذا النقاش وليد الفترة الراهنة، فترة ما بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بل يعود إلى فترة حرب تموز/ يوليو 2014 الإسرائيلية على غزة. وقد خاض فيه أكاديميون وممارسون، شارك بعضهم، على سبيل المثال، في ندوة نقاشية استضافها على موقعه الإلكتروني مركزُ الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد. وإليها سنعود لاحقًا.