العنوان هنا
تقدير موقف 16 يوليو ، 2014

بعد عاصمة القبائل "عمران"، هل يسعى الحوثيون للسيطرة على صنعاء؟

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

مقدمة

أعلنت ميليشيا الحوثي أو حركة "أنصار الله" كما تطلق على نفسها يوم الثامن من تموز / يوليو الجاري سيطرتها على مدينة عمران (60 كيلومترًا شمال العاصمة اليمنية صنعاء)؛ وذلك بعد أن اجتاح عناصرها مقارّ قوّات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقًا)، والشرطة العسكرية، وقوّات الأمن العام، واللواء 310 مدرع، والمواقع التابعة له في محيط المدينة، واستولت على ما كان فيها من أسلحة وذخائر وآليات ومعدات عسكرية. وبعد سيطرتها على المدينة، قامت جماعة الحوثي بنسف منازل خصومها من زعماء القبائل في المنطقة فضلًا عن نهب محتويات مؤسسات تابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، وتدميرها.


أطراف الحرب في عمران

لم تقلّل محاولات الحوثيين تصوير المواجهات التي خاضوها في محافظة عمران أنّها كانت تستهدف التجمع اليمني للإصلاح "المتحالف" بزعمهم مع "التكفيريين"، والمدعوم من بعض القيادات العسكرية في المنطقة، من الانطباع الذي خلفّته حقيقة أنّهم قاتلوا قوّات تابعة للحكومة واستولوا على مقارّ عسكرية تابعة للدولة والجيش اليمني، وغنموا ذخائرَ تعود ملكيتها إليهم؛ فالمزاعم التي أطلقها زعيم حركة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي في خطاب متلفز جرى بثّه على قناة المسيرة التابعة للجماعة مساء التاسع من تموز / يوليو الجاري، عندما قال إنّ خصومهم هم القاعدة والتجمع اليمني للإصلاح وبعض القيادات العسكرية، وليست لديهم مشكلة مع الدولة، لم تقنع الكثيرين، وإن كان فيها قدرٌ من الصحّة[1]؛ فعلى الرغم من إنكار التجمع اليمني للإصلاح مشاركته في القتال الذي جرى في عمران، حيث وصف ما يدور بأنّه حرب الحوثيين ضدّ الجيش المدعوم برجال القبائل[2]، كان ينتمي معظم هؤلاء – أي رجال القبائل – إلى التجمع اليمني للإصلاح، وقد مثّلوا الطرف الرئيس في حرب عمران إلى جانب اللواء 310 مدرع، في مواجهة الحوثيين والقبائل الداعمة لهم.

ولا ينفي هذا أنّ هناك أطرافًا داخلية وخارجية عديدة ساهمت وتسهم في تأجيج هذه الحرب، بما في ذلك بعض القوى الإقليمية التي تدير حربًا بالوكالة على أرض اليمن، وأطراف التحالف الحاكم السابق التي تصفّي حساباتها عبر هذه المواجهات. مع ذلك فقد كانت حرب عمران أشبه بحربٍ أهلية محدودة، بخلاف الحروب الستّ السابقة التي خاضتها الحكومة ضدّ جماعة الحوثي، حين كان الجيش هو الطرف الرئيس في مواجهة جماعة الحوثي. أمّا في هذه الحرب تحديدًا فقد كانت المليشيات القبلية الموالية للحوثيين وتلك الموالية للتجمع اليمني للإصلاح، هي الطرف الرئيس الذي قاد المواجهات.

وقد عبّر عن هذا الوضع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الذي وصف حرب عمران بأنّها حرب بين جماعات مسلّحة. في حين دعا البيان الصحفي الصادر عن مجلس الأمن في 11 تموز / يوليو 2014، الحوثيين وكلّ الجماعات المسلّحة والأطراف الأخرى المنخرطة في العنف للانسحاب من مدينة عمران، كما طالبها بتسليم الأسلحة والذخائر التي سُلبت من معسكرات الجيش وقوات الأمن للسلطات الوطنية الموالية للحكومة. ودعا كذلك إلى تجريد الجماعات المسلّحة والأطراف المنخرطة في العنف من الأسلحة[3].


أسباب سقوط عمران

لقد تهيّأ للميليشيا المسلّحة التابعة لحركة "أنصار الله" خلال السنوات الماضية ظروف داخلية وخارجية مكّنتها من تعزيز قدراتها العسكرية كمًّا وكيفًا، إلى درجة باتت تملك معها إمكانات جيش دولة صغيرة من دول المنطقة. وقد مكّنها ذلك من السيطرة على مدينة عمران ومحافظة عمران عمومًا، وباتت قادرة على تهديد محافظات الجوف وحجة وذمار وربّما محافظة مأرب أيضًا. مع ذلك، فإنّ الانتصارات التي حقّقها الحوثيون في محافظة عمران، وتمكّنهم من الاستيلاء على عاصمة المحافظة، لم تأت بسبب ما تتمتع به مليشياتهم من قوّة فحسب، بل بسبب ضعف خصومها أيضًا؛ فبعد اندلاع ثورة 11 شباط / فبراير 2011 تفكّك التحالف الحاكم الذي كان على الرغم من التنافس والصراعات الخفيّة بين أطرافه، يحتفظ بقدرٍ معقول من الدعم المتبادل على قاعدة "عدوّ عدوّي صديقي"، ما أدّى إلى تراجع قدرة القادة العسكريين الداعمين الحرب ضدّ جماعة الحوثي في التأثير في القرار المركزي للدولة. وعليه، فإنّ مشاركة اللواء 310 مدرع في الحرب منفردًا، دون دعم من وحدات الجيش الأخرى، باستثناء دعمٍ محدود من الطيران بفعل علاقات شخصية تربط قائده العميد حميد القشيبي باللواء علي محسن الأحمر، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن، تدلّ على مدى التفكّك الذي طرأ على بنية التحالف الحاكم. وقد أثّر ذلك سلبيًّا في معنويات ضبّاط اللواء 310 وجنوده الذين شعروا بالعزلة وغياب الدعم من بقية قطاعات الجيش خلال مواجهاتهم مع الحوثيين في قتال عمران. ويدعم هذا الاستنتاج اتّهامات صدرت في وسائل إعلام مختلفة بخصوص "خيانات" بعض الوحدات العسكرية، ساعدت في استيلاء الحوثيين على عمران بسهولة نسبيًّا. وفي خطٍّ موازٍ، تعرّضت الروابط بين مشايخ قبائل حاشد إلى ضعفٍ واضح خلال السنوات الماضية، بخاصة بعد وفاة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر عام 2007 الذي مثّل لأسباب كثيرة رمزًا قبليًّا توحّدت حوله مشايخ قبيلة حاشد. وقد تزايد هذا الضعف بعد ثورة شباط / فبراير 2011 وتحوّل إلى تنافس ونزاعات علنية، على خلفيات سياسية واجتماعية بين البيوتات المشيخية في قبائل حاشد الأربع.

لقد استطاعت جماعة الحوثي استغلال هذه النزاعات في بناء شبكة تحالفات قبلية جديدة؛ فتمكّنت من كسب ولاء معظم شيوخ قبيلة "عُذَرْ"، وتحييد معظم مشايخ قبيلتي "بني صُرَيم" و"خَارِف". ولم يكن الشيخ صادق بن عبد الله الأحمر وإخوته قادرين سوى على حشد رجال قبيلة "العصيمات" التي ينتمون إليها، وتعبئتهم. وهو ما ظهر في ضعف التجمع اليمني للإصلاح، الذي يشكّل شيوخ قبيلة حاشد (وشيوخ قبائل يمنية أخرى) مكوّنًا أساسيًّا من مكوّنات بنيته التنظيمية.


هل تسقط العاصمة السياسية بعد سقوط العاصمة القبلية؟

يمكن وصف مدينة عمران بالعاصمة القبلية لليمن؛ إذ ينتمي لمحافظة عمران أكثر شيوخ القبائل تأثيرًا في الدولة والسياسات العامة في اليمن في العقود الخمسة الماضية، وفي مقدمهم آل الأحمر. وقد جاء نفوذ هؤلاء وغيرهم من شيوخ قبائل حاشد، على خلفية تأييدهم ثورة أيلول / سبتمبر 1962 التي أطاحت نظام الإمامة، ودعمهم النظام الجمهوري، ومشاركتهم في حروب الدفاع عن الجمهورية. انطلاقًا من هذه الخلفية يمكن فهم محاولة التجمع اليمني للإصلاح وأنصاره تصوير الحرب في عمران على أنّها حرب ضدّ الجمهورية، وأنّ جماعة الحوثي تسعى إلى إعادة النظام الإمامي لليمن، وأنّ حروبها في عمران وفي غيرها من المناطق إنّما تمثّل حروبًا مرحلية في إطار مواجهة شاملة يتمثّل هدفها النهائي باجتياح العاصمة صنعاء. والحقيقة أنّ لهذه الادّعاءات ما يبرّرها في تصرّفات جماعة الحوثي وخطاباتهم ووثائقهم؛ وفي مقدمها الوثيقة الفكرية والثقافية للزيدية التي نُشرت في شباط / فبراير 2012، والتي تحدّثت عن نظرية الاصطفاء[4]، وحصر حقّ إمامة الأمة في آل بيت الرسول (ص)، فضلًا عن بنية تنظيم "أنصار الله" التي يحتلّ فيها الهاشميون المواقع القيادية بصورة لا تتلاءم مع نسبة تمثيلهم في المجتمع. على الرغم من ذلك، أنكر قادة أنصار الله في مناسبات عديدة أنّهم يسعون إلى إسقاط الدولة أو النظام الجمهوري؛ إذ أكّد عبد الملك الحوثي أنّ حركة أنصار الله لا تسعى لأن تكون بديلًا عن الدولة، وأنّها بعد ما أسماه بتطهير مدينة عمران، أبلغت الجهات الرسمية باستلام المحافظة والمباني والمنشآت ومزاولة عملها، ودعا السلطة المحلية في محافظة عمران إلى ممارسة أعمالها بصورة طبيعية.

بغضّ النظر عمّا إذا كان الحوثيون يرغبون في اجتياح صنعاء واستبدال النظام الجمهوري بنظام إمامي أو ملكي، فإنّ السؤال الأهمّ هو: هل يستطيعون ذلك؟ تجيب كلّ المؤشرات عن هذا السؤال بالنفي؛ فخلافًا لحربها في محافظة عمران التي كانت حربًا على القوّة والنفوذ السياسي والاجتماعي بين شيوخ القبائل والنخب الهاشمية، فإنّ محاولة إسقاط النظام الجمهوري واجتياح العاصمة صنعاء ستكون بمنزلة إعلان حرب شاملة، وستجد جماعة الحوثي نفسها تخوض حربًا ضدّ الدولة بكلّ إمكاناتها العسكرية والمادية، والتي تتركّز معظمها حول العاصمة صنعاء وداخلها، مدعومة ليس فقط بمن تصفهم جماعة الحوثي "بالتكفيريين والدواعش"، بل بمختلف القوى السياسية والاجتماعية التي كانت محايدة خلال الحروب السابقة كلّها، وسوف تفتقد جماعة الحوثي إذا غامرت بخوض حربٍ كهذه دعم كثير من رجال القبائل ومشايخها الذين دعموها في حروبها في عمران؛ فكثير من هؤلاء دعموها لأسباب سياسية وأخرى تتعلق بالخصومات القبلية والثارات، لا إيمانًا بتوجهاتها المذهبية. وعليه، سوف يتراجع كثير منهم عن دعمها إذا خاضت حربًا لإسقاط النظام الجمهوري، لا سيّما إذا كانت الدولة سخيّة في تقديم دعمٍ مالي لهم؛ فخريطة الولاءات القبلية في اليمن متحرّكة وسريعة التغيّر، وكثير من رجال القبائل يحارب مع من يدفع أكثر.


خلاصة

لقد بلغت جماعة الحوثي أوج قوّتها العسكرية، وحقّقت انتصارات كبيرة في حروبها في محافظات صعدة وعمران والجوف وحجة، ويمكن أن تحقّق انتصارات أخرى في حروب أخرى في غير هذه المحافظات. لكنّها إذا غامرت بشنّ حربٍ واسعة تستهدف العاصمة صنعاء بهدف الاستيلاء على السلطة بالقوّة وإسقاط النظام الجمهوري، واستبداله بنظام إمامي أو ملكي، فإنّ هذه الحرب ستكون أشبه بانتحار عسكري وسياسي؛ إذ ستفقد الحركة ما بنته من عوامل قوّة خلال السنوات العشر الماضية. لذلك فإنّ السبيل الوحيد للحفاظ على قوّتها هو التحوّل إلى جماعة سياسية، تستثمر انتصاراتها العسكرية السابقة في فرض وجودها في الساحة السياسية؛ وذلك عبر المساهمة في إنجاح مقرّرات مؤتمر الحوار الوطني الذي يضمن لها استثمار كثير من المكاسب التي حقّقتها خلال أكثر من عقد من المواجهات سواء مع الدولة أو مع القبائل المنافسة.


[1] للاطّلاع على فحوى الخطاب، انظر موقع "أنصار الله" على شبكة الإنترنت على الرابط:

[2]للاطّلاع على نصّ البيان، انظر موقع التجمع اليمني للإصلاح على شبكة الإنترنت على الرابط:

http://al-islah.net/new/view.aspx?id=6997

[3] انظر النصّ الكامل للبيان الصحفي لمجلس الأمن CS/11470 بشأن القتال في اليمن الصادر في 11 تموز/يوليو 2014 على الرابط:

 http://www.un.org/News/Press/docs//2014/sc11470.doc.htm

[4] أشارت الوثيقة فيما يتعلق بالاصطفاء إلى ما يلي: "أمّا مسألة الاصطفاء فالذي نعتقده أن الله سبحانه وتعالى يصطفي من يشاء من عباده جماعات وأفرادًا، كما قال تعالى "إن الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين" (آل عمران الآية 33)، وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"، ونعتقد أنّ الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة، وأنّه يهيّء في كلّ عصر من يكون منارًا لعباده وقادرًا على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كلّ مجالاتها". للاطّلاع على النص الكامل للوثيقة ، انظر الرابط:

 http://yemenndc.blogspot.com/2013/06/blog-post_4.html