العنوان هنا
تقدير موقف 23 أكتوبر ، 2011

تحديات أمام الانتخابات التشريعية في مصر

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

تأتي الدعوة إلى تنظيم انتخابات تشريعية في مصر في 28 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل في سياق احتقانٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ حاد، كشفته حالة من التململ الشعبي بعد أن طال أمد الفترة الانتقالية، مع عدم حدوث أي تقدم على صعيد عدد من الملفات الحيوية. وكانت أهم ملامح هذا التململ، عودة التظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية التي شملت القاهرة ومختلف أنحاء الجمهورية، خاصة في شهر أيلول/سبتمبر؛ حيث أضْرَب المعلمون والأطباء وأساتذة الجامعات والعاملون في قطاعي النسيج والبترول، وكذلك المراقبون الجويون والعاملون في وزارة الأوقاف ومترو الأنفاق.

وقد بلغ الاحتقان ذروته بوقائع ليلة الاثنين 10 تشرين الأول/أكتوبر الدامية، التي تحولت فيها وقفة احتجاج سلمية لمتظاهرين أقباط إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل 25 شخصا وإصابة المئات، بحسب بيانات وزارة الصحة؛ بينهم 17 مواطنًا وثلاثة جنود من الشرطة العسكرية؛ كما أُحرقت مدرّعات للجيش. وكانت جموع من المتظاهرين الأقباط نظَّمت تظاهرات أمام مبنى التلفزيون، احتجاجاً على هدم كنيسة غير مرخصة في قرية برنياب بأسوان، قام به جمع محرض من الأهالي وبمباركة سلطات المحافظة. وقد اتضح من هذه الحادثة حجم التعبئة الطائفية التي تَعرَّض لها الشارع المصري من قبل جماعات سلفية وبعض المتحدثين الشعبويين.

وكشفت الحادثة عن مدى التدهور الحاصل في إدارة المرحلة الانتقالية برمتها، حيث أكَّدت - مجددا - إِجماع النُّخبة الوطنيَّة المصريَّة على ضرورة الإسراع بنقل السلطة لإدارة مدنية منتخبة، واعتبار التباطؤ في اتخاذ القرار أو إستراتيجية الحد الأدنى من التحرك التي يتبناها المجلس العسكري - الممسك بزمام السلطة الفعلية في البلاد- سببا رئيسا في الوصول للمنعطف الخطير، الذي كاد يدفع بالبلاد إلى أتون حرب أهلية.

وتُعَوِّلُ قطاعاتٌ واسعةٌ من الجماعة الوطنية المصرية على الانتخابات التشريعية كمتنفس للاحتقان السياسي الذي ظل يشهده الشارع المصري منذ قيام ثورة 25 يناير؛ ذلك الشارع الذي غدا أحد أهم الفاعلين في المشهد السياسي المصري. ولهذا، كانت إحدى التوصيات التي قدمها رئيس اللجنة العليا للانتخابات إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تقضي بتقديم موعد الانتخابات إلى "أقرب وقت ممكن، بسبب ما تمر به البلاد من عدم الاستقرار وتخوف المواطنين من حالة الانفلات الأمني". و قد اقترح أن تبدأ انتخابات مجلس الشعب يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وانتخابات الشورى يوم 22 كانون الثاني/يناير 2012. غير أن اقتراحه لم يُؤخذْ به؛ وقرر المجلس العسكري - في المرسوم الخاص بالدعوة لانتخابات تشريعية - أن تتم المرحلة الأولى من الانتخابات يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر.

وتستمد هذه الانتخابات أهميتها الكبرى من كونها ستأتي بمجلس تشريعي، أحد مهامه الأساسية انتخاب جمعية تأسيسية من مئة عضوٍ لكتابة دستورٍ جديدٍ للبلاد. وقد حسم الإعلان الدستوري الصادر في 30 آذار/مارس  الجدل الدائر في شأن الهيئة المنوط بها كتابة دستور جديد للبلاد وكيفية اختيارها. ومنح الإعلان الدستوري هذا الحق لمجلسي الشعب والشورى المنتخبين، حيث نصت المادة 60 منه على أن "يجتمع الأعضاء غير المُعَينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة لانتخاب جمعية تأسيسية من مئة عضوٍ ، وذلك خلال ستة أشهر من انتخابهم. وتتولى الجمعية التأسيسية إعداد مشروع دستورٍ جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويُعرض المشروع خلال خمسة عشر يوماً من إعداده على الشعب لاستفتائه بشأنه، ويُعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء".

وتقدر الكتلة التصويتية الصحيحة التي يحق لها الانتخاب من خلال بطاقات الرقم القومي بـــ : 49 مليونًا و970 ناخبًا مصريًا. وهذه هي المرة الثانية التي ينتخب فيها المصريون من خلال بطاقة الرقم القومي، وكانت الأولى خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية في آذار/مارس 2011.


المجلس العسكري كحاكم سياسي

أصبح المجلس الأعلى للقوات المسلحة -وفق الإعلان الدستوري الصادر في 13 فبراير 2011- هو المؤسسة السياسية الأولى التي تحوز السلطة الفعلية في البلاد، وتقود العملية السياسية خلال المرحلة الانتقالية بعد أن تسلَّم ناصيتي التشريع والتنفيذ. وبحسب الإعلان، يتولى المجلس العسكري إدارة المرحلة الانتقالية لمدة ستة أشهر أو حتى انتخابات مجلس الشعب والشورى وانتخاب رئيس للجمهورية.

ومنحت المادة 56 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 آذار/مارس 2011 المجلس الأعلى للقوات المسلحة "الاختصاصات والسلطات الممنوحة لرئيس الدولة حسب القوانين واللوائح".

والواقع أن طريقة أداء المؤسسة العسكرية للمرحلة الانتقالية وعملية التحول الديمقراطي احتلت مساحة مهمة من النقاش العام في مصر، خلال الثمانية أشهر التي تولى فيها الجيش السلطة، وهو نقاش غلبت عليه شكوك وتساؤلات حول حقيقة أهداف الجيش وتوجهاته حيال عملية التحول الديمقراطي ودرجة مساندته لمطالب الثورة في التغيير، ولا سيما أن أداءه واستجابته لمطالب الثورة اتسما بما يُوصف بـــ"النمط التراكمي" وليس الثوري، وهو نمط استند على إصلاح بعضٍ من عيوب النظام السابق وليس تبني معايير جديدة. ووُجِّهت انتقادات من قبل أطراف عديدة من النخبة إلى الجيش، متهمة إياه بإعادة إنتاج النظام القديم دون مبارك.

وقد مسَّت الانتقادات الأداء السياسي للمجلس العسكري وانفراده بصنع القرار وإبداءَه نهجاً استبدادياً في استخدام سلطاته التشريعية عبر إصدار سلسلة مراسيم، مثل: تجريم الإضرابات والتجمع السلمي وإعادة العمل بقانون الطوارئ. وكان آخرها قوانين الانتخابات التي جاءت على نقيض الإجماع الوطني بضرورة اعتماد نظام الانتخاب بالقائمة المغلقة فقط، فيما أصر المجلس العسكري على منح الثلثين للقائمة المغلقة والثلث للانتخاب بالنظام الفردي. وهو الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا مع قطاعٍ واسعٍ من النخبة، اعتبر أن المجلس لا يسعي إلا لإنتاج برلمان مفتت ضعيف لن يقدر على إصدار التشريعات اللازمة لإنجاز عملية التحول الديمقراطي ومراقبة ومحاسبة المجلس العسكري نفسه. ومن نفس هذه الفئة من الانتقادات، تساءل البعض أيضا: كيف يصح الانتخاب في ظل قانون الطوارئ المستعاد؟! ولم يعد من الواضح كيف يمكن تجاوز هذه المفارقة المتمثلة في أن جزءًا من النظام - وهو عمليا دعامته الأساسية (أي المجلس العسكري)- هو الذي أُنيطت به مهمة التحضير لأول انتخابات بعد الثورة، في حين يعلم الجميع أن النخبة العسكرية في مصر تمسك - كذلك - بقطاع من المُقدّرات الاقتصادية، ولها بالتالي مصالح تدافع عنها.. وهي قادرة - بأي حالٍ - على أن تضغط على النخبة السياسية للحفاظ على تلك المصالح. بعبارة أخرى: هناك علامة استفهام كبرى حول مدى حيادية الجيش في اللعبة السياسية في مصر بعد الثورة.

ولا شك أن بعض هذه الانتقادات صحيح، لأن الجيش هو فعلًا جزءٌ من النظام السابق للثورة؛ ولكن بعضها الآخر يقدِّم تفسيرات غير مبنية على معلومات لسلوك الجيش، بل على افتراضات. وتتنافس الأحزاب في طرح مثل هذه الافتراضات.


التشريعات الناظمة للعملية الانتخابية

يمكن قراءة الانتخابات التشريعية المقبلة في مصر في إطار حزمة من التشريعات والتعديلات القانونية التي ستضبط العملية الانتخابية وهي:

1-  الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011، والذي تضمن بنوداً حاسمة تعزز من نزاهة العملية الانتخابية ومنها:

  • حظر تكوين الأحزاب على أساس ديني أو بناءً على الجنس أو الأصل.
  • نصف أعضاء البرلمان يجب أن يكونوا من العمال والفلاحين.
  • القانون وليس الدستور ما يحدد طريقة الانتخاب؛ وهل تكون بالقائمة الموحدة أو النظام الفردي، وهل يكون للمرأة نسبة (كوتا) محددة في البرلمان.
  • إجراء الانتخابات تحت إشراف قضائي كامل.
  • محكمة النقض هي من يفصل في صحة العضوية وليس المجلس (كما كانت عليه الحال سابقاً).

2-  تم تعديل قانون الأحزاب السياسية في شهر آذار/مارس 2011، وجاء بنصين مهمين:

  • تكوين الأحزاب بالإخطار وليس بموافقة مجلس الشورى أو أي جهة أخرى.
  • تشكيل لجنة الأحزاب قضائياً بالكامل.

 وحتى 3 تشرين الأول/أكتوبر، كانت قائمة الأحزاب المسجلة تضم 47 حزبًا، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأحزاب تحت التأسيس، أهمها ربما "حزب التحالف الشعبي الاشتراكي" - أول حزب يساري - ويرأسه إبراهيم العيسوي وعبدالغفار شكر وأبو العز الحريري. كما تسعى أوساط من ائتلاف شباب الثورة إلى تسجيل تأسيس حزبها.


قانون الانتخاب

كان قانون الانتخاب نِتاجًا للعديد من المساومات والمواءمات بين المجلس العسكري والقوى والأحزاب السياسية. ووفق مرسوم القانون، تم اعتماد النظام المختلط بين القائمة الموحدة والنظام الفردي، وهذه أول مرة يعتمد فيها هذا النظام منذ انتخابات 1987؛ إذ إن النظام الفردي.. كان النظام المعتمد في كل الانتخابات التشريعية التي شهدتها مصر خلال 23 سنة مضت (1987-1990-1995-2000-2005-2010). ففي الطرح الأول لمشروع القانون في حزيران/يونيو 2011؛ نُصَّ على إجراء الانتخابات بنظام مختلط، يحدد فيه ثلث الفائزين بالمقاعد النيابية من القائمة والثلثان بالنظام الفردي وألا تكون هناك كوتا للمرأة، بينما يستمر العمل بكوتا الفلاحين والعمال (50%).

ورفضت الجماعة الوطنية المصرية باختلاف تياراتها مشروع القانون، وحاججت بأن القانون بهذه الصفة  يكون قد تجاهل مطالب الأحزاب والقوى السياسية المختلفة وجاء بتركيبة تجمع مساوئ نظام القائمة والنظام الفردي معًا، بل ويفتح باب البرلمان أمام عودة عناصر الحزب الوطني - المُحل - من أصحاب المال النافذين على المستوى المحلي وممارسي "البلطجة" وممثلي العصبيات العائلية والقبلية. وأكّدوا أن مثل هذا النظام يهمش السياسة على مستوى الدائرة الانتخابية لصالح مصادر القوة "المحلوية" الطابع.

وبعد أشهر من الجدل، قررت الحكومة في 25 أيلول/سبتمبر 2011 إجراء تعديلات على مشروع القانون، وأصدر المجلس العسكري مرسوماً بذلك. وتضمنت التعديلات التالي:

  • يتألف المجلس من 498 عضوا بدلاً من 504، ويكون انتخاب ثلثي الأعضاء بالقائمة الحزبية المغلقة وثلثٌ يتم انتخابه بالنظام الفردي.
  • اشترطت المادة الخامسة من مشروع القانون، أن لا يكون من يتقدم بطلب الترشيح لعضوية مجلسي الشعب والشورى بنظام الانتخاب الفردي، منتميا لأيّ حزب سياسيّ. ويُشترط لاستمرار عضوية مجلسي الشعب والشورى ممن يُنتخبون بالنظام الفردي، أن يظل النّائب منهم غير منتم لأي حزب سياسي، وإذا فقد أحدهم هذه الصفة، أُسقطت عضويته بعد تصويت أغلبية ثلثي الأعضاء على ذلك.

اعترضت الأحزاب والقوى السياسية على مرسوم القانون، واعتبرت أن القانون في صورته الحالية، لا يلبي الحد الأدنى من المطالب التي تقدّمت بها في العديد من الاجتماعات مع المجلس العسكري. وطالبت بـتفعيل "قانون الغدر" أو إقصاء أعضاء الحزب الوطني المُحل من دخول الانتخابات البرلمانية. كما اتهمت الأحزاب والقوى السياسية المجلسَ العسكري بتجاهل مطالب الثورة والسعي لإيجاد برلمان "مفتت"، ثلثه من المستقلين الذين لا يتمتعون بأي هوية حزبية، حتى لا يكون قوياً بما يكفي للاستقلال بإرادته السيادية عن المجلس العسكري، ولا يستطيعَ وضع دستور يُخضِع المؤسسات العسكرية والأمنية لرقابة السلطات المدنية ويضمن نقل السلطة إلى المدنيين وفقا لجدول زمنيٍّ واضح. وهدّدت أحزاب الكتلة الوطنية في بيان لها (26 أيلول/سبتمبر) أنّه في حال عدم الاستجابة فسوف "تتخذ الإجراءات المناسبة"، فيما هدّدت أحزاب أخرى بمقاطعة الانتخابات. ودعا المجلس العسكري الأحزاب لنقاش حول قانون الانتخابات (28 أيلول/سبتمبر 2011). ثم رضخ المجلس العسكري لمطالب تعديل المادة الخامسة، على أن يَسمح للمرشحين المستقلين في حال فوزهم، بالانضمام لأحزاب وكتل سياسية أخرى في البرلمان.


قانون الانتخابات "أسوأ البدائل"

إنّ النظام المقترح -بإجماع المراقبين- هو "أسوأ البدائل" لأنه يأخذ من النظام الفردي عيوبه.. حيث أن نوعية المرشحين المستقلين المؤهلة للفوز، هي: عناصر الحزب الوطني المنحل، العارفة بقواعد اللعبة الانتخابية لمدة ثلاثة عقود من توظيف المال الانتخابي والعصبيات والبلطجة لحسم النتائج لصالحها، ولا سيما أن قانون الفساد السياسي الذي صادقت عليه الحكومة، يقرر العزل فقط لمن تثبت عليه تهمة إفساد الحياة السياسية، مما يتطلب حكما قضائيا.. وهو أمر قد يطول في ظل الأوضاع الحالية.

ومن الناحية الأخرى فإن نظام القائمة غير ذي فعالية، في حال كون تلك الأحزاب في مرحلة التأسيس الأولى. وستطغى المصالح الفردية، لتحل - بالتالي - محل التنافس على البرامج والرؤى السياسية.

أما الأمر الآخر والأكثر أهمية، فهو كون القانون الناظم للعملية الانتخابية قد أغفل وضع ضوابط تنظم بعضا من أهم الموضوعات المتعلقة بنزاهة وشفافية العملية الانتخابية. ومنها - على سبيل المثال - ما يتعلق بالتمويل الانتخابي وضرورة وضع سقف للإنفاق الانتخابي. وحتى اللحظة، لم تقم اللجنة العليا للانتخابات -التي شُكِّلت من قضاة لإدارة العملية الانتخابية بكل تفاصيلها- بتدارك هذا الأمر، وبالتالي، ليس ثمة تنظيمٌ واضح وحاسمٌ لمسألة التمويل الانتخابي وإعمال الشفافية بإلزام المرشحين بضرورة الكشف عن مصادر تمويلهم. وكانت أولى الخطوات التي أقرتها اللجنة، هي منع استخدام أي شعارات ذات دلالة دينية في العملية الانتخابية. ورغم أن الإعلان الدستوري والقانون تضمنا نصوصا بشأن عدم استغلال الدين والطائفية في الدعاية الانتخابية ، إلا أنه ليس واضحا كيف يمكن تطبيق ذلك على أرض الواقع، ولا سيما في غياب ضوابطَ أو عقوبات واضحة لمن يقدم على ذلك. وفي ظل حالة من الاحتقان الطائفي الحاد، يبدو هذا الأمر مهما لضمان عدم حدوث تصويت طائفي، كما كانت الحال مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 آذار/مارس 2011، وحتى لا توضع سلامة الانتخابات موضع شك.


"كوتا" الأقباط والمرأة

كان أحد مطالب المتظاهرين الأقباط أمام ماسبيرو، هو تحديد "كوتا" للأقباط في الانتخابات البرلمانية. والواقع أن ثمة مخاوفَ جدية من أن يؤدي الاحتقان الطائفي في البلاد إلى التأثير على قرار الناخبين أو التصويت الطائفي في بعض الدوائر، لا سيما مع الظهور القوي للجماعات ذات التوجهات الدينية المتشددة. ومن الواضح أن تخصيص نسبة من المقاعد لفئة ما، إذا لم يؤدِّ - حقيقةً - إلى إلغاء التمييز المجتمعي ضدها، فهو بأي حال سيساعد على إضعاف التمييز، خاصة إذا شُرّعت قوانين تُجرّم التمييز وتعاقب عليه بشدّة. وبما أن الصورة لم تتضح بعد (فُتح باب الترشح مابين 12 و22 تشرين الثاني/أكتوبر) بخصوص النسبة التي سوف تفردها الأحزاب على قوائمها للأقباط والمرأة والشباب - وإن أوجب مرسوم القانون أن تتضمن كل قائمة مرشحا من النساء على الأقل-، فإنه قد يكون من المهم مطالبة الأحزاب بضرورة وجود تمثيل عادل وقوي لهذه الفئات على قوائمها، وإلا سيكون التمثيل رمزيًا أو اسميًا. فالتمثيل النوعي والعادل للمواطنين بمن فيهم الأقباط في قوائم الأحزاب والقوى السياسية، هو أحد أهم الأبواب التي يمكن من خلالها كسر شوكة الاحتقان الطائفي - إلى حد كبير.

وهنا يمكن الإشارة إلى نتائج استطلاع حديث، أجراه مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء عن تأثير الاتجاهات الدينية على قرار الناخبين؛ حيث أبدى 58% من المصريين معارضتهم لانتخاب رئيس للجمهورية من غير ديانتهم مقابل تأييد 36% من المصريين. وأوضح الاستطلاع أن 60% من المصريين يمكن أن يَنتخبوا مرشحًا من ديانة أخرى في دائرتهم للانتخابات البرلمانية، مقابل 37% يرفضون ذلك.

وهذه مواقف لا يجوز أن تعتبر معطياتٍ مسلم بها في ظرف ثوري، بل هي ثقافة سياسية سلبية نشأت في ظروف تاريخية ويمكن تغييرهاـ ولا يجوز العمل على أساسها كأنها ثابت حياتي، بل هي متغيرات خاضعة للتطوير والتغيير بتأثير من قبل النظام السياسي، الذي يجب أن يُوجِه باتجاه ثقافة المواطنة المتساوية.


الدوائر الانتخابية

وفق مرسوم القانون، فإن مصر تقسَّم إلى 30 دائرة تخصص للانتخاب بنظام القوائم، وإلى 30 دائرة للانتخاب بالنظام الفردي. غير أن تقسيم الدوائر الانتخابية بالشكل الذي كُشف عنه -وإن لم يتم الإعلان عنه رسمياً بعد- يعاني من العديد من المشاكل. أولاها أن حجم الدوائر غير متسق، فبعضها شديد الاتساع (قد يصل عدد الناخبين في الدائرة الواحدة إلى مليون ناخب) بما لا يسمح بدعاية انتخابية حقيقية، وبعضها الآخر شديد الضيق. وفي كلتا الحالتين، لا يوجد منطق واضح للتقسيم. وما يؤكد المخاوف، هو أن دوائر المستقلين باتت مترامية الأطراف، على نحو سيمكن أصحاب المال الوفير والمنتمين للعصبيات العائلية والقبلية من أخذ معظم مقاعد المستقلين لصالحهم، ومن ثم، تزّداد المخاوف من أن تعيد الانتخابات نخبة نظام مبارك إلى صدارة العمل التشريعى فى مصر بعد الثورة.


خريطة التحالفات الحزبية

لا يزال الوقت مبكرا للحديث عن خريطة التحالفات الانتخابية في ظل الحالة الراهنة.  وثمة دعوات إلى ضرورة وضع قائمةٍ وطنيةٍ موحدةٍ، تتخطى الاصطفافات التي قسّمت المشهد السياسي بين كتلتين رئيستين، وتكون قادرة على مواجهة عناصر الثورة المضادة. غير أن الأمر لايزال في خانة التمنيات، وليس هناك خطوات جدّية ليصبح واقعا (حتى كتابة هذه الورقة).

ويسيطر على المشهد الحزبي حاليا كتلتان تنضوي تحت لوائهما العديد من الأحزاب والقوى السياسية:

  • "التحالف الديمقراطي من أجل مصر"، وهو ائتلاف يضم قرابة 24 حزبًا؛ يأتي على رأسها حزب الوفد، وحزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون)، وحزب الوسط، وحزب الكرامة، والحزب الناصري، وحزب العمل، وحزب مصر الاشتراكي. ولقد كان هذا التحالف أول كتلة تتشكل بعد الثورة، ويضم معظم الأحزاب ذات التوجه الإسلامي الحديثة النشأة، ومنها حزب النور والأصالة ذو المرجعية السلفية. وكان من المتوقع أن يحدث التحالف الانتخابي الأكبر بين حزبي الوفد والحرية والعدالة، غير أن إعلان حزب الوفد عن نيته ترشيح عدد من المرشحين على قوائمه الانتخابية ممن كانوا محسوبين على الحزب الوطني سابقا أو كانوا أعضاءً فيه، أثار جدلا داخل الائتلاف، حيث رفضت الأحزاب الأخرى الخطوة، مما دفع حزب الوفد إلى الإعلان أنه سيقدم قائمة مستقلة عن الائتلاف، وأنه سيضع مرشحين في كل الدوائر الانتخابية. وقرر حزب الوسط - أيضا - أن يخوض الانتخابات بقائمة مستقلة، ما أدى إلى طرح تساؤلات عن مصير التحالف برمته، وما إذا كانت التحالفات الانتخابية ستقتصر على الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية تحت راية حزب الحرية والعدالة.
  • "الكتلة الوطنية"، وتضم 14 حزبًا يغلب عليها الطابع الليبرالي واليساري؛ وأهمها الجمعية الوطنية من أجل التغيير التي يرأسها محمد البرادعي، وحزب المصريين الأحرار، وحزب الجبهة الديمقراطية برئاسة أسامة الغزالي حرب، وحزب مصر الحرية، وحزب التجمع، وحزب ذو مرجعية صوفية هو حزب التحرير.
  • "ائتلاف شباب الثورة"، ويعد الكيان غير الحزبي الوحيد المعبر عن شباب الثورة، والذي أعلن عن خوضه الانتخابات بقائمة موحدة تضم 200 مرشحا. وقدّم الائتلاف برنامجا انتخابيا يركز على قضايا العدالة الاجتماعية ومكافحة البطالة والفقر. غير أن تحديات أساسية تواجه مرشحي الائتلاف، وتتمثل في قلة خبرتهم في التعبئة الجماهيرية للانتخابات، وضعفهم التنظيمي، وعدم تماسك خطابهم الانتخابي. وقد تشكّل الائتلاف في غمرة الحراك الثوري، ولم يتمكن بعد من بناء التواصل المنظم مع القواعد الشعبية، وتقديم خطاب انتخابي متماسك، والإمساك بخيوط اللعبة الانتخابية المعقدة في مصر، والتي تقتضي - مثلًا - تقديم مرشحين معروفين في محيطهم المحلي، وتطوير "الماكينة" الانتخابية والمالية، وطرح برنامج انتخابي قوي. والأمر ذاته قد ينطبق على جل الأحزاب الجديدة التي تأسست بعد الثورة، ما يترك الباب مفتوحا ويوفر فرصا أكبر لتلك الأحزاب أو القوى التي خبرت العملية الانتخابية وتعرف قواعدها جيدا. ولكن، من الواضح أنه تحرُّكٌ واعد قد يؤدي إلى وصول عدد من الشباب إلى البرلمان. وهؤلاء وزملاء لهم من هذا الجيل، سوف يشكِّلون قوة دافعة للتحول الديمقراطي في مصر مستقبلا.

إذاً، في يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر، سيقترع الناخبون المصريون في أول انتخابات تشريعية عقب الثورة، تحت إشراف قضائي كامل، وبنظام انتخابي مختلط، ووسط حالة من عدم الاستقرار الأمني والمجتمعي. ورغم أن التحديات التي تواجه عملية الاقتراع عديدة، إلا أن التحدي الأكبر هو كيفية مواجهة تقاليد انتخابية ترسخت خلال ما يزيد على ستة عقود -على الأقل-، وحولت العملية الانتخابية من تنافس على البرامج والأفكار، إلى تنافس بين الأفراد والعائلات صاحبة النفوذ التقليدي والمال والقدرة على الحشد. ويتمثل - بالتالي - التحدي الأكبر، في كيفية كتابة قواعد جديدة للعملية الانتخابية، لا يوظّف فيها المال ولا العصبيات، ولا تسخَّر فيها موارد الدولة لإنجاح أصحاب المصالح والمتنفذين، أو إعادة إنتاج النخبة السياسية التي جاءت الثورة تعبيرا عن رفض الشعب لها ولنظامها.

المهم أن تنصب الجهود  نحو جعل الانتخابات الأولى خطوة راسخة في بناء الجمهورية المصرية الثانية، وهي الجمهورية الديمقراطية.