العنوان هنا
تحليل سياسات 17 يناير ، 2012

آثار العقوبات في الاقتصاد الكليّ السوريّ خلال عام 2012

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

مقدمة

بحلول شهر كانون الأوّل / ديسمبر 2011، كانت رزمة العقوبات الاقتصاديّة الأميركيّة والأوروبيّة والعربيّة-التركيّة ضدّ سوريّة قد استكملت حلقاتها، وأصبحت  سارية في سياقٍ وصلت فيه الأزمة السوريّة - وهي أساسًا مأزق النّظام في سورية - إلى أعلى درجات تعقّدها واحتقانها الداخليّ والخارجيّ الدوليّ والإقليميّ من النواحي كافّة. ويتكامل أثر هذه العقوبات مع الأثر التراكميّ للعقوبات الأميركيّة السّابقة التي اتّخذت مبكّرًا في عام 1980 على خلفيّة تصنيف سوريّة في فئة الدّول " الدّاعمة للإرهاب"، وفي عام 2006 على خلفيّة تداعيات عمليّة اغتيال رئيس الوزراء اللبنانيّ الأسبق رفيق الحريريّ. وفي حين كانت دوافع عقوبات 1980 و2006 والسّارية المفعول حتّى اليوم جيو-بوليتيكيّة، فإنّ العقوبات الجديدة التي شُرع في اتّخاذها منذ نيسان / أبريل 2011، جاءت تحت عنوان معاقبة النظام السوريّ على قيامه بعمليّات العنف المفرط ضدّ المتظاهرين، ومن أجل الحدّ من مصادر تمويله لتلك العمليّات، ولتحصيل عوائد جيو-بوليتيكيّة على المدى الأبعد في مرحلة ما بعد تغيير النّظام أو وهنه الشّديد، أو انهياره. وفي المحصّلة، وجدت سوريّة نفسها بحلول أواخر عام 2011 في مواجهة رزمة عقوباتٍ جديدةٍ متفاوتة الشدّة في آثارها الملموسة والمتوقّعة في منظومة اشتغال العلاقات الاجتماعيّة-الاقتصاديّة للسّلطة، لكنّها تتضافر في الحقيقة مع الأثر التراكميّ للعقوبات السّابقة، لتكوِّن في مجملها نوعًا ممّا يُطلق عليه تسمية "العقوبات الموجّهة".

وإذا كانت عقوبات عام 1980 قد قامت على حظْرٍ تكنولوجيٍّ، شمل جميع السّلع والتّجهيزات التي تشتمل على مكوّنٍ أميركيّ بنسبة 10% فأكثر؛ وأكّدتها في عام 2006 مترافقةً مع عقوباتٍ منهجيّةٍ ضدّ النّظام المصرفيّ؛ ولاسيّما المصرف التجاريّ السوريّ؛ فإنّ عقوبات عام 2011 قد أضافت إلى ذلك الأثر التراكميّ آثارًا جديدةً أمضى وأشمل تأثيرًا، وأبعادًا مختلفةً اقتصاديّةً وماليّةً ونفسيّةً على القدرات الاقتصاديّة الكليّة لمنظومة الاشتغال الاقتصاديّة- الاجتماعيّة- السياسيّة العامّة (شخصيّات وشركات ورجال أعمال واستثمارات وائتمانات وأجهزة ماليّة ونقديّة ومصرفيّة..)، ومصادر دخْلها وتمويلها. وهي بذلك في مجملها حزمة سياساتٍ متضافرةٍ تقوم على محاولة إضعاف النّظام، وتقليص قدراته سياسيًّا في الحدّ الأدنى، وفتح الباب أمام عمليّة انهياره كحدٍّ أعلى، عبر بوّابة العقوبات الاقتصاديّة.