العنوان هنا
تحليل سياسات 26 أغسطس ، 2020

الأردن وفيروس كورونا المستجد: إعادة تعريف دور الدولة والأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية

إبراهيم سيف

​ أكاديمي وباحث من الأردن

ليث العجلوني

باحث ومحلل سياسي من الأردن

مقدمة

أتت جائحة فيروس كورونا المستجد وما حملته من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية معقدة ومتداخلة كان يعيشها الأردن قبل الأزمة، تمثّلت بارتفاع معدلات البطالة، وصولًا إلى 19 في المئة من قوة العمل[1]، ووصول نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 96.6 في المئة مع نهاية عام 2019[2]، وضعف ثقة المواطنين بالحكومة والبرلمان[3]، إضافة إلى ضعف ثقة المستثمرين بالبيئة الاستثمارية[4]، وترهّل في الإدارة العامة وعدم وضوح في الرؤى التنموية الحكومية نتيجة العديد من التعقيدات البيروقراطية والتداخلات السياسية. ويُضاف إلى ذلك العبء الأمني والجيوسياسي نتيجةً للصراعات الدائرة في الإقليم.

مع انتشار جائحة كورونا عالميًا، اتّخذ الأردن مُبكِرًا، في منتصف آذار/ مارس 2020، إجراءات صحية صارمة لكبح انتشارها داخله، بدأت بإرادة ملكية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء القاضي بتفعيل العمل بقانون الدفاع[5] الذي أعلنت الحكومة بموجبه حظرًا شاملًا للتجوّل[6]؛ ما نجم عنه توقف كامل لعجلة الإنتاج الاقتصادي (جانب العرض)، وصاحب ذلك مقاربة جديدة للإدارة العامة لم تكن معهودة في الأردن خلال العقود الماضية، حيث تدخّلت الحكومة في إدارة أدق التفصيلات المعيشية والاقتصادية والعلاقات بين الفاعلين الاقتصاديين في المجتمع، في ظل توافق مجتمعي غير مسبوق، وكان هناك منْحٌ مؤقتٌ للثقة من الفئات المختلفة في المجتمع (البرلمان، والنقابات المهنية، ومؤسسات المجتمع المدني)، نظرًا إلى أهمية أن تتولّى الدولة بمؤسساتها كافة تلك المسؤولية.

نجحت الإجراءات المُشدّدة في كبح انتشار الجائحة، حيث كان الأردن أقل دولة عربية من حيث عدد الحالات المُسجّلة (مقارنة بالدول العربية المستقرة التي لا تعاني حروبًا)؛ إذ سجّل الأردن بعد ثلاثة شهور من إعلان الحظر 1008 حالات، بمعدل 95 حالة لكل مليون مقيم، و9 حالات وفاة[7]. وعلى الرغم من النجاح في إدارة الجانب الصحي من الأزمة، ومن قلّة عدد الأسرّة المتوافرة في المستشفيات الأردنية، حيث يوجد 1.4 سرير لكل 1000 مواطن في الأردن، وهو أقل من المعدل العالمي[8]، إضافة إلى تعرّض سكان الأردن للخطر نتيجة ارتفاع معدلات التدخين بين الأردنيين مقارنة بالمجتمعات الأخرى – الثانية في العالم[9] – ونتيجة ارتفاع معدلات مرضى السكري أيضًا، حيث يعانيه 52 في المئة من الأردنيين ممّن هُم فوق سن الخمسين[10]، فإن التحديات الاقتصادية برزت إلى الواجهة، وكانت الحكومة قد تعاملت معها من خلال مجموعة من القرارات والأوامر الصادرة بموجب قانون الدفاع.

كان أول هذه القرارات، أمر دفاع يقضي بتأسيس صندوق لجمع التبرعات من القطاع الخاص لمصلحة وزارة الصحة، إضافة إلى فتح حساب في البنك المركزي بهدف جمع التبرعات لعمال المياومة والقطاع غير الرسمي الذين توقّف دخلهم نتيجة حظر التجول[11]. وتلا ذلك مجموعة من أوامر الدفاع التي نظمت مسائل التقاضي والقضايا العمالية والأجور والتعليم المدرسي والجامعي. وراعت هذه الإجراءات تسلسل أولويات إدارة الأزمة، حيث ركّزت في البداية على الجانب الصحي، ومن ثم انتقلت إلى جانب تنظيم سوق العمل وآليات ممارسة الأعمال في القطاع الخاص، ومن ثم بدأت في تنظيم إعادة الفتح التدريجي للقطاعات بعد احتواء الأزمة الصحية.


الجدول (1)

تسلسل أوامر الدفاع التي صدرت عن الحكومة الأردنية للتعامل مع أزمة جائحة كورونا

رقم أمر الدفاع

التاريخ

الموضوع

1

19 آذار/ مارس 2020

تعطيل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي

2

20 آذار/ مارس 2020

حظر تنقل الأشخاص وتجوالهم في جميع مناطق المملكة

3

26 آذار/ مارس 2020

فرض غرامات مالية، وعقوبات تصل إلى الحبس، إضافة إلى حجز المركبات، وإغلاق محالّ مخالفي تعليمات حظر التجول

4

31 آذار/ مارس 2020

إنشاء صندوق لمكافحة وباء كورونا، أُطلق عليه اسم "صندوق همّة وطن"

5

31 آذار/ مارس 2020

وقف العمل بأحكام قانون الشركات

6

8 نيسان/ أبريل 2020

تعطيل العمل ببعض مواد قانون العمل بهدف حماية حقوق العمال

7

15 نيسان/ أبريل 2020

تنظيم التعليم المدرسي والجامعي والتدريب المهني عن بُعد، وآليات تقييم الطلاب

8

15 نيسان/ أبريل 2020

إجراءات لحماية الصحة العامة، وللحدّ من انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد

9

16 نيسان/ أبريل 2020

تنظيم دفع الأجور في القطاع الخاص وتقليصها بحسب مستوى تضرر المنشآت الاقتصادية

10

3 أيار/ مايو 2020

تمديد المدّة المقرّرة لتقديم إقرارات ضريبة الدخل، والمدّة المتعلّقة بوجوب توريد الضريبة المقتطعة المحصّلة لدائرة ضريبة الدخل والمبيعات

11

3 أيار/ مايو 2020

إلزام أصحاب المنشآت المصرّح لها بالعمل، باتّباع أقصى درجات الحيطة والحذر، والالتزام بسبل الوقاية ضدّ تفشّي الوباء

12

20 أيار/ مايو 2020

تعديل العقوبة الواردة في أمر الدفاع رقم 3 الذي ينص على حظر تجول الأشخاص والبلاغات الواردة بمقتضاه لتُصبح العقوبة غرامةً لا تقل عن 100 دينار، ولا تزيد على 500 دينار

المصدر: علاء الدين الطويل، "تعرف على أوامر الدفاع التي أصدرتها حكومة الرزاز منذ بدء أزمة كورونا"، رؤيا الإخباري، 11/6/2020، شوهد في 18/8/2020، في: https://bit.ly/32i03O0؛

Allison Spencer Hartnett, Ezzeldeen al-Natour & Laith Al-Ajlouni, “Drastic Measures: Coercive Enforcement and Economic Effects of Pandemic Suppression in Jordan,” in: The COVID-19 Pandemic in the Middle East and North Africa, POMEPS Studies 39 (New York: Middle East Political Science, 2020), accessed on 28/5/2020, at: https://bit.ly/3158qwF



ومن المؤسسات التي بدأت مُبكرًا في التعامل مع الأزمة كان البنك المركزي الذي اتّخذ قرارات عدة، هدفت إلى الحفاظ على الثقة بالاقتصاد من خلال تعزيز السيولة في السوق وتقديم تسهيلات منخفضة التكلفة التمويلية إلى القطاع الخاص لضمان قدرته على استدامة أعماله بعد الأزمة. ومن هذه الإجراءات قرار خفض الاحتياطي الإلزامي لودائع البنوك من 7 في المئة إلى 5 في المئة، وتأجيل أقساط القروض على المواطنين والشركات المتضررة وخفض سعر الفائدة[12].

تسعى هذه الدراسة إلى تحليل استجابة الأردن لأزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، نتيجة الإجراءات الداخلية والعوامل الخارجية المؤثرة. وفي الواقع، بسبب قِصَر فترة التحليل، لا يمكن الوصول إلى نتائج حاسمة لتقويم آثار الأزمة، نتيجة لعدد من المُحدّدات البحثية التي تتمثل في عدم توافر بيانات رسمية كافية تمثل فترة أزمة كورونا، إضافة إلى حالة عدم الوضوح المرتبطة بطبيعة الأزمة، لكن يمكن قراءة الاتجاهات العامة للأزمة وكيف ساهمت في تعميق أزمات هيكلية موجودة قبل الأزمة الحالية الناجمة عن الجائحة، تمثلت في معدلات نموّ متباطئ وبطالة مرتفعة.




[1] دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، "مسح العمالة والبطالة 2019"، شوهد في 15/1/2020، في: https://bit.ly/3gqnqcW

[2] المملكة الأردنية الهاشمية، وزارة المالية، مديرية الدراسات والسياسات الاقتصادية، نشرة مالية الحكومة العامة، مج 22، العدد 3 (نيسان/ أبريل 2020)، شوهد في 25/6/2020، في: https://bit.ly/3a4PNvK

[3] Laith Al-Ajlouni, “Could COVID-19 push Jordan to the edge?” Middle East Institute, 30/3/2020, accessed on 18/8/2020, at: https://bit.ly/3j5Glf5

[4] "مسح ثقة المستثمرين في الأردن: الجولة السادسة"، منتدى الاستراتيجيات الأردني (شباط/ فبراير 2020)، شوهد في 18/8/2020، في: https://bit.ly/3kWwaLF

[5] "إرادة ملكية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء بإعلان العمل بقانون الدفاع"، موقع الملك عبد الله الثاني، 17/3/2020، شوهد في 18/8/2020، في: https://bit.ly/306Ilfj

[6] "بدء حظر التجول في الأردن.. وإطلاق صافرات الإنذار"، رؤيا الإخباري، 21/3/2020، شوهد في 18/8/2020، في: https://bit.ly/3h89zJJ

[7] “Coronavirus (Covid-19): Jordan,” Google News, accessed on 1/7/2020, at: https://bit.ly/3iRslFz

[8] Allison Spencer Hartnett, Ezzeldeen al-Natour & Laith Al-Ajlouni, “Drastic Measures: Coercive Enforcement and Economic Effects of Pandemic Suppression in Jordan,” in: The COVID-19 Pandemic in the Middle East and North Africa, POMEPS Studies 39 (New York: Middle East Political Science, 2020), accessed on 18/8/2020, at: https://bit.ly/3158qwF

[9] "الأردن الثاني عالميًا بالتدخين: المنظمة تؤكد أن نسبة المدخنين في الأردن من الأعلى عالميًا والأولى بين الذكور بالمنطقة"، الغد، 20/1/2019، شوهد في 18/8/2020، في: https://bit.ly/2Dxt4wv

[10] "سياسات التعاطي مع كورونا في الأردن: البدائل والخطوات المستقبلية"، ورقة سياسات، منتدى الاستراتيجيات الأردني (آذار/ مارس 2020)، شوهد في 18/8/2020، في: https://bit.ly/3h7IpTc

[11] "الأردن يصدر أمر الدفاع 4 للتعامل مع تداعيات كورونا"، الشرق الأوسط، 31/3/2020، شوهد في 18/8/2020، في: https://bit.ly/349UOCz

[12] "المركزي الأردني يسمح بجدولة القروض وتأجيل الأقساط بسبب كورونا"، العربي الجديد، 15/3/2020، شوهد في 18/8/2020، في: https://bit.ly/3awl6A0