العنوان هنا
تقدير موقف 20 أبريل ، 2017

قراءة في تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة ومستقبلها

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

تمكّن سعد الدين العثماني من حل عقدة الانسداد الحكومي التي أطاحت سلفه عبد الإله بنكيران، وقدّم حكومته الجديدة للعاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 6 نيسان/ أبريل 2017، وذلك بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على تكليفه بتشكيلها. وكان الملك سحب تكليف تشكيل الحكومة من زعيم حزب العدالة والتنمية بنكيران بعد تعثّر مهمته لأكثر من خمسة أشهر منذ انتخابات 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي التي حصل فيها حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى من دون أن يصل إلى أغلبية كافية تسمح له بتشكيل الحكومة. وقد تمكّن العثماني من تشكيل الحكومة بعد قبوله بمشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي فيها. وهو أمر تمسّك بنكيران برفضه. فما هي أهم ملامح الحكومة المغربية الجديدة؟ وما هي التوقعات المستقبلية لاستمراريتها في ضوء التحديات والمتغيرات التي يواجهها المغرب؟


تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة.

جاءت تشكيلة حكومة العثماني الجديدة مختلفة عن سابقتها؛ فهي حكومة موسعة تشكّلت من ستة أحزاب، هي: العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري، إضافةً إلى وزراء السيادة وهم تكنوقراط يمثّلون القصر في الحكومة. وتمّ توزيع الوزارات على الأحزاب المنضوية في الحكومة كما يلي:

- وزارات السيادة (القصر): وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، وإدارة الدفاع الوطني، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والأمانة العامة للحكومة.

- حزب العدالة والتنمية (إسلامي): رئاسة الحكومة، ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، ووزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، ووزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، ووزارة التشغيل والإدماج المهني، ووزارة التضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، والوزارة المنتدبة في الشؤون العامة والحِكامة، والوزارة المنتدبة في العلاقات مع البرلمان، وكتابة الدولة في التعليم العالي والبحث العلمي، وكتابة الدولة في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، وكتابة الدولة في النقل، وكتابة الدولة في التنمية المستدامة.

- حزب التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي): وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ووزارة المالية والاقتصاد، ووزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، ووزارة العدل والحريات، ووزارة السياحة.

- حزب الحركة الشعبية (ليبرالي محافظ): وزارة التربية الوطنية، ووزارة الثقافة والاتصال، وكتابة الدولة في التنمية القروية والمياه والغابات، وكتابة الدولة في الإسكان، وكتابة الدولة في التكوين المهني.

- حزب التقدم والاشتراكية (شيوعي سابقًا، يسار اشتراكي حاليًا): وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، ووزارة الصحة، وكتابة الدولة في الماء.

- حزب الاتحاد الاشتراكي (يسار اشتراكي): الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، والوزارة المنتدبة المكلفة بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، وكتابة الدولة في التجارة الخارجية.

- حزب الاتحاد الدستوري (ليبرالي): وزارة السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، وكتابة الدولة المكلفة بالاستثمار.

وجاء نصيب كل حزب من المقاعد الوزارية مقارنةً بمقاعده البرلمانية على النحو التالي:

الأحزاب السياسية

عدد المقاعد في البرلمان ونسبتها

عدد الحقائب الوزارية ونسبتها

حزب العدالة والتنمية

125 مقعدًا (نحو 32 في المئة)

12 وزيرًا (نحو 30.7 في المئة)

الوزراء التكنوقراط

وزراء سيادة تابعون للقصر

7 وزراء (نحو 18 في المئة)

حزب التجمع الوطني للأحرار

37 مقعدًا (نحو 9 في المئة)

7 وزراء (نحو 18 في المئة)

حزب الحركة الشعبية

27 مقعدًا (نحو 7 في المئة)

5 وزراء (نحو 13 في المئة)

حزب الاتحاد الاشتراكي

20 مقعدًا (نحو 5 في المئة)

3 وزراء (نحو 7.7 في المئة)

حزب الاتحاد الدستوري

19 مقعدًا (نحو 4.8 في المئة)

وزيران (نحو 5 في المئة)

حزب التقدم والاشتراكية

12 مقعدًا (نحو 3 في المئة)

3 وزراء (نحو 7.7 في المئة)

المصدر: من إعداد وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.


تراجع العدالة والتنمية

من خلال تحليل بنية هذه التشكيلة الحكومية، يمكن ملاحظة تراجع حصة حزب العدالة والتنمية ونسبة تمثيله في الحكومة الجديدة مقارنةً بسابقتها؛ بحيث تخلّى عن عدد من الوزارات المهمة، مثل وزارات العدل والحريات، والتعليم، والاتصال، إضافةً إلى تراجع نسبة تمثيله في الحكومة مقارنةً ببقية الأحزاب المشاركة فيها التي حصلت كلّها على نسبة أكبر من تمثيلها في البرلمان. ويُعدُّ العدالة والتنمية الحزب الوحيد أيضًا في الائتلاف الحكومي الجديد الذي نجح في الانتخابات التشريعية الماضية في زيادة حصته من مقاعد البرلمان وعدد الأصوات التي حصل عليها، وعلى الرغم من أنّ ذلك لم ينعكس على تركيبة الحكومة، فقد احتفظ بقيادتها. وتراجعت أيضًا أهمية القطاعات التي يديرها الحزب، بحيث لم يحصل على الوزارات الخدماتية المهمة التي تمكّنه من تحصيل شعبية انتخابية من خلال المشاريع الاجتماعية والخدماتية، وبقيت لديه وزارة التضامن ذات التأثير المحدود.

أدّت تركيبة الحكومة الجديدة إلى فتح باب نقاش بين القيادات والقواعد في حزب العدالة والتنمية حول مسار تشكيل الحكومة؛ إذ رأى فيها البعض تراجعًا من قيادة الحزب عن مطلب التعبير عن الإرادة الشعبية والحكومة التي تفرزها نتائج صناديق الاقتراع. ولكن، يغفل هؤلاء حقيقة أنّ الحزب لم يكن بإمكانه تشكيل حكومة بشروط بنكيران، ولم يكن أمامه سوى قبول تكليف الملك سعد الدين العثماني بموجب الدستور، أو العودة إلى المعارضة. ويصعب توقّع تفاعلات هذا النقاش داخل الحزب حاليًا.


العودة القوية للتكنوقراط ووزراء السيادة

عكست التشكيلة الحكومية المغربية الجديدة عودة قوية للتكنوقراط في التشكيلة الحكومية. ويعدّ هؤلاء إداريين متخصصين في مجالات اشتغالهم، من دون انتماء سياسي حزبي محدد غالبًا. ويتم ربط هؤلاء التكنوقراط عادةً بالقصر. وهكذا تبدّى في تشكيلة حكومة العثماني الحضور القويّ للمؤسسة الملكية في إدارة شؤون الوزارات السيادية، وهي الدفاع والأوقاف والشؤون الإسلامية والأمانة العامة للحكومة، أضيفَ إليها في الحكومة الحالية وزارة الخارجية، على الرغم من أنّ هذا لا يمثّل فرقًا، فالسياسة الخارجية حددها الملك أيضًا في مرحلة بنكيران؛ كما احتفظ المخزن بوزارة الداخلية التي كان يسيّرها وزيرٌ ذو انتماء حزبي في حكومة بنكيران الأولى قبل أن يتولاها لاحقًا تكنوقراطي في النسخة الثانية من حكومته سنة 2013. واللافت للانتباه هنا، هو تعيين وزير الداخلية الأسبق محمد حصاد وزيرًا للتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، وهو التكنوقراطي القادم من جهاز الداخلية. وقد جرى احتسابه فعليًا ضمن حصة حزب الحركة الشعبية بعد أن أُلحق به في آخر لحظة.


عودة الأحزاب الإدارية إلى الواجهة

الأحزاب الإدارية في المغرب هو اسم يطلق على أحزاب سياسية نشأت قريبة من دوائر صنع القرار السياسي في المغرب (القصر، ووزارة الداخلية)، في مراحل معينة من تاريخ المغرب الحديث ما بعد الاستقلال، في مقابل الأحزاب الوطنية التي نشأت في مرحلة تاريخية أسبق امتدادًا للحركة الوطنية المغربية (حزب الاستقلال، والحزب الشيوعي، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وغيرها).

توصف الأحزاب الإدارية عادةً بأنّها أحزاب نخبة، تتكوّن قواعدها الانتخابية أساسًا من الأعيان المحليين بخاصة في المناطق الريفية، ورجال الأعمال في المناطق الحضرية، يضاف إليهم عدد من الكوادر الإدارية من التكنوقراط الذين تناط بهم المهمات الرسمية لتسيير شؤون الوزارات والإدارات العمومية للبلاد.

ويعدّ حزبَا التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري أبرز هذه الأحزاب يضاف إليهما حزب الحركة الشعبية الذي يعدّ تاريخيًا بمنزلة حزب الأعيان في المناطق الريفية بخاصة في منطقة الأطلس المتوسط. وقد تحالفت الأحزاب الثلاثة في مفاوضات تشكيل الحكومة وفوّضت أمرها إلى رجل الأعمال عزيز أخنوش الذي غدا زعيمًا لحزب الأحرار، بعد أن ظل وزيرًا مستقلا للفلاحة في حكومة بنكيران، وقبلها وزيرًا تكنوقراطيًا باسم حزب الحركة الشعبية في حكومة عباس الفاسي. ومن المتوقّع أن يقوم حزب التجمع الوطني للأحرار بدور رئيس في الحياة السياسية المغربية خلال المرحلة المقبلة.


قراءة في مستقبل الحكومة الجديدة

أهم ما يمكن ملاحظته بخصوص حكومة العثماني أنّها حكومة ائتلافية تتكوّن من طيف متنوع من الأحزاب السياسية التي لا يجمعها رابط سياسي أو برامجي واضح، بحيث تتوزع أحزابها الستة بين إسلاميين ويسار ويمين ليبرالي ومحافظين.

وتنعكس هذه الوضعية على تركيبة الحكومة وبرنامجها الذي من المقرر أن تعرضه الحكومة على البرلمان للتصويت عليه ونيل الثقة الضرورية لتنصيبها قانونيًا. وقد ظهرت بوادر عدم الانسجام مبكرًا بين مكونات الحكومة؛ إذ اشترط أخنوش وقف إصلاح نظام الدعم، وعدم توزيع الدعم مباشرة على الفقراء. وهو أمر رفضه بنكيران وكان أحد أسباب الانسداد في تشكيل الحكومة (البلوكاج الحكومي).

ربما يؤثّر عدم انسجام التشكيلة الحكومية في قدرة هذا الائتلاف الحكومي على تنفيذ برنامج موحّد. وربما يؤثّر التنافر بين مكونات الحكومة أيضًا في استقرارها، إذا كانت حكومة تسييرية تجمع أحزابها الرغبة في الوجود في الحكم بدل الجلوس على مقاعد المعارضة. لكن ربما يكون الضمان لاستمراريتها هو قرار الأحزاب تجنيب البلاد أزمة حكومية أخرى، والتصرف بوصفها حكومة وحدة وطنية قوية قادرة على اتخاذ خطوات بعيدة المدى لو توافرت عند الأحزاب المشاركة إرادة إصلاحية.