العنوان هنا
تقدير موقف 25 أكتوبر ، 2012

انتخابات الكنيست: نتنياهو باقٍ في الحكم

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

مقدّمة

تُعدّ إسرائيل من الدّول القليلة في العالم التي يعتمد نظامها الانتخابيّ على طريقة التّمثيل النّسبيّ الخالص. وهو نظامٌ تشكِّل فيه كلّ أرجاء الدّولة دائرةً انتخابيّةً واحدةً. وقد قاد ذلك النِّظام الانتخابيّ، إضافةً إلى انخفاض "نسبة الحسم" من أجل الحصول على تمثيلٍ في الكنيست (وهي نسبةٌ قد بلغت 2% من مجموع أصوات المشاركين في الانتخابات)، إلى كثرة الأحزاب الصّغيرة والمتوسِّطة القادرة على النّجاح في الحصول على تمثيلٍ في الكنيست. إذ يكفي حصول أيّ حزبٍ على 2% فما فوق من مجموع أصوات المشاركين في الانتخابات، حتّى يفوز بمقاعد في الكنيست، وفق النِّسبة التي يحصل عليها من مجموع أصوات النّاخبين. ونتيجةً لهذا النِّظام الانتخابيّ، علاوةً على أسبابٍ أخرى تتعلّق بخلفيّة تأسيس المشروع الصّهيونيّ في فلسطين، لم يحصل أيّ حزبٍ في إسرائيل - منذ تأسيسها وحتّى اليوم - على أغلبيّةٍ في الكنيست. لذلك، كانت جميع الحكومات في إسرائيل، منذ تأسيسها وحتّى اليوم، حكوماتٍ ائتلافيّةً مكوّنةً من عدّة أحزابٍ. ومنذ عقودٍ عدّةٍ، انقسمت الخارطة الحزبيّة في إسرائيل إلى معسكرين أساسيّيْن متنافسيْن، يطلق أحدهما على نفسه اسم "المعسكر القوميّ"، الذي يشمل "حزب اللِّيكود" وحلفاءه من الأحزاب اليمينيّة والدّينية المتطرِّفة، بينما يشمل المعسكر المناوئ الأحزاب الصهيونيّة اليساريّة وأحزاب المركز. وإلى جانب أهميّة المنافسة الحزبيّة بشأن عدد المقاعد التي يحصل عليها كلّ حزبٍ، يبقى الأمر الحاسم المحدِّد لمن سيشكِّل الحكومة، هو: أيّ المعسكرين سيفوز بأغلبيّةٍ في الكنيست؟ إذ ليس ضروريًّا أن يشكِّل رئيس الحزب الأكبر في الكنيست الحكومةَ، وإنّما يشكِّلها رئيس الحزب الذي يحصل معسكره على ثقة 61 عضو كنيست على الأقلّ، من بين مجموع أعضاء الكنيست المئة والعشرين.

وفي ورقة تقدير الموقف هذه، سنعالج العوامل التي دعت نتنياهو إلى إجراء انتخاباتٍ مبكِّرةٍ للكنيست. وسنقف على ميزان القوى بين الأحزاب المختلفة والمعسكريْن المتنافسيْن. كما أنّنا سننظر في الأجندة التي تحاول الأحزاب طرحها في حملة انتخابات الكنيست.


أسباب الدّعوة إلى الانتخابات

ساهمت مجموعة من العوامل في دفع نتنياهو إلى التّبكير في الانتخابات، وإجرائها في 22 من كانون الثّاني / يناير 2013، وأبرزها:

أوّلًا: أظهرت مختلف استطلاعات الرّأي العامّ في إسرائيل، أنّ "حزب اللّيكود" سيزيد من قوّته قليلًا في الانتخابات القادمة، وأنّ معسكره سيعزِّز شيئًا ما من أغلبيّته في الكنيست؛ وهو ما سيمكّن نتنياهو من تشكيل الحكومة القادمة بسهولةٍ.

ثانيًا: صعوبة إقرار ميزانيّة الدّولة في الكنيست، في ضوء التّقليص الكبير في الميزانيّة الذي كان من المقرَّر إجراؤه. والأضرار التي قد يُلحقها هذا التقليص - في حال إقرار الكنيست للميزانيّة - بـ "حزب اللّيكود" وبشعبيّة نتنياهو، قبل أقلّ من عشرة شهورٍ من إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد.

ثالثًا: استغلال ضعف المعارضة والانقسامات والمشاحنات التي عمّت صفوفها، ومحاولة قطع الطّريق على منافسي نتنياهو قبل تنظيم أنفسهم، لاسيّما منهم رئيس الحكومة السّابق إيهود أولمرت، الذي كان قد أُرغم على الاستقالة من رئاسة الحكومة، بسبب ملفّات الفساد المسجَّلة ضدّه. فلقد كان من المتوقّع أن تنتهي معظم الإجراءات القانونيّة المهمّة المتَّخذة ضدّه في منتصف عام 2013، ممّا يمكِّنه من محاولة قيادة المعسكر المناوئ لنتنياهو في انتخابات الكنيست، إذا ما جرت في موعدها المحدَّد.

رابعًا: خشية نتنياهو من أن يتعرّض لضغوطٍ كبيرةٍ طوال عامٍ كاملٍ من جانب الرّئيس أوباما، وذلك في حال فوزه في الانتخابات الأميركيّة لفترةٍ رئاسيّةٍ ثانيةٍ. وتخوُّف نتنياهو من أن تتدخّل الإدارة الأميركيّة - في حال فوز أوباما - في الانتخابات الإسرائيليّة، لصالح المعسكر المنافس له؛ ممّا يساهم في التّقليل من فرص فوزه في انتخابات الكنيست.


أجندة الانتخابات

يؤكِّد المختصّون الإسرائيليّون، على أنّ أجندة انتخابات الكنيست، تؤثِّر في نتيجة الانتخابات تأثيرًا واضحًا. فإذا ما تمحورت أجندة الانتخابات حول قضايا الأمن والصِّراع، فإنّ فرص فوز "اللّيكود" ومعسكره في الانتخابات، ستزداد. أمّا إذا ترأّست القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة أجندة الانتخابات، فإنّ فرص فوز معسكر اليسار والوسط في الانتخابات، ستتحسّن. ذلك أنّ الانتخابات التي خسرها "اللّيكود" ومعسكره في الماضي، وفاز فيها معسكر اليسار والوسط، قد هيمنت عليها - أساسًا - الأجندة الاجتماعيّة والاقتصاديّة. وفي المقابل، ليست هناك أغلبيّةٌ تقف مع الموقف "المعتدل" في قضايا السّلام في إسرائيل. وتسود في هذه القضيّة الديماغوغيا القوميّة المتطرِّفة؛ على الرّغم من أنّ الموقف المسمَّى "معتدلًا"، هو موقف معسكر "حزب العمل" / كاديما، الرّافض عمليًّا لحقوق الشّعب الفلسطينيّ.

ويسعى نتنياهو و"حزب اللّيكود" والأحزاب اليمينيّة المتطرِّفة، إلى التّركيز على الأجندة الأمنيّة، وعلى قضايا الصِّراع في الانتخابات القادمة؛ وفي مقدِّمتها الملفّ النّووي الإيرانيّ، والصِّراع مع الفلسطينيّين والعرب، والتّهديدات الكامنة في الثّورات العربيّة على إسرائيل. ويقدِّم نتنياهو نفسه على أنّه القائد الأكثر ملاءمةً لمواجهة هذه الأخطار في هذه المرحلة بالذّات. وتؤكِّد استطلاعات الرّأي العامّ في إسرائيل، أنّ نتنياهو يتفوّق - أيّما تفوّقٍ -  على جميع منافسيه من قادة الأحزاب؛ خاصّةً عندما يُسأل المواطنون عن مسألة معالجة قضايا الأمن والصِّراع. وبحكم أنّ نتنياهو رئيسٌ للحكومة، ويتحكّم في تحديد وتيرتَي الاستيطان والصّراع مع الفلسطينيّين؛ فقد نزّل الاستيطان في مقدِّمة أجندة الانتخابات. وقد صادقت الحكومة الإسرائيليّة - في 18 / 10 / 2012 - على خطّة بناء 800 وحدةٍ سكنيّةٍ في مستوطنة غيلو في القدس الشّرقيّة المحتلّة. وفي هذا السّياق أيضًا، أعلن نتنياهو أنّ حكومته ستتبنّى قريبًا أجزاء هامّةً من تقرير إدموند ليفي، لاسيّما الأجزاء التي تشرعن لعشرات البؤر الاستيطانيّة غير القانونيّة  المقامة في الضفّة الغربيّة، وتمنحها وضعًا قانونيًّا، وكذلك الأجزاء التي تسهِّل زيادة بناء الوحدات الاستيطانيّة، ومصادرة الأراضي العربيّة، وسيطرة المستوطنين عليها. وقد يُقدِم نتنياهو أيضًا على تصعيد المواجهة مع الفلسطينيّين في قطاع غزّة، ويعود إلى سياسة اغتيال قادة حماس والتّنظيمات الأخرى، لاسيّما إذا ما رأى أنّ ذلك يخدمه، ويعزِّز من فرض أجندةٍ أمنيّةٍ على الانتخابات الإسرائيليّة.

أمّا الأحزاب الأخرى في معسكر اليسار والوسط، فإنّها تشدِّد على الأجندة الاجتماعيّة والاقتصاديّة. فـ "حزب العمل"، ما انفكّ يضع القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة على رأس اهتماماته، منذ انتخاب شيلي يحيموفيتش رئيسًا له، ويسعى إلى أن تترأّس هذه القضايا أجندة انتخابات الكنيست. فقد شدّد الحزب على غلاء المعيشة، وعلى ازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وكثرة الأعباء الاقتصاديّة التي تنوء تحتها الطّبقة الوسطى، مطالبًا بالعدالة الاجتماعيّة. ويعمل "حزب العمل" على تجيير حركة الاحتجاج التي شهدتها إسرائيل في الصّيف الماضي، لصالحه. وقد استقطب "حزب العمل" أبرز قادة حركة الاحتجاج للانضمام إلى صفوفه، ومن المتوقَّع أن يحتلّ عددٌ منهم أماكن مضمونةً في قائمة "حزب العمل" داخل الكنيست. أمّا حزب "يوجد مستقبل"، الذي أسّسه الإعلاميّ يائير لبيد في هذا العام، فيطرح أجندةً تشدِّد على تغيير طريقة الانتخابات، ووضع دستورٍ لإسرائيل، وإلزام الجميع بالخدمة العسكريّة.


ميزان القوى الحاليّ بين المعسكرين

تُظهر استطلاعات الرّأي العامّ التي أُجرِيت في الشّهور الأخيرة في إسرائيل، تفوّق المعسكر اليمينيّ - الذي يقوده نتنياهو - على معسكر اليسار والوسط، تفوّقًا واضحًا. ويتكوّن المعسكر اليمينيّ الذي يقوده نتنياهو من عدّة أحزابٍ يمينيّةٍ، ويمينيّةٍ فاشيّةٍ، وأحزاب دينيّةٍ متطرِّفةٍ. وهي: "حزب اللّيكود"، و"حزب إسرائيل بيتنا"، و"حزب شاس"، و"حزب يهدوت هتوراه"، و"حزب البيت اليهوديّ" (المفدال سابقًا)، و"حزب الوحدة الوطنيّة". ويبدو هذا المعسكر متماسكًا بقدرٍ أكبر من معسكر اليسار والوسط المناوئ له. وتقرّ مكوِّنات هذا المعسكر بقيادة "حزب اللّيكود"، وبقيادة نتنياهو لهذا المعسكر، فهو مرشّحهم لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات. وتتوقّع استطلاعات الرّأي العامّ في إسرائيل، أن يحصل "حزب اللّيكود" على ما بين 28 و29 مقعدًا في انتخابات الكنيست القادمة، مقابل 27 مقعدًا حصل عليها في انتخابات الكنيست السابقة، ممّا يجعله بذلك أكبر حزبٍ في الكنيست. أمّا "حزب إسرائيل بيتنا" المتطرّف، الذي يقوده وزير الخارجيّة أفيغدور ليبرمان، فسيحصل وفق استطلاعات الرّأي العامّ على 13 مقعدًا، متراجعًا بمقعديْن عن انتخابات الكنيست السّابقة. وتتوقّع هذه الاستطلاعات أن يزيد "حزب شاس" في تمثيليّته بمقعديْن أو ثلاثة مقاعد عن انتخابات الكنيست السّابقة، ليحصل على 13 أو 14 مقعدًا، بفضل عودة زعيمه السّابق أريه درعي إلى قيادته. وسيزداد حضور "حزب يهدوت هتوراه" بمقعدٍ واحدٍ، ليتحصّل على ستّة مقاعد. أمّا حزبا "البيت اليهودي" و"الوحدة الوطنية" الفاشيّان، فسيحصلان سويّةً على ستّة مقاعد. وبذلك سيحصل معسكر اليمين، واليمين المتطرِّف بقيادة نتنياهو، على أغلبيّةٍ واضحةٍ في الكنيست، تصل إلى 67 مقعدًا وفق استطلاعات الرّأي العامّ في إسرائيل.

ويبدو معسكر اليسار والوسط ممزَّقًا ومتناحرًا في ما بين مكوِّناته، على خلاف معسكر اليمين المتماسك بصورةٍ عامّةٍ. ذلك أنّ مكوّناته لا تقرّ بمكانةٍ قياديّةٍ لأيّ حزبٍ، ولا تتّفق على أيّ قائدٍ. وإلى حدّ الآن، لم تكتمل بعد الملامح النِّهائيّة لهذا المعسكر. فلا يُعرف إن كان رئيس الحكومة السّابق إيهود أولمرت سيخوض الانتخابات القادمة، أو إذا ما كان سيقود حزب كاديما  في حال قرّر خوض الانتخابات، أم أنه سيشكِّل حزبًا جديدًا؟ وعلى الرّغم من كثرة حديث وسائل الإعلام الإسرائيليّة عن إمكانيّة خوض أولمرت الانتخابات القادمة، فمن المرجَّح أن يعدِل عن خوضها في نهاية الأمر. أمّا بالنّسبة إلى رئيسة "حزب كاديما" السّابقة تسيبي ليفني، فيرجِّح المراقبون أن تؤسِّس لها حزبًا في المستقبل القريب، من أجل المشاركة في الانتخابات القادمة بشكلٍ مستقلٍّ، أو بتحالفٍ مع حزب "يوجد مستقبل" أو مع "حزب العمل". ويشمل معسكر اليسار والوسط الأحزاب التّالية: "حزب كاديما"، و"حزب العمل"، و"حزب يوجد مستقبل"، و"حزب ميرتس"، علاوةً على الحزب الذي تزمع تسيبي ليفني تأسيسه. ولقد شهِد "حزب كاديما" في الشّهور الماضية انكماشًا في شعبيّته، بتسارعٍ لم يعرفه أيّ حزبٍ آخر في تاريخ إسرائيل. فبعد أن حصل في انتخابات الكنيست الماضية على 28 مقعدًا، وكان بذلك أكبر حزبٍ في الكنيست، تتوقّع استطلاعات الرّأي العامّ أن تتقلّص المقاعد التي سيحصل عليها في الانتخابات القادمة إلى 6 أو 7 مقاعد. ويشكِّك بعض هذه الاستطلاعات في إمكانيّة تجاوز هذا الحزب نسبة الحسم، والحصول على تمثيلٍ في الكنيست، وذلك في حال خاضت تسيبي ليفني الانتخابات بقائمةٍ مستقلّةٍ، تستقطب فيها جزءًا من قادة حزب كاديما وكوادره. ومن المتوقَّع أن يحصل "حزب العمل" وفق استطلاعات الرّأي العامّ، على نحو 20 مقعدًا، بعد أن كان قد حصل على 13 مقعدًا في انتخابات الكنيست الماضية. وقد انشقّ خمسة أعضاء كنيست عن "حزب العمل" قبل عامين، بقيادة وزير الدِّفاع إيهود براك، وشكّلوا "حزب الاستقلال". وتشير استطلاعات الرّأي العامّ إلى مواجهة "حزب الاستقلال" مصاعبَ جدّيةً في عبور "نسبة الحسم"، والحصول على تمثيلٍ في الكنيست. كما تتوقّع أن يحصل حزب "يوجد مستقبل"  - الذي أسّسه هذا العام الإعلاميّ يائير لبيد - على 11 أو 12 مقعدًا في الانتخابات القادمة. أمّا "حزب ميرتس"، فتتوقّع له الاستطلاعات نفسها أن يزيد في تمثيليّته بمقعدين، ليحصل بذلك على خمسة مقاعد في الانتخابات القادمة. في حين تتوقّع استطلاعات الرأي العامّ، أن تحافظ "الأحزاب العربيّة" على حضورها، وأن تحصل على 11 مقعدًا في الانتخابات القادمة.


تشكيل القوائم الانتخابيّة

ستعدّ الأحزاب في الأسابيع القادمة قوائمها الانتخابيّة للمشاركة في انتخابات الكنيست. وسيقوم بعضها بإجراء انتخاباتٍ داخليّةٍ لهذه القوائم؛ مثل "حزب اللّيكود" و"حزب العمل". أمّا بعضها الآخر، فسيقوم قادتها بتعيين القائمة الانتخابيّة؛ مثل أحزاب: "إسرائيل بيتنا"، و"كاديما"، و"يوجد مستقبل"، و"شاس" و"يهدوت هتوراه". ولا يتّضح تمامًا إلى حدّ الآن، القوائم الانتخابيّة التي ستخوض الانتخابات من معسكر اليسار والوسط؛ لاسيّما بالنّسبة إلى تسيبي ليفني، والحزب الذي تعمل على تأسيسه.


الخاتمة

على الرّغم من إشارة استطلاعات الرأي العامّ في إسرائيل الواضحة، إلى تفوّق "حزب اللّيكود"  ومعسكره على معسكر اليسار والوسط، فإنّه من المبكِّر جدًّا الحكم باقتراب نتائج انتخابات الكنيست القادمة من استطلاعات الرّأي العامّ الحاليّة. إذ توجد مجموعة من العوامل التي ستؤثِّر في سلوك النّخب الإسرائيليّة، وفي نتائج الانتخابات. وأهمّها: أوّلًا، أجندة الانتخابات. إذ هل سيتمكّن نتنياهو من فرض أجندة الأمن والصِّراع على رأس اهتمامات الحملة الانتخابيّة، لاسيّما أنّه يتحكّم في عمليّة صنع القرارات، أم أنّ معسكر اليسار والوسط سينجح في فرض الأجندة الاجتماعيّة - الاقتصاديّة في الحملة الانتخابيّة؟ ثانيًا، هل سيتمكّن معسكر اليسار والوسط - وخاصّةً منه "حزب العمل"، الذي يبدو أنّه المنافس الأساس لـ "حزب اللّيكود" - من رفع نسبة المشاركين في الانتخابات لدى الجمهور المحسوب عليه في العادة، لتقترب - ولو قليلًا - من النّسبة المرتفعة جدًّا لدى قطاعات المتديّنين والمستوطنين واليهود الرّوس، أولئك الذين يصوِّتون لصالح معسكر اليمين؟ ثالثًا، هل سيتمكّن "حزب العمل" من استقطاب قادةٍ عسكريّين ذوي وزنٍ في مقدّمة القائمة الانتخابيّة، ليصبح في نظر الجمهور الإسرائيليّ - ذي العقليّة الأمنيّة - حزبًا صالحًا لأن يكون بديلًا لـ "حزب اللّيكود"؛ لاسيّما أنّ قائدته الحاليّة، هي نائبةٌ في البرلمان وإعلاميّةٌ سابقةٌ. رابعًا، ماذا سيكون شكل قائمة "اللّيكود" المقدّمة في انتخابات الكنيست؟ وهل سيتمكّن الفاشيّ موشي فيجلين وتيّاره داخل "حزب اللّيكود"، من الفوز بأماكنَ مضمونة في قائمة "حزب اللّيكود"، ممّا قد يقود إلى إضعاف "اللّيكود"، ويخسر جزءًا من المصوِّتين له من وسط الخارطة الحزبيّة في إسرائيل ويمين وسطها.

على الرّغم من كلّ ذلك، يبقى من المرجَّح أن يفوز معسكر اليمين بأغلبيّةٍ في الكنيست، من شأنها أن تمكِّن نتنياهو من تشكيل الحكومة القادمة. ومن المرجّح أيضًا، أن يسعى نتنياهو - في حالةٍ كهذه - إلى تشكيل حكومةٍ تستند إلى أحزاب من معسكره، و إلى "حزب العمل" كذلك. وذلك بموجب خياراته، التي قد تحتِّم عليه حكومة وحدةٍ وطنيّةٍ، من أجل عدم الرّضوخ لإملاءات أحزابٍ متطرِّفةٍ في معسكره. وإذا لم يقبل حزب العمل بعرضه، فإنّ لديه أغلبيّةً تمكِّنه من تشكيل حكومةٍ يمينيّةٍ متطرّفة.