شهد لبنان في السنوات الأخيرة صدمات واضطرابات عدّة؛ إذ اندلعت انتفاضة شعبية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، بعد أسابيع من ظهور بوادر الانهيار الاقتصادي الذي لا زال المجتمع اللبناني يعانيه ويحمل أبعادًا تاريخية، وتفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن الأحداث الكبرى، وعلى رأسها انفجار نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت الذي دمّر جزءًا من العاصمة بيروت في آب/ أغسطس 2020. وقد ذكر البنك الدولي أنه "من المُرجّح أن تُصنّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر"[1]. وفي هذا السياق، يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر الوطني، إضافة إلى أن الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 90 في المئة من قيمتها.
ويستعدّ لبنان لاستحقاق الانتخابات التشريعية المقرّر إجراؤها في 15 أيار/ مايو 2022، وهي الانتخابات الوطنية الأولى منذ الانهيار المالي والاقتصادي واندلاع انتفاضة 17 تشرين 2019. وتُشكِّل هذه الانتخابات محطةً مهمة في تاريخ لبنان السياسي، غير أن أغلب المحلّلين "متشائمون" بشأن نتيجتها، ويتوقّعون فوزًا ساحقًا للأحزاب التقليدية الرئيسة وتمثيلًا رمزيًا للقوى الجديدة الناشئة نتيجة الحراك الشعبي، ومن ثم استمرارًا فعليًا للوضع الراهن. لا يسعى هذا التقرير إلى تقديم مراجعة تحليلية للوضع السياسي في لبنان، ولا يهدف إلى تبنّي سرديّة أو وجهة نظر اجتماعية وسياسية محدّدة، بل يسعى إلى توصيف المشهد الاجتماعي والسياسي وتوجهات الناخبين قبيل انتخابات 15 أيار/ مايو 2022، مدعومًا بدراسة ميدانية. تستند التحليلات إلى دراسة استقصائية لعيّنة تمثيلية من 1200 لبناني ولبنانية (بهامش خطأ 2.8 في المئة) أجريت في الفترة 7-15 نيسان/ أبريل 2022.
* موّل صندوق الأبحاث الكبرى في معهد الدوحة للدراسات العليا Major Research Fund (MRF05-02) هذه الدراسة، ووافقت عليها لجنة المعهد لأخلاقيات البحوث العلمية على النشر Doha Institute’s IRB (DI-IRB-2022-F06).
[1] Lebanon Economic Monitor,
Lebanon Sinking (To the Top 3) (Washington, DC: World Bank Group, 2021), p. 12.